“إعادة النازحين”.. بين ما لنا وما علينا

يتكرّر شريط إعادة النازحين السوريين (الشاميين) الى أراضيهم عند كُلّ استحقاقٍ يطرأ في لبنان، وعلى الرّغم من أحقّيّة العنوان إلّا أنّ استغلاله لمآرب سياسية تارةً ومنافع شخصية تارةً أُخرى يضعنا أمام مشهدٍ لا بُدّ من تأمُّله جيّداً قبل البتّ بالحكم فيه.

حينما نقول “نازحين” فإنّنا لا “نمشي مع الموجة” في التّسمية، إنّما نعنيها، فالنّازحون أبناء أرضٍ، والشاميون في لبنان أهلُ أرض، وهذا بالمناسبة يسري على الفلسطينيين في لبنان والشام، وكذلك على اللبنانيين في فلسطين والشام. لذلك، فإنّنا إن نادينا بعودة النازحين الشاميين الى أراضيهم لا نقول ذلك من منطلق عنصريّة او من زاوية النّتعة الفينيقية الّتي لا أساس علميّ أو تاريخيّ لها (فالفينيقيون امتدّوا الى أوغاريت قرب اللاذقية ولم ينحصروا في لبنان بشكله الحالي).

في ملفّ عودة النازحين الشاميين الى أراضيهم المُحرّرة من الإرهاب بفعل الدولة السورية التي تشاركت وقوى المقاومة والحزب السوري القومي الاجتماعيّ الدّماء، هناك نقطتان أساسيّتان يجب التطرّق لهما قبل المجاهرة بالموقف من منطلقات “ترنديّة”: الاستثمار السياسي المحلّي الرّخيص، والاستثمار الدولي اللا-إنسانيّ، وهما بالمناسبة غير منفصلين.

لقد راكم كُثُرٌ ثرواتهم على حساب الخيم التي ابتلعت النازحين في معظم المناطق اللبنانية تحت عناوين حمايتهم وبطش “النظام”. كما اغتنى كُثُر من إغلاق البوابات في عقول النازحين على العودة الى ديارهم وإعمارها، رغم حاجتها لهم وحاجتهم لها، ضمن سياقات تحمل مصطلحات رنّانة تطرب الآذان ظاهريّاً وتهشّمها فعليّاً. كُلُّ هذا جعل من النازحين آية رزقٍ حرامٍ في أيدي سياسيّي لبنان وتنظيمات استغلّت أوضاعهم لتخلق من حوائجهم بؤراً إرهابيّة متفجّرة ليس آخرها كفتون الّتي ردّ بلاءهُم عنها رفقاؤنا بدمائهم.

أمّا الاستثمار الدولي، الذي يهدف لوقف هجرتهم الى أوروبا، فإنّه يستسهل إبقاءهم في لبنان، الرازح تحت وطأة الانهيارات بشتّى أنواعها، ليزيد الحصار والضغط، ويبقيهم ورقةً ضدّ دولتهم يلوِّح بها كُلّما فرغت جعبته.

وإن كُنّا نُنادي بعودة النازحين الى أراضيهم المُحرّرة لإعادة إعمارها وإحيائها، فهذا لا يُبرّر بالطبع عنصرة بعض الذين ينقح عليهم عرقهم اللبنانيّ الصافي، تجاههم.

لم يُهيّئ لبنان الرسمي النازحين الشاميين للعودة الى أراضيهم، لا علّم أطفالهم وفق المناهج السورية ليسهل عليهم الانخراط ببيئتهم التعليمية، ولا هيّأ أهل الأراضي المُحرّرة ليعودوا الى بيوتهم وأرزاقهم أو ما تبقّى منها، وعد ذووه ذويهم بالحُرّيّة الّتي لم تتعدَّ الخروج من خيمهم بأوقات محددة ومارس عنصريّته المقيتة ضدّ كُلّ ما ملكت يمينه.

هذا الأمر يضعنا مجدّداً أمام علامات استفهامٍ على من ما زالوا يرفضون عودة النازحين الطوعية الآمنة: هل يخطط هؤلاء لتفجير الوضع أمنيّاً؟ هل يخططون لمزيد من السرقات على حسابهم؟ ألم ييأسوا من تضييق الخناق على الدولة السورية؟