حبيب القاق، مُبدعٌ مُبتكرٌ من بلادنا

حبيب القاق، مُبدعٌ مُبتكرٌ من بلادنا

“مبدعون” هي زاوية جديدة في “صباح الخير-البناء”، وهي زاوية تتناول قصص شباب أبدعوا في مجالاتهم رغم كل الظروف المحيطة بهم. “مبدعون” هي قصص نجاحٍ سطّرها شبابُنا، وهي بصيصُ أملٍ لكُلّ من ما زال يحاول.

قصّة هذا العدد تتناول شاباً طموحاً، يُدعى حبيب القاق. هو ابن بعلبك المحرومة من أبسط مقوّمات الحياة. شابٌ مكافحٌ لم يستسلم للظروف الصعبة، درس وخاض بالمعرفة وما زال، صنع طائرات مسيّرة محلياً بإمكانيات ضئيلة.. إليكم قصّته المُلهمة!

السؤال: من هو حبيب القاق؟ ماذا حقّق؟ وكيف حقّقه؟

-الإجابة: أنا، حبيب القاق، باحث ومُبتكر في مجال تكنولوجيا الجو والفضاء، من قرية السّفري في محافظة بعلبك – الهرمل. تخرّجت من ثانويّة بعلبك الرّسميّة بشهادة في العلوم العامة، من بعدها اتجهت إلى بيروت لأكمل دراستي في كليّة العلوم في الجامعة اللبنانيّة فرع الحدث، فتخصّصت في علوم الفيزياء العامة أولاً، وتابعت دراستي لأحصل على شهادة الماستر في علوم الفيزياء الأساسيّة.

الدراسة شيء والإبداع والإبتكار شيء آخر في حياتي. مسيرتي الإبداعيّة إبتدأت معي منذ الطفولة، فكان لي ميول للإبتكار والإختراع وصناعة أشياء جديدة من الأشياء الموجودة والمتاحة لدي، وكنت أكثر ميولاً للأفكار المتعلقة بالطيارات والجو.

ابتكرت أول طائرة في عمر السبع سنوات، طبعاً لم تكن ناجحة جداً، لكنني طورتها رويداً بعدما أخذت القوانين العلميّة في المدرسة، وبدأت أطبقها في الأشياء المتاحة.
بعد دخولي إلى الجامعة تطوّرت مهاراتي ومعلوماتي، وصنعت أوّل “تيليسكوب” محليّ الصنع، كان طوله 10 inch، والمسافة البؤرية حوالي المتر ونصف، كما وقوة التكبير فيه حوالي 350 مرة، أي من أكبر التيليسكوبات في لبنان، تشاركت صناعته مع طلابي وحصلنا على عدة ميداليات ذهبية في مباريات محليّة ودوليّة. نظّمت عدة أمسيات فلكيّة فيه في الجامعة وفي عدّة قرى ومدارس لبنانية.

-السؤال: كيف ساعدتك بيئتك وعائلتك على تحقيق إنجازاتك؟

-الإجابة: أنا من بيئة مزارعين، أبي وأجدادي يعملون في الزراعة، عائلتي كانت من الداعمين لي، ولقد ساعدنا أبي على استكمال دراستنا. ولكن وضع المزارعين معروف في البلد. وفي الجامعة الداعم الأبرز لي كانت زوجتي نغم فقيه التي كانت زميلتي في الصف، وما زالت تشجّعني وتساعدني حتى يومنا هذا في برمجة القطع الإلكترونية والبحوث نظراً إلى أنها هي أيضاً متخصصة في الفيزياء والبرمجة.

الظروف الماديّة طبعاً كانت عائقاً، نظراً إلى أنني مدرّس في الثانويّة، وهذه الإختراعات تريد رأس مال لتطبّق وليستكمل الفرد مسيرته الإبداعية ويعطي أداءً أفضل. وإلى حد الآن لم يدعمنا أحد، فقط تكريمات وعشرات الميداليات التي لا تنفع على أرض الواقع سوى أنها تثبّت تاريخي ويتكلّم عني الناس.
مع أن كثير من الجهات والأحزاب حاولت، ولكنني أتكلّم بوطنيّة ولديّ مبادئ وطنيّة ولا أنافق للوصول فربما هذا لا يسمح لأحد أن يدعمني.

-السؤال: حدّثنا عن اختراعاتك.. ماذا اخترعت غير المُسيّرات؟

سعيت لأبني مرصداً فلكياً، أسميناه مرصد البقاع الفلكي. حين حدث كسوف الشمس، بثّيناه مباشر، ونوجّه الناس عموماً الى ثقافة علم الفلك بالاشتراك مع د. أحمد شعلان. نسعى لأن ينظر الناس الى السماء. تخيلوا أنّ هناك من مازال يعتبر ان الأرض مسطّحة.. أنا لا أنسى أشكال الطلاب والاشخاص الكبار حين يرون بالتيليسكوب الذي صنعته الفضاء لأول مرة، وهذا أمر مدهش. وقد صنعت التيليسكوب محلياً، وأحاول التأسيس لصناعة التلسكوبات محلياً ليكون في كل منزل.

لدي عدّة إختراعات متعلّقة بالطائرات لا تعد ولا تحصى، لكنني سجّلت لبعض منها براءة إختراع، وحصلت على عدة جوائز دوليّة ومحليّة، أبرزها: ميدالية ذهبية وشهادة من معرض اسطنبول الدولي للإختراعات، عشرات الشهادات المحلية مع ميدالياتهم من مباريات العلوم في الهيئة الوطنية، وحصلت على جائزة نقديّة وهي جائزة حكمت ناصر من مبارات العلوم.

-السؤال: المسيرات قد تكون آلة الحرب الجديدة، استخدمتها المقاومة مؤخراً ضد العدو اليهودي حين تفجّر ملف ترسيم الحدود، وحتى في روسيا واوكرانيا كان لها استخدامات…ما هي المسيّرة تحديداً؟

-الاجابة: بالنسبة لموضوع الروبوتات أو المسيّرات التي تعتبر من فصيلة الرةبوتات، فهي عبارة عن طائرات صغيرة الحجم، ويمكن أن تأتي بعدة أحجام. فهي لديها تكنولوجيا معقدة جداً وصعبة وتنقسم إلى عدة مراحل، المرحلة الأولى هي كيفية صنع جسم المسيّرة، وهذه المرحلة تتطلب برمجة معقدة جدًّا وتجارب عديدة للوصول إلى نموذج أو جسم مثالي. المرحلة الثانية هي تصميم الدوائر الالكترونية داخل المسيّرة وهي بأهمية الأعصاب في جسم الإنسان ودماغه الذي يشغّل الجسم. والمرحلة الثالثة والأهم هي كيفية التواصل مع المسيّرة إن كان الإنسان سيقودها أي القيادة الذاتية، أو أنها طائرة ذاتية تبرمج إحداثياتها لتستعمل لعدة أهداف.
(هنالك تفاصيل دقيقة أخرى سنتكلّم عنها في فقرة مخصصّة لكيفيّة صنع المسيّرات).

-السؤال: ما هي استخدامات الطائرات المُسيّرة؟

-الإجابة: تستخدم بالمجالين المدني والعسكري. مدنياً، تُستخدم ك delivery لنقل شيء من مكان لمكان، وفي عشرات السنين المقبلة سيصبح عملياً أكثر لانه غير مكلف وسهل الاستخدام.
وأيضاً، يمكنك ارسال الانترنت عبر المُسيّرة الى منطقة معيّنة، معزولة على سبيل المثال.

الاستخدام العسكري هو الاهم، وهو حساس. برز هذا الاستخدام في الحرب الروسية-الاوكرانية. وقامت الطائرات المسيرة بنقلة نوعية في هذا المجال. طائرة صغيرة قد تعطّل عدد كبير من العسكر، وتساهم في رصدهم، وعبر الطائرة يتم تحديد الاحداثيات للقصف بالهاون.

ايضاً، هناك طائرات “الكاميكازي” وهي مهمة، مثلاً هناك “شاهد 136” وهي مسيرة صنع ايران، اشترتها منها روسيا، تغني عن الصواريخ المجنحة وهي اقل تكلفة منها بكثير.

-السؤال: كشاب ناجح، ماذا تقول للشباب الذين يمرون بظروف صعبة؟

-الاجابة: أُعلّم طلّابي بطريقة مختلفة عن طريقة التعليم في المنهج اللبناني. أُحاول حثّ تلامذتي على الإبداع بعيداً من التّلقين، وأدعوهم ألّا يسمحوا لليأس بأن يتسرّب الى قلوبهم. أعرف أنّ الأوضاع صعبة علينا جميعاً، وعليّ ايضاً هي صعبة، فنحن نعلم الابداع والابتكار، ونحن أكثر من تأذّى في هذه المرحلة من كل النواحي، أقصد كأساتذة. ومع ذلك لم نيأس لأنّنا نعتبر أنّ هذا الضغط الذي نتعرض له هو حافز لنبقى في هذا المسار.

إن يئسنا سييأس طلّابنا، وإن يئس الطلاب ييأس لبنان. وقد تسنّى لي العديد من السفرات للخارج، ولكنني لن أرحل. وأدعو التلامذة ألا يتركوا أرضهم. فأين المشكلة بأن نخترع مشاريع لبنانية؟ ماذا يمنعنا من ذلك؟ لن نيأس ولن نترك أرضنا.

-السؤال: هل تعمل على اختراعات جديدة؟

-الاجابة: أنا أعمل على شيء مهم جداً، أنتظر فقط تحسّن الأوضاع، كما وأتمنى أن تلتفت الجهات المعنيّة إن كان من دولة، أحزاب، جمعيّات أو مستثمرين لنا، ولا تلتهي بالسخافات والتفاهات وتلتفت للمبدعين والمبتكرين والصناعيين والمهندسين ودكاترة الجامعات وأساتذة المدارس فنحن وقود هذا الوطن وقلبه وعقله.

لدي الكثير من الأفكار التي تحتاج فقط للتطبيق ولكنني لا أستطيع تطبيقها بمفردي فأنا بحاجة لدعم من الدولة ودعم مادي ومعنوي، لكننا في بلد نفتقد للثقافة والوعي ونلتهي بالتفاهات.

وهنا لا بدّ من شكركم لأنكم ما زلتم تسلطون الأضواء على المبدعين.

وتحيّة لروح الشهيد أنطون سعادة فهو كان ومازال شعلة الأمل للبنان وللشباب، هو الذي كان خلاص هذه الأمة لكنهم اغتالوه غدراً.