جهدت «إسرائيل» وعلى مدى عام كامل على محاولة احتواء تداعيات عملية طوفان الأقصى التي أصابتها بالهلع الشديد سواء في فلسطين أو جنوب لبنان، وصولاً إلى إيران والعراق واليمن، وتجلى ذلك في المواقف السياسية والأداء العسكري حيث ظهر أن كل أدائها هو عبارة عن جرائم شنيعة بحق الأبرياء. فبالرغم من كل الدعم الأميركي اللوجستي والسياسي والإعلامي الذي توفر لها فإن «إسرائيل» فشلت في استعادة هيبتها أو ترميم قوتها الردعية.
واليوم، وعلى الجبهة اللبنانية تحاول «إسرائيل» الاستفادة من تفوقها الجوي لتدمير الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، وهي تدَّعي أن القصف يستهدف مؤسسات حزب الله وكوادره ومخازن أسلحته. لكنها بالرغم من السيطرة في الجو، فإنها عجزت حتى الآن في إحداث أي خرق على الحدود، فالمقاومة مازالت تقاتل على جبهة طولها 32 كلم من كفركلا الى مارون الراس، وهي تكبد العدو كل يوم المزيد من الخسائر.
هناك قرار إسرائيلي صارم بوجوب احتلال شريط في الأراضي اللبنانية، ومن دون احتلال هذا الشريط لا يمكن لإسرائيل أن توقف إطلاق النار، ومعها الولايات المتحدة في هذ التوجه. فـ«إسرائيل» بالرغم من الاغتيالات والتدمير لم تحقق الهدف المعلن، والمتمثل في إعادة المستوطنين في الشمال والقضاء على المقاومة، وهي تريد تحقيق هذا الهدف للانتقال الى المرحلة الثانية، والتي هي المطالبة بانسحاب المقاومة عن الحدود، وإدخال الجيش اللبناني والمزيد من القوات الدولية إلى المنطقة، وذلك تمهيداً للانتقال إلى مرحلة فرض الشروط على السلطات اللبنانية في مرحلة تشبه مرحلة اجتياح عام 1982.
فإسرائيل كانت تعتقد أن اغتيال أمين عام حزب الله يكفي لإحداث ضعضعة داخل قيادة المقاومة في الجنوب، والتي استوعبت الضربة سريعاً وامتصت الصدمة، وأثبتت أن جهوزيتها وكفاءتها لم تتأثرا بالرغم من هول الصدمة وشدتها.
فمنذ عملية اغتيال إسماعيل هنية، وصولاً الى اغتيال السيد حسن نصر الله تعيش دولة الاحتلال، حالات من الهستيريا والخوف عدا عن الخسائر المادية وتوقف الإنتاج والمدارس والتعليم، وهروب عدد كبير من المستوطنين.
وأتت لاحقا العملية النوعية للمقاومة في قلب المنشاة الجوية في حيفا لتطرح السؤال التالي: “إذا كانت هذه المسيرة قد وصلت إلى الهدف المحدد لها، وحققت إصابات مباشرة، ومن المعروف عادة إن المطارات تكون أكثر المناطق تحصيناَ وحماية، فما قيمة منظومة الدفاع الإسرائيلية ومعها الأميركية والغربية، ومدى فعاليتها في حماية كيان العدو؟ وهذا ما يرعب إسرائيل، ويعطي مصداقية أكبر لعمل محور المقاومة.
ما لا شك فيه أن العملية ستؤدي حتماً الى تزايد معارضة الجمهور الإسرائيلي لحكومة بنيامين نتنياهو، ما يساعد الولايات المتحدة على الضغط عليه بغية الموافقة على آلية لوقف إطلاق النار، سواء في غزة أو جنوب لبنان، تفادياً لحربٍ مفتوحة. خاصة أن العملية حملت رسالة واضحة للأميركيين وللصهاينة، وهي انه إذا استمر العدوان، فهي مستعدة للجوء الى أساليب أكثر تطوراً ما زالت تخبئها وتحمل المزيد من الفعالية القتالية في مختلف الساحات، وتؤدي الى مزيد من الإرهاق لكيان العدو وصولا إلى انهياره.
لقد بات الجميع مقتنعاً اليوم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، بان «إسرائيل» هزمت، وبأن إعطاءها المزيد الوقت في الميدان. لن يأتي لها إلا بمزيد من الخسائر، وفي المقابل نجد أن المقاومة رسمت المشهد بما يلائمها، ونجحت في اعتماد الاستراتيجيات والتكتيكات المناسبة ومنعت العدو من تحقيق أهدافه.
وفي المقابل نجد أن نتنياهو، وفي سعيه المحموم لتحقيق أي انتصار وبأي ثمن، فهو ما يزال يعمل لإجهاض كل مشاريع وقف إطلاق النار التي تعمل عليها الولايات المتحدة بصورة رئيسية، وفي ظل عجز «إسرائيل» الذهاب الى حرب إقليمية بمفردها، وإحجام أميركا عن خوضها مع «إسرائيل». فأن الوضع الميداني سيظل يراوح مكانه، وستستمر المقاومة بالمواجهة الفاعلة. خاصة أن الولايات المتحدة لا تريد الانشغال في الحرب اقله في المرحلة الحالية لأسباب تتعلق بالانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد اقل من شهر واحد. إضافة الى الخوف من استهداف مصالحها في المنطقة.
أما التوقعات للأيام القادمة فهي أن الأمور تتجه الى التصعيد، ولكن تصعيد مضبوط بحيث لا يؤدي الى انفجار إقليمي، وبذلك يكون محور المقاومة قد كسب المزيد من النقاط في عملية المواجهة ضد كيان العدو بانتظار المرحلة المقبلة، والتي ستكون مرحلة انهيار «إسرائيل» من الداخل قبل أن تكون مرحلة انهيارها تحت تأثير ضربات محور المقاومة.
________
(*) كاتب ومحلل سياسي.