انطلاق معركة اسقاط نتنياهو

استطاع بنيامين نتنياهو ان يكون أكثر سياسي (اسرائيلي) جلس على مقعد رئاسة الحكومة في تاريخ الدولة اليهودية القصير، كما استطاع برغم ما عليه من قضايا فساد وفضائح تتناولها الصحافة وينظر بها القضاء، ان يتجاوز خصومه بما يملك من ذكاء ومكر وقدرة على إدارة معاركه تفوق قدرات خصومه جميعا، لا بل وتجعله قادرا على التلاعب بالإدارة الأمريكية الديمقراطية لا بل والخروج عن طاعتها، التي لا يوجد بينه وبينها انسجام عالي لا على الصعيد السياسي ولا حتى على مستوى العلاقة الشخصية.

في بداية الحرب حاول خصومه التجمع لإسقاطه وحصلوا على الدعم القوي من واشنطن الا انه كان اقوى منهم وأتهمهم بالتخاذل وعدم ادراك طبيعة الحرب التي تدور لا مع غزة و انما مع محور المقاومة و انهم يطعنون الدولة في الظهر لا بل واستخدم بعضهم مثل بني غانتس عضوا لا فاعليه له في مجلس الحرب المصغر، فيما نشط اهالي الاسرى في تنظيم المظاهرات وجمع التواقيع على عرائض تطالبه بإنجاز صفقة تبادل مع المقاومة تعيد اليهم ابنائهم  الذين تحتجزهم المقاومة، ثم العودة الى  اكمال الحرب، ولكن جهودهم ذهبت دون نتيجة فيما يتم العثور على بعض من جثث هؤلاء بين حين واخر وتتبادل الحكومة (الإسرائيلية) الاتهامات مع المقاومة حول ظروف موتهم، فيما يزداد قلق اهاليهم و يصل الى حد السعار.

لكن اعتبارا من اول أمس الاحد عادت قضية الاسرى وضرورة استردادهم تحتل الأولوية فقد تم النفخ في صفارة البدء، لتنطلق معركة اسقاط نتنياهو بشكل منظم ومدروس من خلال البدء في اضراب شامل يشل كامل مفاصل الحياه الاقتصادية والحياتية في دوله الاحتلال وذلك بقيادة اتحاد نقابة العمال (الهستدروت) صاحب التاريخ الطويل والدورالأكبر في بناء دولة الاحتلال، وهوان تراجع دوره مع تراجع دور حزب العمل ،الا انه بقي يملك فاعليه ودعم من كل خصوم الحكومة وخصوم نتنياهو الذي عمل على مدار 20 سنة على اضعاف دور هذا الاتحاد.

يشارك في الاضراب وزارات منها الدفاع والتعليم والبلديات الكبرى مثل تل ابيب وحيفا وتتعطل الدراسة ويتوقف العمل في مطار اللد (بن غوريون) وبالطبع في المجمعات الصناعية فيما تقدر بعض المصادر الإعلامية ان عدد من تظاهر في تل ابيب ليله الاحد الاثنين قد قارب 300,000 متظاهر.

يدعونا ذلك الى اعادة قراءة المشهد العام سواء بما يتعلق بالداخل (الاسرائيلي) او بانعكاس ذلك على الحرب التي تشارف على اكمال عامها الاول.

في المسألة الاولى تبدو الملامح بان الدولة العميقة في (اسرائيل) المكونة من تلك النقابات وكبار صناعيين ورجال الاقتصاد والبورصة ومعهم كثير من الاكاديميين والمفكرين يضاف اليهم الجيش والأجهزة الأمنية قد اخذوا امام شعورهم بوجودية هذه المعركة اعادة التفكير و تقييم الامور بعد ان طالت اكثر مما كانوا يظنون، صحيح انهم جميعا متفقون على ضرب الفلسطينيين وما يسمونه الارهاب وعلى افكار الضم والترحيل (ترانسفير) ولكن نتنياهو برايهم ذاهب باتجاه تفكيك الدولة بأدائه خاصة في قضية الاسرى التي قد تقود الى اشتباك داخلي دامي قد يصل الى حواف الحرب الاهلية.

وبالتالي فان على نتنياهو الرحيل وهم ليسوا ضد الحرب وانما ضد ادارة نتنياهو للحرب وهم يرون ان هناك ضرورات داخلية (إسرائيلية) تستدعي رحيله، وما قصه الاسرى واعادتهم الا شماعة يعلقون عليها ويستثمرون بها في معركة اسقاطه التي يرون انها يجب ان تتم قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني القادم ومن الواضح ان اعداد المتظاهرين ونجاح الاضراب الذي اغلق المطاعم والمدارس والمصانع والمطار يمثل اقتراعا انتخابيا ضد الحكومة ورئيسها (لا ضد الحرب)، فيما يعود هو و وزيره سمو ترتش الى الخطاب القديم و اتهام اتحاد نقابات العمال بالعمل في خدمة الشيخ يحيى السنوار و المقاومة الفلسطينية.

في المسألة الثانية لن يكون امام بنيامين نتنياهو الا واحد من ثلاث خيارات

الخيار الاول هو بالانحناء وهذا الانحناء سيكون انحناء امام المقاومة الفلسطينية والدخول في مفاوضات جاده معها وبالطبع فان المقاومة تملك من الادراك والمعرفة القدر الذي يجعلها تشعر بالقوة وتتمسك بشروطها ومطالبها فهي في هذه الحالة من يستطيع الاملاء والتي قد تصل مطالبها الى حد عمليه تبييض السجون (الإسرائيلية) من ابنائنا الاسرى وعلى راسهم المحكومون بأحكام عالية والذين اتهموا بإراقة الدم الازرق (الاسرائيلي- اليهودي) او القادة مثل مروان البرغوثي وامين عام الجبهة الشعبية احمد سعدات وغيرهم.

الخيار الثاني هو بالانحناء امام اتحاد نقابة العمال (الهستدروت) ومن يقف وراءه من قوى مؤثرة بان يوافق على الدعوة الى انتخابات مبكرة تبدو فرص نجاحه فيها في حالة تناقص وذلك إذا قرانا سياسيا اعداد المتظاهرين في المدن الكبرى وامكانيه تحويل ارقامهم الى اصوات في صندوق الانتخابات.

والخيار الثالث بان يتمسك نتنياهو بالحكم مع فريقه الوزاري والاصرار على اكمال الدورة البرلمانية التي بقي منها سنتان وهذا ما قد يقود الى تصعيد الاشتباك الداخلي الاسرائيلي الى حدود الحرب الأهلية.

لكن نتنياهو الذي كان قد عبث بالجهاز القضائي، عاد ليستعين به فقد قررت المحكمة العليا النظر في الغاء الاضراب، ثم عادت واحالت الامر الى محكمة العمل، وتخوفا من ذلك اعلن اتحاد النقابات ان الاضراب سينتهي مساء امس الاثنين، و هذا كان انذارا كافيا له و معركة أسقاطه التي انطلقت ستشهد بالقريب جولات اخرى.

جنين- فلسطين المحتلة