نظرة مبسطة حول المشروع الاقتصادي الحيوي للحزام والطريق

على مدى قرون طويلة كان طريق الحرير أحد أقدم طرق التجارة وأهمها، بعد أن مثَّل للعالم شرياناً رئيسياً للتفاعل الثقافي والتجاري في مناطق أوراسيا (أوروبا وآسيا) المختلفة، حتى منتصف القرن الخامس عشر.

وهناك مساعٍ جديدة لإعادة إحياء هذا الطريق، بل وتطوير تأثيره ومداه وخصائصه بشكلٍ يواكب إمكانات الدول العظمى والاقتصاد العالمي المفتوح لعالمنا الحديث.

طريق الحرير القديم هو من القرن الثاني قبل الميلاد، ويشير الاسم إلى شبكة الطرق البرية والبحرية التي ربطت بين الصين وأوروبا مرورا بالشرق الأوسط، بطول يتعدى عشرة آلاف كيلومتر.

اما طريق الحرير الجديد، فهو مشروع صيني عملاق تشارك فيه 123 دولة، تريد الصين من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى.

ما معنى الحزام والطريق؟

يعرف المشروع رسميا باسم “الحزام والطريق”، وهو مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير القديم، ويهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية.

يتضمن المشروع فرعين رئيسين: البري “حزام طريق الحرير الاقتصادي”، والبحري “طريق الحرير البحري”. ويسميه المشرعون الصينيون “عقد اللؤلؤ” ويتألف من موانئ تبنيها الصين، تمتد غربًا بطول المحيط الهندي حيث الموانئ والطرق السريعة والسكك الحديدية الجديدة. يمتد طريق الحرير البحري من الساحل الصيني عبر سنغافورة والهند باتجاه البحر المتوسط ضمن هذه المبادرة الصينية التي لن تعزز فقط نفوذ بكين في المنطقة، بل يمكن أن تساعد الصين فقط يومًا ما في حالة نشوب نزاع عسكري   إنما ستؤدي لتهميش الهند وتحجيم حضورها وليس صعبا تخيل الحصار الصيني للهند.

 أما الفرع البري من المبادرة الذي من المقدر أن يغطي أكثر من 2600 مشروع في أكثر من 100 دولة، فيشمل ست ممرات رئيسية هي:

  1. الجسر البري الأوراسي الجديد الذي يمتد من غربي الصين إلى روسيا الغربية.
  2. ممر الصين – مونغوليا – روسيا الذي يمتد من شمالي الصين إلى الشرق الروسي.
  3. ممر الصين – آسيا الوسطى – آسيا الغربية الذي يمتد من غربي الصين إلى تركيا.
  4. ممر الصين – شبه جزيرة الهند الصينية الذي يمتد من جنوبي الصين إلى سنغافورة.
  5. ممر الصين – باكستان الذي يمتد من جنوب غربي الصين إلى باكستان.
  6. ممر بنغلاديش – الصين – الهند – ميانمار الذي يمتد من جنوبي الصين إلى الهند.

ما هي الدول التي يمر بها طريق الحرير الجديد؟

تشمل الممرات البرية: الجسر البري الجديد الأوراسي الذي يمتد من غرب الصين إلى غرب روسيا عبر كازاخستان، ويتضمن سكة حديد طريق الحرير عبر منطقة سنجان ذاتية الحكم في الصين وكازاخستان وروسيا، وبيلاروسيا، وبولندا، وألمانيا.

هذا ويمرّ الفرع الشمالي من منطقة بلغار-كيبتشاك وعبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً للبندقية. أمّا الفرع الجنوبي فيمرّ من تركستان وخراسان وعبر بلاد ما بين النهرين والعراق والأناضول وسوريا عبر تدمر وأنطاكية إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.

من اين يبدأ طريق الحرير واين ينتهي؟

 ابتداء من الساحل الغربي لليابان مروراً بالساحل الصيني نحو جنوب شرقي آسيا فالهند وصولاً إلى الشرق الأوسط ثم إلى البحر المتوسط كان يبيع التجار المسافرون على هذه الطرق الممتدة على أكثر من ١٥٠٠٠ كيلومتر منتوجات المنسوجات والمشغولات الخشبية والأحجار الكريمة والمشغولات المعدنية، والبخور، وخشب البناء والزعفران.

ما سبب إنشاء طريق الحرير الجديد؟

الفكرة الأساسية من المشروع عملياً هي بناء شبكة سميكة من البنى التحتية التي تسهل تبادل السلع والمعرفة والثقافة ليس فقط بين الصين وأوروبا، ولكن أيضاً بين تلك البلدان التي يمر عبرها في أوراسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا الشرقية التي توافق على المشاركة.

كم يبلغ طول طريق الحرير؟

وضع قسم من هذا الطريق على لائحة التراث العالمي عام 2014 ويمتد هذا القسم لمسافة 5000 كلم عبر ثلاث دول هي الصين وكازخستان وأوزبكستان. ويتضمن موقع طريق الحرير 33 موقعاً مختلفاً تشمل مدنًا رئيسية وقصورًا ومستوطنات تجارية وممرات جبلية ومنارات وأجزاء من سور الصين العظيم وحصونًا وأضرحة ومبان دينية.

أثر مبادرة الحزام والطريق على تكاليف التجارة العالمية انخفاضا في مدة الشحن يتراوح بين 1.7 الى 3,2 بالمائة في الدول المشاركة. ً

وتشكل مبادرة الحزام والطريق جسرا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين نحو 75% من سكان العالم والبلدان الواقعة على طول الممر الاقتصادي الذي يصل بين الصين ووسط وغرب آسيا حيث ستشهد أعلى نسبة انخفاض في ازمنة النقل.

وسيقلل من التكاليف التجارية الإجمالية بنسبة تتراوح ّبين 1.1 و2.2 في المئة في اقتصادات البلدان المنضمة إلى المبادرة،

 سيتراوح الانخفاض في التكاليف التجارية بين 1,5و 2,8 في المائة.

طموحات الصين في “طريق حرير جديد”

أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 عن إنشاء ممرٍ تجاريٍّ مُزدوج جديد لإعادة فتح القنوات بين الصين وجيرانها في الغرب، وعلى الأخص: آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وأوروبا.

حيث بلغ حجم التجارة الخارجية للصين أكثر من 6.3 تريليون دولار للصين، وفقاً لبيانات المكتب الوطني الصيني للإحصاء. وحجم الصادرات للصين 3.59 تريليون دولار عام 2022

ووفقاً لخطة عمل مشروع “الحزام والطريق” أو ما بات يُعرف باسم “طريق الحرير الجديد”، الصادرة عام 2015، تشمل المبادرة الطُّرق البرية (أي الحزام) والطُّرق البحرية (أي الطريق) بهدف تحسين العلاقات التجارية في المنطقة من آسيا الوسطى لأوروبا، من خلال استثمارات البنية التحتية وهو يمتد غربًا من وسط آسيا إلى أوروبا ويسميه البعض “طريق الحرير” الجديد يتضمن تأهيل وبناء الصين لطرق وشوارع وسكك حديدية.

يوضح موقع Silk Capital للتاريخ والتوثيق، أنّ “مفهوم طريق الحرير” كان يشير بصورة فعليَّة لكلٍّ من الطرق البرية والبحرية التي تربط بين آسيا وأوروبا.

لعبت التجارة على طريق الحرير دوراً بارزاً ومحورياً في تطوير حضارات الصين ومملكة جوجوريو (كوريا الشمالية والجنوبية اليوم) واليابان وشبه القارة الهندية وبلاد فارس وأوروبا والقرن الإفريقي والجزيرة العربية،

ولكن ما هو الفارق بين طريق الحرير الأصلي ونسخته الحديثة الذي ابتكرته الصين وتعمل بشكلٍ حثيث على إقناع الدول بجدواه، وهل يمكن أن يكون ذراعاً اقتصادية ممتدة للسيطرة على شكل العالم السياسي وموازين القوى العظمى؟

طريق الحرير “القديم”.. شريان طوَّر الحضارات على جانبيه في حين أن المصطلح بات معروفاً لنا مما تم توثيقه من العملات المعدنية الحديثة التي عُثِرَ عليها في تلك المناطق، فإنّ طريق الحرير اشتق اسمه من التجارة المربحة في الحرير والخيول التي تمَّت على طول هذه المساحات الشاسعة من العالم.

بدءاً من عهد أسرة هان الصينية (207 ق. م حتى 220م) وسَّعت الإمبراطورية نصيب آسياالوسطى من طُرُق التجارة، حيث كانت أوزبكستان الحالية بمدينتيها الشهيرتين بُخَارَى وسَمَرقَند ومنطقة آسيا الوسطى مركزاً لطريق التجارة العالمي الأوَّل.

وعلى الرغم من أنّ “الحرير” كان بالتأكيد العنصر التجاري الرئيسي الذي يتم تصديره من الصين، فقد تم تداول العديد من السلع الأخرى سواء كانت مادية “معنوية”. وبالإضافة إلى الأديان والفلسفات والأفكار والتقنيات والعلوم الحديثة المختلفة، انتشرت من خلال هذه الطرق التجارية الأهم في ذلك الوقت الأمراض أيضاً؛ فكان طريق الحرير سبباً في تفشي الطاعون في آسيا وأوروبا بين عامي 1346 – 1353.

كما فتحت المعاملات التجارية والرحلات المستمرة عبر هذا الطريق المجال لتطوير علاقات سياسية واقتصادية بعيدة المدى لم يكن بالإمكان أن تتم من قبل. وكذلك بدأت الحضارات المختلفة تَطَّلِع على بعضها البعض.

وكان من بين أجناس التجار الرئيسية خلال العصور القديمة عبر هذا الطريق: الصينيون والعرب والهنود والصوماليون والسوريون والفرس واليونانيون والرومان والجورجيون والأرمن والتركمان، في الفترة من القرن الخامس حتى القرن الثامن ميلادياً.

“طريق الحرير” وتغيير الثقافات عبر “الورق والبارود”

سافر المستكشف الأوروبي ماركو بولو في القرن الثالث عشر على هذا الطريق ووصفه بعمقٍ في أعماله الشهيرة. لكن، ومع ذلك لم يُنسب إليه الفضل في تسميته بطريق الحرير.

ويُعتقد أن أصل التسمية قد صاغها الجغرافي والرحالة الألماني فرديناند فون ريشتهوفن، في عام 1877 ميلادياً، والذي أطلق عليه اسم “Seidenstrasse” أي طريق الحرير باللغة الألمانية.

في حين أن العديد من أنواع البضائع المختلفة كانت تنتقل على طول شبكة التجارة على طريق الحرير، فإن الاسم يأتي من شعبيَّة الحرير الصيني عندما وصل إلى الغرب، خاصة في روما.

فقد امتدت طُرُق طريق الحرير من الصين عبر الهند وآسيا الصغرى، حتى بلاد ما بين النهرين، وصولاً إلى مصر والقارة الإفريقية ثمّ اليونان وروما وبريطانيا.

أصبحت منطقة شمال بلاد ما بين النهرين (إيران الحالية) أقرب شريك للصين في التجارة، وبدأت تبادلاتٍ ثقافية مهمة بينهما.

كان للورق مثلاً والبارود، وهما اختراعنا صينيَّان، تأثيرٌ أكبر على الثقافة العامة لدول العالم الواقعة على الطريق، أكثر من الحرير نفسه. فالورق ساهم في التوثيق ونقل المعرفة، والبارود أثّر بشكلٍ كبير على شكل الحروب.

كما ساهمت “بُهارات الشرق” الغنية أكثر على الموضة واستحداث طرق الطهي الجديدة عن تلك التطورات الثقافية التي نشأت من صناعة الحرير.

باحث في الشأن الاقتصادي /دمشق