المطامع الاقتصادية في بلادنا

منذ الأزل والحروب محمولها الأساسي الاقتصاد، اما المسببات فمجرّد ذرائع لا يمكن لاحد التكهن بمحمولها، من العقائد الدينية لأخر طير حمام او لعبة غلة. وما يجري اليوم في هذا المشرق لا يشذ عن القاعدة.

كنا في لبنان قبيل الحرب الاهلية، نناوش السلطة كلما سمحت لنا الظروف. والذرائع عبارة عن مروحة قد تكون تربية وتعليم، او حرب فيتنام او نيكارغوا، عدوان صهيوني او حتى رغيف خبز او شركة اسماك. وفي القعر الهيمنة الطائفية لطائفة بعينها مع إقطاع مشكشك في باقي الطوائف. أما المسألة الاقتصادية فلم تكن في سلم الأولويات لاعتبارات فكرية قادمة من جهة اليسار، ومعمل غندور وحده لم يكن كافياً لإحداث التغيير.

سبق وجرى اعتبار دخول القوات الشامية إلى لبنان انه يفتح باب الامل، لوقف الحرب وانهاء المأساة او لاستعادة دور دمشق التاريخي، مع محمول فكري وحدوي طليعي في السياسة والاقتصاد والثقافة. الا ان حساب الحقل اختلف عن حساب البيدر، بحيث اكتفت قيادتها الميدانية بإمساك الملف الأمني وتمرير ما يطلب منها محلياً وإقليمياً ودولياً. ولم نشتم من مشروع الطائف ومجرياته، انه شبيه بالإنزال الاميركي على شواطئ بيروت عام 58، الذريعة لبنان ومشاكله والوجهة العراق. حتى بعد حرب الخليج واجتياح الكويت، لم تتم المراجعة لتسديد الخطى فكان ما كان وانسحبت الشام ولم يمض ست سنوات حتى لحقوا بها إلى عقر الدار كما يقال.

فرصة ذهبية كانت لتغير معالم هذا المشرق لو أحسن استعمالها. وكل ذلك لأننا لا نقيم وزناً للاقتصاد، اذ اننا نعتبر انه لعبة فردية تخص اصحابها من مستثمرين وتجار، دون إشراك المجتمع وتوعيته على المصالح التي يمكن تحقيقها له، في حال توسيع دائرة السوق للتكلفة والبطالة وسائر الحقول الخدمية.

الانتعاش الاقتصادي المجتمعي يمكن له وحده ان ينسي الناس الفروقات العقائدية، ادياناً ومذاهباً كما والوضعي منها. ولا يكتفي الناس بذلك، بل يصبحون أكثر شراسة للحفاظ على المكتسبات التي جنوها من ذلك الانتعاش، فيقومون بالذود عن الارض والوطن تلقائيا، واجزم انه حينها لن يكون هناك حالة فرار واحدة من الخدمة العسكرية حين الحاجة.

راقبت ما حدث لدمشق منذ بداية مأساتها تحديدا، من وقع من اهلها بفخ المتربصين بها وتبين ان المناطق التي كانت تعتاش على التهريب بين بيروت ودمشق، وبغداد ودمشق، وأنقرة ودمشق، كانت اول من وقع بالفخ، وذلك بعد تولي الاميركي مجريات الأمور في العراق وانسحاب دمشق من بيروت. بالطبع يضاف اليها أزمات داخلية لا بد لمن يتولى امر الحكم مراجعة ما حدث.

اليوم يقوم الصهيوني المقيم في المنطقة مقام الولايات المتحدة الاميركية والغرب على العموم، فهل يعتقد أحد ان ما نحن بصدده انما عرش سليمان او كنيسة قيامة او مسجد أقصى؟ هل هذا هو الهم الإمبريالي؟ اوليس كل ذلك المحمول ذريعة تشبه ما قام به بابا روما حين جند أمراء أوروبا وقاموا بحملاتهم باسم تحرير بيت المقدس وكانت القصة مغايرة تماماً لذلك؟ ما يحدث اليوم شبيه بالأمس لكن باختلاف الأدوات مع هَمٍّ احادي هو الاقتصاد.