الاسباب الموجبة لتعديل دستور سعاده ووجهة هذا التعديل – الحلقة التاسعة

الاسباب الموجبة لتعديل دستور سعاده ووجهة هذا التعديل – الحلقة التاسعة

بناءً على ما تقدّم، نرى وجوب أنشاء رتبة أخرى أدنى من رتبة الأمانة، وذلك تنفيذاً للدستور نفسه الذي ينص على أن نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب (بصيغة الجمع) والوظائف. وإن قول سعاده لعساف أبو مراد إن رتبة الأمانة هي أعلى رتبة في الحزب، يُفتَرض أن يكون هناك رتب أدنى من رتبة الأمانة. كما أن قسم المسؤولية في المادة الرابعة عشرة من دستور سعاده ينص على أن “كل من عُيِّن في وظيفة أو رتبة يؤدي القسم التالي”، مما يعني أنه في الحزب أكثر من رتبة وليس رتبة واحدة وحيدة. لو كانت رتبة الأمانة هي الرتبة الوحيدة في الحزب لكان النص أشار الى ذلك وقال: “كل من عُيِّن في وظيفة معينة أو مُنِح رتبة الأمانة يؤدي القسم “.

والرتب يجب أن تحصَّل تحصيلاً ولا تُمنح منحاً، وطريقة تحصيلها يجب أن تكون سهلة وغير معقدة. وعندما تتضح كيفية التحصيل تتضح كيفية التجريد. لذلك رأينا أن نقوم بالخطوات التالية:

1 – مرسوم دستوري يصدره المجلس الأعلى يتضمّن قانوناً بإنشاء رتبة “ركن” تؤهل حاملها لشغل وظيفة منفذ عام أو عميد وما دون بما فيه وكيل عميد، أو ناموس عمدة، أو رئيس دائرة أو أية وظيفة أخرى في مركز الحزب.

ويجب أن يحدد المرسوم- القانون الشروط والمؤهلات المطلوبة مثل أن يكون قد مضى على انتمائه الى الحزب سنتان على الأقل، ويكون حاصلاً على مستوى تعليمي أقلّه للمرحلة الثانوية، ويكون مناضلاً ممتازاً بالفكر والفعل في سبيل القضية والعقيدة مجاهراً بها كتابة أو خطابة أو محاضرة، وقام بأفعال وعطاءات ملموسة ومشهودة من مؤسسات الحزب في سبيل العقيدة والنظام، ويكون مثالاُ في الإيمان بالزعيم والعقيدة والنظام.

يتقدم العضو الجدير بنفسه بطلب للحصول على إفادات من المؤسسات الحزبية الشاهدة على ذلك، من عمدة الداخلية، أو الدفاع، أو المالية، أو أحد أجهزتها، ويرفع وثائقه إلى مجلس العمد لدرسها والتحقق من صحتها حتى إذا صدّقها المجلس ووقعها رئيس الحزب في جلسة رسمية يكون العضو قد اجتاز مرحلة التحقق من صحة الإفادات وصار طلبه جاهزاً لرفعه الى السلطة القضائية لتتحقق هذه من اكتمال الشروط والمؤهلات المنصوص عليها في الدستور. ومع تحقق السلطة القضائية في غرفة القضايا الدستورية من ذلك ، يكون صاحب الطلب قد استحقّ رتبته التي سيحصل عليها بمرسوم عادي يصدره رئيس الحزب يُعمَّم ويُنشر في النشرة الرسمية.

وإذا تبين لمجلس العمد أن هناك شكّاً في صحة بعض الإفادات والمعلومات، أو تبين للسلطة القضائية أن الشروط والمؤهلات الدستورية غير مكتملة، يكون الطلب قد رُفِض وفي هذه الحالة يتم إبلاغ صاحب الطلب برفض طلبه مع تبيان الأسباب.

أمّا عملية تجريد العضو من رتبة “الأركان” فتكون عبر شكوى يحق لأي رفيق وفي أي وقت تقديمها الى السلطة القضائية وهذه تحكم بتجريد الركن من رتبته إذا ثبت لها أن الشكوى صحيحة بعد محاكمة علنية. ولا يستعيد الركن رتبته إلّا بعد انقضاء سنتين على فقدها وبعد تقديمه طلباً جديداً مستوفياً شروط الحصول عليها.

إن حاجزين إثنين يجب أن يجتازهما بنجاح كل رفيق يسعى لنيل رتبة حزبية هما:

حاجز الحصول من الإدارة الحزبية على الإفادات الخطية الشاهدة على أعماله ومؤهلاته التي يجب أن تكون محفوظة في سجله الشخصي. ثم حاجز المحكمة المركزية، غرفة القضايا الدستورية، التي مهمتها التحقق من أن الإفادات المقدمة هي كافية وتتضمّن كافة الشروط الدستورية للرتبة، أي أن الرفيق يتمتع فعلاً بالمؤهلات المطلوبة دستورياً.

يتبين من هذه الطريقة أن دور المؤسسات التنفيذية في الحزب- المدير والمنفذ ومجلس العمد- هو دور إداري فقط، وأن شروط الرتبة قد تأمنت بالاستحقاق وبمبادرة الرفيق نفسه للحصول على الإفادات المطلوبة من مصادرها، ولم يمنحه إياها أحد منحاً. أمّا دور السلطة القضائية فهو ضروري للتحقق من توفّر الشروط والمؤهلات الدستورية، أي المنصوص عليها في الدستور، وقد ذكرنا في مكان آخر أن السلطة القضائية هي التي تبت في أي نزاع محتمل حول تفسير الدستور.

3 – مرسوم دستوري يصدره المجلس الأعلى يتضمّن قانوناً بإنشاء “رتبة الأمانة” تؤهل حاملها لشغل وظيفة عضو مجلس أعلى أو رئيس الحزب أو قاضي عضو المحكمة المركزية، وما دون. ويحدد المرسوم- القانون الشروط المطلوبة، وهنا نصل الى النقطة الحساسة التي يجب أن تحظى بعناية فائقة للأسباب التالية:

قلنا إن سعاده كان هو بنفسه مَن “يمنح” رتبة الأمانة كونه هو الزعيم صاحب السلطة ومصدرها بنفس الوقت، وكان هو يعرف الجميع ويعرف مؤهلاتهم وإذا كانت منطبقة على الشروط الخمسة الواردة في المرسوم عدد 7، أم لا، ولم تكن مؤسسات الحزب قد اكتملت جميعها بعد. فضلاً عن ذلك فإن هذه الشروط الخمسة لم تكن قابلة للقياس والتحقق من توفرها إلّا من قِبل الزعيم الذي كان يحتك بالجميع ويختبر بنفسه مزاياهم ومؤهلاتهم.  أمّا اليوم في غياب الزعيم فهناك ضرورة لصياغة شروط الحصول على الرتبة بطريقة يمكن قياسها والتحقق من أنها بالفعل متوفرة. مثلاً: كيف يمكننا التحقق من توفر شرط “أن يكون قد قام بأفعال وتضحيات غير اعتيادية”؟ ما هي الأفعال والتضحيات غير الاعتيادية؟ كيف نُعرِّفها وكيف نعرف بها.

أيضاً، كيف يمكننا التحقق من توفر شرط “أن يكون قد أظهر تفوقاً جلياً في الإيمان القومي الاجتماعي وفي الإدراك العالي للعقيدة…”؟ نعتقد أن إظهار التفوق في الإيمان وفي الإدراك العالي كان متيسراً للزعيم أن يلاحظه في الحلقة المقربة منه من الأعضاء، أمّا اليوم فالأمر قد اختلف كثيراً ولا يمكن إظهار هذا التفوق وهذا الإدراك العالي إلّا عبر إنتاج ثقافي عقائدي يحظى بموافقة “لجنة النقد العقائدي” التي شرّع لها الزعيم بمرسوم في 26 تشرين الثاني سنة 1947[1]   ويمكن إظهار هذا التفوّق  أيضاً  في نشاطات الندوة الثقافية التي أصدر الزعيم مرسوماً بإنشائها في 25 نيسان سنة 1948[2]   إذاً، يجب تعديل صياغة الشروط الخمسة لتصبح قابلة للقياس وللتحقق من توفرها من قِبل مؤسسات الحزب، وبالتالي يمكن لهذه المؤسسات أن تُصدِر إفادات خطية للعضو الذي يطلبها. ورغم ذلك يجب الاعتراف أن القياس في مسائل المؤهلات الروحية غير المادية، مثل الوعي والأخلاق، هو شأن صعب، فيجب هنا صياغة شروط الأهلية بطريقة تكون فيها أقرب ما يمكن لإمكانية قياسها!              

ورأينا أن يتقدم الركن، الذي يرى أن شروط رتبة الأمانة متوفرة فيه، ويطلب من الإدارة الحزبية، أي من العمدة الشاهدة على إنجازاته وأعماله الحزبية التي قد تكون عمدة الثقافة أو المالية أو غيرها، أن تعطيه إفادات خطية بهذه الأعمال والإنجازات. ثم يرفع طلبه بالحصول على رتبة الأمانة مرفقاً بإنجازاته الموثقة والموقعة من مصادرها، فيدقق المجلس في صحة الإفادات والوثائق في مهلة محددة ويوافق عليه ويوقعه رئيس الحزب في جلسة رسمية ويحيله الى السلطة القضائية للتحقق من توفّر المؤهلات المطلوبة دستورياً، وعندما توافق السلطة القضائية على توفّر الشروط الدستورية، خطياً، يكون صاحب الطلب قد استحق رتبته فيصدر رئيس الحزب مرسوماً عادياً بتسمية العضو أميناً ويعمم مرسومه على جميع الفروع وينشره في النشرة الرسمية.

ومن المفيد أن تُقيم المنفذية التي ينتمي إليها الأمين احتفالا كبيراً بنجاح أحد أعضائها بتحصيل رتبة الأمانة، فيقف له جمهور القوميين الاجتماعيين وأصدقاؤهم احتراما وتقديراً.

أمّا إذا رأى مجلس العمد أن هناك شكاً في صحة بعض الإفادات، يحيل الملف إلى المحكمة المركزية مع الملاحظات للتحقيق فيها، ولهذه المحكمة أن تواجه صاحب الطلب والموقعين على إفاداته ووثائقه وتصدر حكمها وجاهياً بصحّة الملف أم لا.

ويتعرض الأمين لفقد رتبته إذا أخلّ بشرط واحد من شروطها، وذلك بقرار من المحكمة الحزبية المركزية بعد محاكمة علنية بناء على أية شكوى من أي رفيق عامل في الحزب، ويجب أن تكون الشكوى مدعومة بوثائق وشهود يتأكد منها ممثل الحق القومي (المدعي العام) قبل رفعها الى المحكمة. ولا يستعيد الأمين المجرد رتبته إلّا بعد انقضاء خمس سنوات على فقدها وبعد تقديمه طلباً جديداً مستوفياً شروطها.

إن هذه الطريقة للحصول على الرتب في الحزب، كما للتجريد منها، تُحَفِّز الرفقاء على العمل النظامي الدؤوب وعلى تفادي الإهمال والخطأ، ويصبح الحزب خلايا ناشطة يعمّ فيه إحترام الرفقاء لبعضهم البعض وتهيمن هيبة النظام والمسؤولية وتنعدم المساوئ أو تقلّ كثيراً وينعدم الفساد إو يقلّ كثيراً، وتحل وحدة الروح والتضامن والتعاون مكان النزعات الفردية والمصالح الفئوية والشخصية.

إنها طريقة سهلة يمكن تطبيقها عملياً ونظامياً بسرعة وسلاسة. إن المعارضين لإنشاء رتب جديدة بحجة أن رتبة واحدة سببت كل هذا اللغط والأخذ والرد فكم بالحري رتبتين، يمكن لهم بسهولة أن يلاحظوا سهولة وسلاسة ووضوح هذه الآليّة وعدم إمكانية الغش فيها.

لكن يجب الانتباه جيداً أن الانتقال من الطريقة القديمة الى الطريقة الجديدة للحصول على رتبة الأمانة هو انتقال دونه صعوبات وتعقيدات كثيرة لذلك علينا التفكير في إيجاد جسر للانتقال من الطريقة القديمة الى الطريقة الجديدة. وهذا معناه أنه يجب علينا معالجة وجود حَمَلة رتب أمانة غير مستحقين، أي يمكن أن تكون رتبهم قد مُنِحت لهم لاعتبارات غير منطبقة على الشروط الدستورية الواردة في مرسوم الزعيم عدد 7. وهذا الجسر يجب أن يشكّل طريقة واضحة وسهلة التطبيق من جهة، ومنصفة وعادلة من جهة أخرى. لذلك فإننا نقترح التالي:

أن يعمد المجلس الأعلى على سن مرسوم انتقالي، عادي غير دستوري، أي لا ينشر في الدستور، بل في النشرة الرسمية، يقضي بإبطال جميع رتب الأمانة الحالية، واعتبار أصحابها أركاناً[3]، أي حاملي رتبة “ركن”، والبدء فوراً بتطبيق “قانون الرتب والوظائف” الجديد.  ويجب أن ينتهي البت في هذه الطلبات في مدة لا تتجاوز السنة الواحدة يصار بعدها لإجراء انتخابات جديدة، كما سيأتي.

وهذا نصّ المرسوم المُقتَرَح:

إن المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي

بناء على المواد الأولى والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من الدستور

وبناء على ضرورة معالجة الوضع الشاذ الناشئ عن منح بعض رتب الأمانة لغير مستحقيها

يرسم ما يلي:

مادة أولى: تُلغى جميع رتب الأمانة الممنوحة قبل تاريخ هذا المرسوم، ويُعتبَر حاملوها اركاناً، أي حاملي رتبة الأركان، ما عدا أعضاء المجلس الأعلى الحاليين، أصيلين وردفاء، ورئيس الحزب الحالي.[4]

مادة ثانية: يُفسح المجال أمام الأعضاء المذكورين في المادة الأولى من هذا المرسوم، والراغبين في الحصول على رتبة الأمانة مجدداً، للتقدم بطلباتهم وإفاداتهم في الحال حسب مضمون المرسوم الدستوري عدد 9 (قانون الرتب والوظائف).

مادة ثالثة: عندما تُعلن السلطة القضائية الانتهاء من البت في هذه الطلبات تُعتبَر مدة ولاية كل من أعضاء المجلس الأعلى ورئيس الحزب منتهية، وتدعو “الهيئة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات الحزبية العامة” الى البدء فوراً بخطوات إجراء هذه الانتخابات.

مادة رابعة: يُعمل بهذا المرسوم فور توقيعه ويبلَّغ وينشر ويُحفظ.

في …                                                                            رئيس المجلس الأعلى

                                                                                          “التوقيع”


[1]   الاعمال الكاملة، ج 7، ص 377.

[2]   الأعمال الكاملة، ج 8، ص 209.

[3]   من الذي يؤكد أن غير المؤهل لرتبة الأمانة هو مؤهل بالضرورة لرتبة ركن؟ هذا سؤال طرحه عليّ الأمين أيلي عون، كما أثاره معي الرفيق فادي خوري. الجواب هو أنه لا أحد يؤكد، فيجوز أن يكون من “الأمناء الحاليين” من ليس مؤهلاً لرتبة ركن، إن هذا المرسوم فيه تساهل كبير، ولكنه أقصر الطرق وأيسرها لمعالجة هذه المشكلة الآن. وغير المؤهلين سيفقدون رتبتهم تدريجياً مع تطبيق النظام الجديد.

[4]   أعضاء المجلس الأعلى ورئيس الحزب يجب دستورياً أن يبقوا أمناء، ويمكن لأي رفيق، في ما بعد، أن يطعن في استحقاق أي منهم لرتبته وللسلطة القضائية أن تبت في صحة الطعن أو عدمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *