قبل البحث عن هويات جديدة

بعد سقوط الخلافة التركية تفتق ذهن البعض لإبراز هوية جديدة مكان القديمة الدينية وأطلقوا عليها صفة العروبة. مئة عام من محاولة تسويق للهوية الجديدة، من قبل أنظمة وأحزاب ومؤسسات رسمية (الجامعة العربية) وقمم ملكية ورئاسية واجتماعات لا تحصى ولا تعد لمختلف وزارات الدول المنضوية تحت تلك الجامعة، كما في كل محاولة إنسانية تبنت العامة الهوية. إلا ان اصحاب الحل والعقد بقوا حيث هم بولاءاتهم القبلية والعشائرية والدينية والمذهبية والمناطقية.

يمكن رد أسباب الإخفاق الذي مني به المشروع “الهوياتي” إلى أن جميع من نادى به وعمل له ممن وصلوا للسلطة لم يكلفوا أنفسهم عناء اقامة ثقافة جديدة يستطيعون من خلالها توطيد المفهوم الذي تم اختراعه. وكان الموروث الديني هو العماد الأساسي له حتى انهم خلطوا بين علماء الفكر عند العرب والأعاجم. هذا الامر حدا بأولئك الذين تمسكوا بالدين كهوية تحديدا مما قيل انهم عرب معاودة الرهان على الغرب كما فعل اسلافهم الذين تصدوا للخلافة العثمانية ونجح الغرب في استغلالهم لوأد اي محاولة وحدة.

ان العامة التي ارتضت الهوية الجديدة (العروبة) عانت الأمرين من الأنظمة التي نادت بها، لأن الهم لدى الأنظمة التي قامت ما بعد الاستقلالات والانقلابات التي تلتها توطيد الوجود والشرعية بأسلوب بوليسي امني جعل العامة في حالة احباط دائم ففضلت العودة إلى حالتها الايمانية بتعدد تلاوينها. ، والفشل لما سعت اليه الأنظمة  واضح وضوح الشمس،ان بعدم قدرتها على تحرير فلسطين او بتطوير المفهوم الجديد الذي كان ينقصه الحس القومي العملاني وليس العاطفي الذي وطدته الاديان،رغم انها احتكرت التربية والتعليم وسائر  حقول الثقافة واكتفت بالأخذ بمنظومة الخلافة خالية من الدسم الديني وما مصر عبدالناصر وعراق صدام وسورية الأسد إلا صورة نمطية لبني أمية والعباسيين والفاطميين.

بعد نكسة ال 67، لاحت فرصة جديدة للمفهوم العروبي للإحباط الذي لحق بالعامة لكن سرعان ما تبخر مع ما قامت به مصر اثر حرب ال 73، وعادت الكيانية بأبهى حللها لتتصدر المشهد العربي. وبدأ البحث عن الهوية من جديد حتى ان الاسد الاب بحسب ما نقل عنه تلا فعل الندامة لمحاربته للقومية السورية وأعتبر فلسطين جنوب سورية بعد طوفان الأقصى لاح امل جديد للعروبة بان تشق طريقها وباعتقادي الامل ما زال قائماً رغم المواقف المخزية لغالبية الأنظمة العربية القائمة وهروبها من المواجهة بحجة ان من يقاوم يحمل مفهوم ديني ومذهبي وان المعركة هي لصالح دول الاقليم أكانت إيران او تركيا.

هذه المواقف إذا ما بقيت على حالها، رغم اشتداد الصراع وهمجية المعتدي وضراوة المعركة، ستؤدي إلى البدء في البحث عن هويات جديدة غير تلك التي قامت بعد سقوط الخلافة.

منذر عبدالباقي