زرع الامس أنتج مقاومة اليوم

يتم التداول بين الناس بمقولة زرعوا فأكلنا نزرع فيأكلون، مقولة لا يقتصر تطبيقها على الغذاء لضمان العيش، لأنه بذلك يستوي الحر والعبد، بل يجب ان تعمم على مختلف الحقول للوصول لحياة حرة كريمة تطال البشرية بأسرها، إذا ما كان البشر على مختلف منبتهم وتنوعهم الاثني والديني والعرقي يريدون حياة أفضل في عالم اجود، بدل الحروب والصراعات التي تخول البعض ان يعيشوا على حساب مآسي وتجويع الآخرين كما هي حالنا اليوم حيث الداخل يقلد الخارج ليقيم المجتمع الذي يصبو اليه متخذا نفس النموذج الذي يسلكه الخارج.

منذ الزراعة والتدجين لم تنعم هذه المنطقة بفترة سلام مع الخارج ولا وئام بالداخل. مرد ذلك ان الخارج يجد فيها ما يفتقده من غذاء ومواد أولية احتاجها بعيد ثورته الصناعية، يصل اليهما اما بغزو وأما بجعلها غير مستقرة يستغل فيها مكون من هنا ومكون من هناك بسياسة معهودة أطلق عليها فرق لتسهيل عملية النهب بالنسبة للخارج وفرق تسد وهو ما درج عليها حكامنا الاشاوس.

نمر اليوم بحالة غزو خارجي بدأت طلائعه بعد الحرب العالمية الاولى،استثمر فيها اهل النهب الدوليين بمأساة ما حصل لليهود لعدة قرون في القارة العجوز(أوروبا) فوعدوهم بأرض اللبن والعسل بدل حياة الجحيم التي عاشوها في تلك القارة متخذين من الكتب المقدسة التي تداولوا فيها لمئات القرون دستوراً لهؤلاء يضعهم فوق مستوى البشر وجعلوا منهم اشبه بمصاصي دماء لا يرتوون كما نرى اليوم بالنموذج الغزاوي وقبله في قرى فلسطين العزلاء،الامر الذي حول كتلة بشرية عرف اهلها بحملة وصايا بديهية لاي مجتمع مدني وحوش بشرية لا احد يريد العيش معهم ولا بظلهم ولم يكتف اهل النهب بذلك بل رفعوا كرتاً احمر بوجه كل من يتصدى لهم عرف باللاسامية. وكرروا ذلك مع المسلمين الذين استغلوهم بفترة الحرب الباردة ضد السوفيات وحولوا جزءاً غير يسير منهم ليحذو حذو اليهود وطلبوا من الاثنين طالما كانوا بذات التوجه الدموي تطبيع علاقاتهم تحت مسمى إبراهيمي. لعبة تتكرر مع كل من يتصدى لهم لوقف عملية النهب، حتى لو حمل المتصدي عقيدة الوحدة وما شابه.

عود على عملية الزرع الذي انتج مقاومة قضت مضجع الجميع الناهب واللاهث وراء الحلم الإبراهيمي زرع بدأت بذوره مع إطلالة القرن المنصرم حيث حذرت نخب وأحزاب مما يحاك للمنطقة كما ان اهل فلسطين لم يركنوا يوماً لا للمنتدب الإنكليزي ولا لمن غزوا الارض بمساعدة اهل النهب وكما وقعوا ضحية المنتدب لحقهم الحيف من ابناء جلدتهم من فاروق لعبدالله ولائحة من المنبطحين اللاهثين وراء نيل بركة المستعمر، وما تشهده غزة اليوم هو امتداد طبيعي لتلك “اللا “للشعب الجبار كما في فلسطين كذلك في دمشق التي لم تهادن الانتداب وفوتت عليه الفرصة بجعل سورية مفتتة متقطعة الأوصال .

المشهد الذي نشهد فصوله اليوم حيث نأمل للزرع الذي بذره الأجداد بجبل العرب وجبال الشمال ولائحة شخصيات طويلة تصدت لعملية التفتيت ان يبرعم في القريب العاجل لمنع المضي بتلك العملية. وكذا في لبنان زرع بدأ بمؤتمر الساحل ومقاومة جعلت من حياة المنتدب غير يسيرة وشقت طريقها لاحقاً مع وصول دبابات شارون إلى بيروت واينعت رغم كل العراقيل والمطبات فأذاقت العدو ولم تزل السم الزعاف كل ذاك الزرع لم يذهب هباء لكن يبقى امراً علينا التيقظ له وهو اليوم التالي الذي إذا لم يثمر دولة بكل مضامينها سوف نعود إلى خاصرة رخوة يعبث بها الناهب الدولي وحفنة من جماعة فرق تسد بالداخل.