سؤال: هل بات بالإمكان بالمعطيات التاريخية والاركيولوجية المتوفرة، رسم صورة أولية او الكلام عن شخصية سورية ذات ملامح واضحة؟
جواب
معالم أي شخصية مجتمعية إنسانية ترتكز على روائز أساسية تمنحها ملامح وقيم ومعاييرتختلف بين مجتمع وآخر، هذه المرتكزات ممكن أن تكون خلْقية في المجتمع غير المنفتح وغير المتفاعل مع الاخر، لكن هذا وفق المعيار التطوري التاريخي من النادر أن نجده إلا في الجماعات التاريخية المنغلقة كمجتمعات الصيادين في وقتنا الحاضر.
في المجتمع المنفتح والمتفاعل \ سواءً سلباً أو إيجاباً \ سنجد أننا أمام محددات مجتمعية \ قابلة لجملة من المتغيرات حسب التأثر والتأثير الحضاري الاجتماعي.
التفاعل يحفز على التطور في الشخصية، لهذا كلما وجدنا مجتمعاً متعدد الثقافات كلما كنا أمام غنىً ثقافي وحضاري، فهو مسار حتمي وفق النهج الإنساني، في حين تغلب على المجتمعات المنكفئة على ذاتها حيوية الموت بأكثر من حيوية الحياة وآفاقها الرحيبة.
البيئة الطبيعية تلعب دوراً مهماً في صياغة شخصية الجماعة، حتى طبيعة التضاريس والجغرافيا تقدّم تنوعاً لشخصيات اجتماعية بين بدوية وزراعية وصولاً إلى المدينية.
إذاً ثمة ركيزتان تستند عليهما شخصية المجتمع \ هذا قبل عصر العولمة بالطبع \ التفاعل والبيئة.
نحو المشرق بقليل، نستطيع مقاربة البيئة المتنوعة بين جناحيه الرافدي والشامي، هنا تفترق البيئة بما يُشكّل تمايزاً أثر على شخصية الجماعة بين هنا وهناك.
دجلة والفرات أكّدا طبيعتهما المتغيرة بالتحالف مع المناخ وظواهره السلبية والإيجابية،
حين تكرر وثائق الرافدين مقولة ” ما قبل الطوفان وما بعده” فنجن واقعون على جملة متغيرات في نفسية الجماعة، التحريض الطبيعي بنوعيه السلبية والإيجابي والاستجابة له بموقف يضمن البقاء والوجود، من هنا أخذَ الطابع الشخصي الرافدي حدّته التي نمت لا شعورياً من خلال المحرضات.
في دردشة مع الراحل د. محمد محفل وحين أتينا على شخصية المجتمع المشرقي الاجتماعية قال: هناك حدّة رافدية مقابل الهزل المصري، بلاد الشام استطاعت مزج الحدة مع الهزل وعدّلتْ الميزان النفسي المجتمعي. وشبّهَ هذا بأخذ الكتابة السينائية من مصر والأكدية الرافدية لتولد الأبجدية في الساحل الشامي.
الناظم العام للشخصية الرافدية كان أكثر استعداداً لمواجهة نكبات البيئة والمناخ لهذا امتزجت فيه قوى التحدي مع محبة الوجود.
بالمقابل، تمتعَ الجناح الشامي باعتدال مناخي وطبيعي، ضربات المناخ أثرتْ فيه لكنها لم تصل عميقاً إلى اللاشعور.
الإيقاع الطبيعي البيئي لعب دوره في التوازن الشخصي للجماعة، والأمر المهم هنا هو الوجه البحري لبلاد الشام الذي تعِب ملوك الرافدين للوصول إليه وغسل أسلحتهم فيه.
الوجه البحري فضاء ثقافي آخر، رحب التفاعل والمثاقفة، كم هو طريق للجيوش، وللأفكار.
التضاريس في بلاد الشام لعبتْ دورها ولاسيما في جنوبها فسحت المجال للتفاعلات العربية فيما بعد عبر الامتداد الصحراوي العربي مع البادية الشامية لهذا نجد أغلب التوضعات العربية الأولى في الألف الأول ق.م تتخذ من شمال شبه الجزيرة العربية وصولاً إلى البادية الشامية استقرارات لها.
التضاريس هنا قدّمتْ ثقافات بدوية وزراعية ومدينية متفاعلة أكثر توازناً، لا ننسى أيضاً طبيعة الجو اللطيفة وهو ما ذكره ابن خلدون في اعتدال الهواء وهكذا.
كل هذا شكّلَ شخصية مشرقية شامية مستمرة حتى الآن وحدتها مع الشخصية الرافدية وحدة المصالح، وشيْ مهم آخر هو الدور الذي لعبه الانسياح الأموري من جبل بشري نحو الرافدين منذ نهاية الألف الثالث ق.م ثم تأسيسه لممالك أمورية على مدى المشرق بجناحيه بابل، آشور، ماري، اشنونا، إبلا، قطنة، يمحاض\ حلب، كركميش وغيرها، كذلك مدن الجنوب الرافدي.
ثم بعد ألف سنة سيتداخل المكون الاموري بالوافد الآرامي الجديد على مدى المشرق سلماً وحرباً كما نجد في الصراعات الآشورية – الآرامية، دون صراعات بابلية – آرامية.
إذاً، في التفاصيل نستطيع أن نقارب أكثر مسالة الشخصية المشرقية بالتحالف بين علم التاريخ وعلم الاجتماع والعلوم المساعدة الأخرى.
رؤيا معاصرة:
يمكننا تلمس الأمزجة الاجتماعية في دول المشرق حالياً، بين دول تُقارب النمط البدوي رغم الحداثة \ الأردن مثلاً \ ودول تحاول قدر الإمكان المزج بين البداوة والتحضر القديم والتحديث \ كالعراق \ ودول أقرب إلى ذاتيتها لكنها لم تكتمل بفعل الاحتلال \فلسطين\ ودول مزجتْ كل مكوناتها بعامل القوة وليس بعامل الوعي \سوريا\ ولبنان المترنح بين الحنين المُتخيل للفينيقيين \ الذين هم كنعانيون وأموريون \ عند البعض، والتعريب عند البعض الآخر والتماهي مع الغرب لسانياً وشكلياً وسياسياً عند بعض آخر.