بطل في زمن الرداءَة والانبطاح

ثلاثة من الأحداث المفصلية في حياة الشهيد السنوار مرتبطة بشهر أكتوبر، أولها، ميلاده في التاسع والعشرين منه قبل 62 عامًا. وثانيها، تدبير عملية طوفان الأقصى البطولية والإشراف على تنفيذها في السابع من أكتوبر 2023. وثالثها، ارتقاؤه شهيدًا في مواجهة مباشرة مع العدو، مقبلًا غير مدبر، في السادس عشر من الشهر ذاته 2024. يُروى عنه القول:”لن أموت في فراشي كما يموت البعير أو بسكتة دماغية أو بحادث سير. مكاني أرض المعركة وسلاحي بيدي مقاتلًا. فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا”. وهكذا كان استشهاده، كما تمنى وأراد. أما ارتجاله بيتَ شعر لشاعر فلسطين عبد الرحيم محمود، الملقب بالشهيد، ففيه رسالة عميقة المعنى والمبنى، وساطعة الدلالة والمغزى، مفادها، أن لا خيار في التعامل مع العدو الغاصب غير الحياة بعزة وكرامة أو الاستشهاد فداءً للوطن. وهذا هو ديدن الرجال الأحرار، حرية كاملة غير منقوصة، والتأبي على حرية السيادة للعبيد. هكذا، يقدم يحيى السنوار نفسه قائدًا مقاوِمًا مُلهِمًا، لمن يواصلون حمل راية الكفاح حتى كنس الاحتلال وتحرير الأرض. ليس هذا فحسب، فقد كشف السنوار باسشهاده في الميدان زيف ادعاءات العدو ومزاعمه باختبائه في الأنفاق واحتمائه بالأسرى!

ومثلما أسقط السنوار ورجال المقاومة أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” في السابع من أكتوبر إلى الأبد، فقد مرغ بالتراب صورة التفوق الاستخباري الصهيوني وقدم دليلًا فاقعًا على أنها وهمٌ لا أكثر. فلم يكن العدو يعلم أن القائد المقاوم يحيى السنوار، يتقدم الصفوف مع رفاقه في خطوط المواجهة. ولم يخطر ببال أفراد تلك المجموعة من جلاوزة العدو في حي تل السلطان في رفح، أن النيران المنهمرة عليهم مصدرها مقاومون أحرار يتقدمهم يحيى السنوار ذاته، المطلوب الأول في فلسطين المحتلة للكيان اللقيط.

استشهاد قادة اختاروا طريق التحرير ومقارعة العدو في زمن النكوص والاستسلام، مثل السيد حسن نصر الله ويحيى السنوار خسارة كبيرة لا شك في ذلك ولا ريب. ونقر بأن العدو وجه ضربات قاسية للمقاومة، خلال الشهرين الأخيرين. لكنه، يخطئ الحسابات ومعه رعاته إذا توهموا أن المقاومة مرتبطة بأشخاص. المقاومة فكرة متوهجة، ما دام الإحتلال قائمًا.

وعليه، يمعن العدو في الخطأ أكثر، إذا اعتقد أن المقاومة ستضعف بعد استشهاد عدد من قادتها، وأنه سيحقق ما عجز عن تحقيقه خلال سنة ونيف من العدوان والجرائم غير المسبوقة. فالحرب سجال، ودرب التحرير يستدعي النفسَ الطويل. والعبرة دائمًا في النهايات، والمهم من يضحك أخيرًا.

في لبنان الشقيق، يواصل حزب الله مواجهة العدو بالكفاءة ذاتها التي كان عليها في حياة قائده حسن نصر الله، وزاد على ذلك الإنتقال إلى مرحلة إيلام جيش النازية الصهيونية. ولا نظن أن المقاومة الفلسطينية، في غزة وفي فلسطين المحتلة كلها، ستتراجع قيد أنملة عما هي عاقدة العزم على تحقيقه، مهما طال الزمن ورغم الفارق الكبير في الإمكانيات لصالح العدو.

المقاومة تحارب على أرضها دفاعًا عنها، وقد أعدت نفسها لمواجهة طويلة من أجل استرداد الحقوق المشروعة، والتاريخ يعضدها لأنها في الجانب الصحيح منه. أما العدو، فطارئٌ على الجغرافيا وغاصب لحقوق غيره بمعايير التاريخ. يقف على رجليه بالدعم الأميركي والغربي المفتوح، وهو قطعًا في الجانب المظلم من التاريخ.

لن تُهزم مقاومة يستشهد قادتها واقفين مشتبكين مع العدو، كما رسم يحيى السنوار واقعة استشهاده. ارتقى السنوار، في ساحة المواجهة مع العدو، كرّارًا غير فرارٍ دفاعًا عن شعبه وقضيته العادلة.

وهذا يكفي بمعايير الحق والحقيقة، لمنحه لقب بطل في زمن الرداءَة والانبطاح.