ثمانون عاما يستغرق التعافي وإعادة البناء!!!
منذ تشرين الاول الماضي وحتى يومنا هذا، الأرقام في قطاع غزة، في خط تصاعدي، عدد الشهداء يرتفع، الأطفال الذين فقدوا أهلهم هم بالآلاف، عدد الأساتذة والمدرّسين الذين فقدوا دورهم التعليمي هم بالمئات، عدد الأحياء المستهدفة بالعدوان الصهيوني يزداد، لا بل المسح الصهيوني المدمر مستمر على مدى ما يفوق العشرة أشهر، عدد المستشفيات الخارجة عن الخدمة إلى ارتفاع، المدارس حدث ولا حرج، أصبحت، وبالعشرات، إما مدمرة أو تحولت إلى مراكز إيواء ونزوح… ولا ينتهي التعداد. خسائر بشرية ومادية عميقة.
إلا أنه، وبعيداً عن هذه الخسائر الهائلة، ثمة وجه آخر من أوجه المآسي ذكره تقرير لوكالة بلومبرغ، ويظهر فيه حجم الأنقاض في غزة والذي يشير إلى أرقام صادمة تشكل فعلاً كارثة بيئية، وسكنية، واجتماعية واقتصادية.
الأرقام تشير إلى 42 مليون طن من الأنقاض المبعثرة في كل مكان في غزة. وهذا الأمر في حد ذاته يشكل مشكلة تضاف إلى المشاكل الأخرى والمآسي التي يعيشها قطاع غزة وأهله. وكانت الأمم المتحدة بدورها قد أكدت هذه الأرقام، فقد ذكرت أن الغارات الجوية الإسرائيلية خلفت أكثر من 42 مليون طن من الأنقاض في مختلف أنحاء القطاع. وأعلنت في أيار الماضي أن كمية الأنقاض والركام التي تتوجب إزالتها في قطاع غزة، الذي يتعرض لقصف “إسرائيلي” متواصل، أكبر، مقارنة بأوكرانيا، وهي تمثل مهمة مكلفة وخطيرة بشكل كبير بالنظر إلى وجود قنابل غير منفجرة فيها، عدا عن مادة الأسبستوس الضارة بالصحة. المشكلة بالإضافة إلى حجم الأنقاض الهائل هي في العدد الكبير من القنابل غير المنفجرة التي تحتويها الأنقاض، والتي سيكون تنظيفها أكثر تعقيداً بسبب المخاطر الأخرى الموجودة في الركام. تجدر الإشارة إلى أن مادة الأسبستوس، هي منتج معدني طبيعي مقاوم للحرارة والتآكل وكان يستخدم كثيراً في تصنيع بعض المنتجات مثل المواد العازلة والإسمنت وبعض أنواع بلاط الأرضيات. وتعتبر هذه المادة ضارة بالصحة وتتطلب احتياطات خاصة، حيث يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بداء الأسبستوس الرئوي المزمن، والذي من أعراضه ضيق النفس والسعال الجاف والمزمن وضيق أو ألم في الصدر وغيرها. وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 800 ألف طن من الأسبستوس فقط في قطاع غزة. وبالتالي بحسب المسؤولين الأمميين، “سيحتاج القطاع إلى مئات الملايين من الدولارات على مدى سنوات عدة لجعل غزة آمنة للسكان”، مضيفاً أن “المعلومات التي تصلنا تقول إن التلوث شديد بشكل غير مسبوق في شمال غزة، وسيمثل ذلك مشكلة كبيرة في المستقبل”.
وكشفت وكالة “بلومبرغ“ منتصف شهر آب الماضي نقلاً عن خبراء أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة ربما تكلف أكثر من 80 مليار دولار، إلى جانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض خلفتها الحرب الدائرة منذ أكثر من 10 أشهر. هذا الحجم من الأنقاض يكفي لملء صف من شاحنات القمامة الكبيرة يمتد من نيويورك إلى سنغافورة. وقد يستغرق إزالة كل هذه الأنقاض سنوات طويلة. وسوف تتعقد المهمة بالتأكيد بسبب القنابل غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطيرة والبقايا البشرية الموجودة تحت الأنقاض. من هنا فإن جمع كل الأنقاض والتخلص منها بعد انتهاء الحرب، سوف يشكل أهمية بالغة. من ناحية أخرى فإن حقوق ملكية العقارات وصعوبات إيجاد مواقع للتخلص من الحطام الملوث ستزيد من تعقيد العملية.
يكفي أن نورد الأرقام التالية التي صدرت عن المكتب الحكومي في غزة في منتصف تموز الماضي لندرك حجم الكارثة الواقعة في قطاع غزة والتي ربما تفوق بكثير ما عانته دول أخرى من حروب ودمار:
-تدمير 150 ألف وحدة سكنية بشكل كامل.
-تدمير 200 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي.
-تدمير 80 ألف وحدة سكنية جزئياً وغير صالحة للسكن.
-80 ألف من المتفجرات ألقاها الاحتلال الصهيوني على القطاع.
-34 مستشفى خرجت كلياً عن الخدمة.
-64 مركزاً صحياً خرج كلياً عن الخدمة.
-161 مؤسسة صحية استهدفتها قوات الاحتلال.
-114 مدرسة وجامعة دمرتها قوات الاحتلال بالكامل.
-326 مدرسة وجامعة دمرتها قوات الاحتلال جزئياً.
-609 مساجد دمرتها قوات الاحتلال بالكامل.
-211 مسجداً دمرتها قوات الاحتلال جزئياً.
-3 كنائس دمرتها قوات الاحتلال.
وتقول وكالات الإغاثة إن معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة نزحوا، وتكدسوا في أمكان صغيرة من قطاع غزة على طول ساحل البحر المتوسط، محرومين إلى حد كبير من المياه العذبة والغذاء، فضلاً عن الأدوية والصرف الصحي وخدمات الحياة الأساسية.
وفي ظل صمت الدول العربية حيال المجازر التي ينفذها العدو الصهيوني في قطاع غزة نجد في الولايات المتحدة من يبدي اهتماماً إذ يقول مارك جارزومبيك، أحد أساتذة تاريخ العمارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي درس إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية “إن ما نراه في غزة هو شيء لم نشهده من قبل في تاريخ التحضر”، مضيفا “إن الأمر لا يتعلق فقط بتدمير البنية التحتية المادية، بل إنه يتعلق بتدمير المؤسسات الأساسية للحكم والشعور بالحياة”.
الجدير بالذكر ان الأمم المتحدة قد توقعت في أيار الماضي، أن يستغرق التعافي من الدمار الهائل وغير المسبوق الذي لحق بالقطاع بسبب الحرب حوالي 80 عاماً.