8- سعادة والخطر الصهيوني على سورية
بعد أن شرحنا في القسم الأول الظروف التي نشأت فيها الحركة الصهيونية والغاية من إنشائها فإن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تعامل أنطون سعادة مع هذا الخطر؟ وهل علينا نحن اليوم أن نبقى ملتزمين بآراء سعادة في هذا المجال؟ وما هي الوسائل التي علينا أن نعتمدها للقضاء على ما زرعته الصهيونية في بلادنا من الاحتلال والقتل والدمار؟
لقد تنبّه سعادة إلى خطر الحركة الصهيونية على سورية برغبتها بإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، منذ عشرينيات القرن الماضي، وله كثير من المقالات في هذا الموضوع، وهو القائل: العمل المنظّم لا يقاوم إلّا بالعمل المنظّم، ولا نبالغ إذا قلنا بأن الإعلان عن تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي سنة 1932 كان رداً منظماً على الحركة الصهيونية.
ومحاربة هذه الحركة لا يتم إلّا ببعث نهضة شاملة في الأمة السورية. لذلك نجد في فكر سعادة الأسس الفكرية والاجتماعية والسياسية لمحاربة الحركة الصهيونية والتخلص من خطرها على بلادنا وأهمها:
1- وعي سعادة المبكر لخطر الحركة الصهيونية والتجزئة السياسية الاستعمارية.
2- المؤامرة الأمبريالية الصهيونية لن تتوقف إلّا بوعي الأمة السورية لهذا الخطر.
3- الباعث الأساسي لوجود الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الرد المنظم على الخطر المنظم.
4- النقطة المركزية في فكر سعادة القومي تقوم على أنّ النضال ضد الخطر الصهيوني لا يمكن أن يقتصر على الفلسطينيين لأن الخطر القومي المصيري لا يقتصر على فلسطين وحدها، بل يطال الأمة بوحدتها وسيادتها.
5- إن محاربة المشروع الصهيوني إنقاذ للبنان من الانعزالية.
6- كل نظرية سعادة في الشأن القومي مرتكزة على أنّ للوعي القومي وظيفة نضالية في حرب التحرير.
7- الوعي القومي عنده يربط بين الاستعباد الداخلي والخارجي.
8- حرب التحرير القومية تدرك أن تحرير الوطن وتحرير المواطن مقولة واحدة لا انفصال بين أجزائها.
9- أسباب الحرمان- الإقطاع- الرأسمالية- التكالب على المصالح وعلى المنافع تشكّل عائقاً جوهرياً في حرب التحرير.
10- فرادة سعادة في منهجه المدرحي في تفسير الحرمان المادي والنفسي.
11- وعي سعادة المبكر لبذور الفكر الانعزالي في الثلاثينيات والأربعينيات.
12- يربط سعادة بين التفكير الانعزالي والتفكير الصهيوني.
13- إنّ المشكلة الطائفية عنده يمكن أن تتحوّل إلى ورم سرطاني يصل إلى حد الخيانة القومية.
والآن: السؤال الكبير الذي يواجهنا: هل الأخطار التي تنبّه إليها أنطون سعادة كانت حقيقةً أم وهماً؟ وهل الطريق إلى توحيد الأمة السورية وإعادة أراضيها المغتصبة في فلسطين وكيليكيا اسكندرون يتم بالمفاوضات أم بالمقاومة؟
قبل النظر إلى ما نشاهده اليوم من الأحداث في بلادنا في العراق والشام وفلسطين ولبنان دعونا نُلْقِ نظرة على ما قاله أنطون سعادة للإجابة عن سؤالنا.
9- في المسألة الفلسطينية
لقد رفض سعادة مبدأ التقسيم عام 1947، وحاربه ورفض وصاية بريطانيا على فلسطين، ورفض اللجان التي ترسلها عصبة الأمم لدراسة واقع فلسطين لأنه يعتبر أنه من حق الأمة وحدها أن تقرر مصيرها. وعلى الأمة التي تريد أن تحيا، وأن تتقدم من الأخذ بمبدأ أساسي هو مبدأ حق الدفاع عن الحياة ومواردها. وما دام العالم عالم تنازع مصالح، فسياسة الحرب ركن أساسي من أركان السياسة القومية كسياسة السلم…”. وإن القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره.”
10- الانعزالية
– الانعزال خطر على القضية القومية لأنه يصبح عاملاً من عوامل التجزئة والتفسخ المادي والنفسي، ثقافة الانعزالية ثقافة هجين. الانعزالية وُجدت لمحاربة الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يؤكد على الوحدة، وعلى الحقوق القومية الثابتة القائمة على وحدة الشعب والأرض.
– خطر الانعزال في معاداته لبيئته الطبيعية، ومصالحته للحركة الصهيونية، لوجود القواسم المشتركة القائمة على العنصرية.
– ارتباط الأحزاب الانعزالية بالاستعمار، لأنها لا تستطيع الصمود في مواجهة المد القومي، ومصالح الشعب الأساسية، إلّا إذا رضعت من ثدي الاستعمار، والمحاربة بسيفه.
– ارتباط الأحزاب الانعزالية بقاعدة طائفية، تستغلها لأغراضها الخاصة، وتتخذها شعاراً في مواجهة الطوائف الأخرى التي تتعدّد ولاءاتها بتعدد مصالح أسيادها، وهكذا تقنع الناس، من ضمن هذه القاعدة، بأنّ الكيان الأناني يخص بعض المواطنين الذين لهم وحدهم حق التصرف به.
11- الحرب والسلم
أكّد سعادة في معظم مقالاته في هذا الشأن على مجموعة من القواعد والمبادئ في السياسة الدولية:
– إنّ الصراع القائم في العالم، هو صراع أمم متطاحنة. وقوام هذا الصراع في معظمه، يقوم على نهب مصادر الطاقة. فالأمة التي تمكنت، عبر بنائها الداخلي، من تخطي مشاكلها الزراعية والصناعية، ستتطلّع حتماً، إلى تأمين الطاقة المتوافرة خارج حدودها “إنّ النزاع الشديد على مصادر المواد الأوليّة والأسواق، قد استفحل بعد النهضات الروسية والإيطالية والألمانية واليابانية التي غيّرت الوضع السياسي- الاقتصادي العام”.
– إنّ التنافس على المواد الأولية وتوفير الأسواق للمتوجات الصناعية ولّد ضغطاً اقتصادياً وسياسياً سيؤدي حتماً إلى حرب بين الدول المتنافسة “وما دام العالم عالم تنازع مصالح فسياسة الحرب ركن أساسي من أركان السياسة القومية كسياسة السلم.” ويتابع سعادة: “العالم لا يزال بعيداً جداً عن زمن حل مشاكل جميع الأمم بإنشاء تشريع انترنسيوني عادل يعترف لكل شعب بحق الحياة، واتخاذ تدابير لحماية هذا الحق، فلا مندوحة للأمة التي تريد أن تحيا وأن تتقدم من الأخذ بمبدأ أساسي هو مبدأ حق الدفاع عن الحياة ومواردها”.
– لا تكون الحرب وسيلة حضارية إلّا إذا كانت مدعومة بالحق، وكل قوة لا يؤيدها الحق هي قوة همجية، بربرية.
– إنّ الأمم الضعيفة ليس أمامها، في هذا الصراع الدولي، إلّا الاعتماد على نفسها، ووحدتها هي الدعامة الأولى في صراعها لنيل حقوقها. إن الحرب وسيلة لا بد منها لمن لا يريد أن يكون حقه القومي في يد القدر.
-إنّ كل سلام مفروض بالقوة، لا يمكن أن يكون سلاماً، بل استسلاماً.