لن يأتي رئيس على متن مسيّرة أو صاروخ

يواجه لبنان الحرب الاسرائيلية الوحشية عليه وحيدا، كما فعلت غزة طوال عام كامل، الجغرافيا لا تسعفه، ولا توزع قوى المساندة، في ظل الانخراط الاميركي في الحرب الى جانب اسرائيل وتحالف من يسمون أنفسهم عرب الاعتدال مع العدو الاسرائيلي، وهو تحالف بات معلنا، اذا لم يكن بألسنة الحكام، فبأبواقهم الإعلامية.

ومن المفارقات ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ومعه أيضا رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز، ومسؤول السياسة والامن في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل وحكومات أوروبية أخرى، مهتمون بوقف الحرب على لبنان أكثر من القادة العرب حتى ولو تصادم ماكرون مع رئيس الوزراء الاسرائيلي المتوحش بنيامين نتنياهو.

سقطت مزاعم اسرائيل بأنها تخوض حربا ضد “حزب الله”، لبنان كله بات مستهدفاً، الدمار يطال الجميع، إذا لم يكن في الأرواح ففي الممتلكات والأعمال والإقتصاد والمؤسسات. ومن لا تصيبه القنابل والصواريخ تصيبه تداعياتها التي سيستغرق القيام منها وقتاً طويلاً. يخطئ من يعتقد ان اسرائيل تستهدف “حزب الله” وبيئته وحدهما، هذا ادعاء مخادع تلجأ اليه في سياق حربها النفسية على كل اللبنانيين. الخوف يعم لبنان، والهدف الاسرائيلي واضح ومعلوم وهو التحريض على المقاومة وخلق البلبلة في مختلف المناطق، لإثارة فتن طائفية ومذهبية ومناطقية.

تعمل بعض القوى السياسية في لبنان الى “التقاط” اللحظة معتقدة ان التطورات الميدانية باتت تسمح بانقلاب ما في المعادلة السياسية الداخلية، انقلاب مدعوم دوليا وعربيا على قاعدة انه يمكن التخلص من المقاومة، سلاحا وفكرة، وإقامة سلام على الطريقة العربية، كما في اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو، وفي الإختراع العجيب المسمى زورا وتزييفا تحالف الأديان الابراهيمية، ولا شيء لا في التاريخ اسمه الاديان الابراهيمية.

بعض القوى عبرت بخجل عن مكامن أنفسها وبعضها أبدى استعجاله، وبعضها طرح أفكاره مواربة، استحياء ربما، او حفظا لخط الرجعة. لكن بدا للجميع ان الخوض في تغيير المعادلات الداخلية ليس بالأمر اليسير في ظل استمرار الحرب.

الواقع اللبناني اليوم مأزوم سياسيا واقتصاديا ومعيشيا، فالبلد المفلس أساسا يواجه أوضاعا مأسوية، فكيف إذا أضيفت اليها تداعيات العدوان من دمار وتشريد لأكثر من مليون شخص عدد كبير منهم يقيم في أماكن غير مهيأة للسكن كالمدارس والقاعات العامة والكنائس والمساجد في ظل خزينة دولة فارغة وتقطيع أوصال البلد وقطع معابره البرية مع سوريا. ولعل أخطر ما يواجهه البلد هو الفراغ السياسي في غياب رئيس للجمهورية تختلف الاطراف السياسية على انتخابه منذ أكثر من سنتين، مع حكومة تصريف للأعمال مازالت النكايات السياسية تعرقل عملها بالحد الادنى. ومن هذا الباب تحاول بعض القوى وفي مقدمتها “القوات اللبنانية” الاستثمار في العدوان الاسرائيلي بهدف تغيير المعادلة.

لبنان بحاجة ماسة لرئيس، بحرب أو من دون حرب، فكيف في ظرف كالذي يمر به لبنان حاليا حيث تلقى الأعباء السياسية والدبلوماسية فيه على رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لكن انتخاب الرئيس ليس امرا سهلا في بلد بالغ التعقيد سياسيا وطائفيا ومصلحيا.

فيما يظن البعض ان العدوان الاسرائيلي سيسهل انتخاب رئيس جديد، فإن الأمر قد يكون ازداد تعقيدا. ما زالت الحرب في ذروتها، والطرف الأساسي المعني بها “حزب الله” في مكان آخر اليوم وهو منصرف الى ادارة شؤونه وشؤون الحرب ومتطلباتها، وبالتأكيد لن يقبل باستضعافه في المعادلة الداخلية فيما يخوض حربا وجودية.

في ذروة التدمير والقتل الوحشيين اللذين يمارسهما جيشه في غزة وفي لبنان، زعم نتنياهو بصفاقة وقحة في مكالمة حادة مع الرئيس الفرنسي ان ضرب “حزب الله” سيسهل الحل السياسي في لبنان ويحل مشاكله، طبعا اراد ان يلعب على مشاعر شريحة من اللبنانيين أبدت تجاوبا، وان غير معلن، مع هذا الطرح. لكن يبدو ان البعض استعجل التعبير معتقدا أن المقاومة هزمت وأن اسرائيل أصبحت داخل لبنان، وأن الرئيس العتيد قد يأتي محمولا على صاروخ أو مربوطا الى طائرة مسيرة، وهو ما أثبتت الأيام الاخيرة انه مراهنة غير واقعية، فالمقاومة لم تهزم، بل على العكس ما زالت ثابتة في الميدان وتظهر كل يوم قدرات جديدة، والحرب لم تقل كلمتها بعد، وبعدها  سيكون لكل حادث حديث.