العلاقة الجدلية بين الحركة الصهيونية والأنظمة العربية – الحلقة الاولى

– مؤتمر لندن 1907

يمكننا القول إن الخطوة الأولى في إحياء الحلم الصهيوني بإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين بدأت في المؤتمر الذي عقدته القوى الغربية الاستعمارية في لندن سنة 1907، واتفقت فيه هذه الدول على كيفية السيطرة على أراضي الدولة العثمانية التي بدا عليها الوهن والضعف.

من أهم المقررات في هذا المؤتمر التي تتعلق ببلادنا هي:

1- من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على العالم لخصائصه الجغرافية والاقتصادية وخصوصاً الثروة النفطية.

2- فصل القسم الآسيوي عن القسم الأفريقي في الشرق العربي.

3- إفراغ فلسطين من أهلها الأصليين والإتيان بشعب غريب إليها.

4- الاتفاق السري بين الحركة الصهيونية وهذه الدول بأن الشعب الغريب الذي سيسكن فلسطين هم اليهود.

5- قيام وطن قومي يهودي في فلسطين يوفر للغرب قاعدة عسكرية متطورة لإخضاع شعوب المنطقة عندما يحتاج الأمر لذلك.

2- العقل الصهيوني

إنّ العقل الصهيوني لا يتعامل معنا على أساس أننا شعوبٌ لها شخصيتها، ولها أهدافها العليا في الحياة. إنه يرانا كتلاً بشرية متدافشة للحصول على قوتها وكفى لذلك علينا أن نسمع أصداءه المزوّرة.

وما يشجعه على ذلك العلاقة الجدلية التي تجمعه بالأنظمة العربية.

إنّ العدو الصهيوني يدرك أن بقاءه مرهون ببقاء هذه الأنظمة العربية التي لا يعنيها سوى البقاء في السلطة، وهذا البقاء لا يستمر ولا يبقى إلا بتقديم التنازلات والخدمات لهذا العدو.

3- تطبيق سايكس بيكو 1916

من هذه القاعدة القائمة على المصالح المشتركة بين الأنظمة والعدو بدأت المأساة في بلادنا ابتداءً من تطبيق اتفاقية سايكس- بيكو في أواخر تموز سنة 1920.

4- تصدي المفكرين السوريين للحركة الصهيونية

ولكن الصراع بين المفكرين السوريين والحركة الصهيونية بدأ منذ انعقاد المؤتمر في بال في سويسرا سنة 1897. أولى المقالات هي التي كتبها أمين إرسلان من باريس ونشرت في “المقطّم” العدد 2611 تاريخ 22 تشرين الأول 1897 تحت عنوان “مملكة صهيون” والمقالة هي ردة فعلٍ على المؤتمر الصهيوني الذي عقد في “بال” في سويسرا حيث يقول الكاتب: “لا يخفى أنه عقد في الأشهر الستة الأخيرة مؤتمرات مختلفة في عواصم أوروبا، فرأيت أن أخصص هذه المقالة بمؤتمر “بال” الذي عقده الإسرائيليون في سويسرا في الشهر الماضي سعياً لإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين. فاجتمع فيه على ما يزيد على مئتي مندوب من نسل إبراهيم الخليل للمفاوضة في مشترى أراضٍ فسيحة وقرى كثيرة في فلسطين، وجوار أورشليم من الدولة العثمانية، وجعلها مملكة إسرائيلية مستقلة تحت سيادة الحضرة الشاهانية عاصمتها القدس الشريف”.

5- التجزئة السياسية في سورية الطبيعية

لن نبحر كثيراً في مسألة السرد التاريخي للشروع الصهيوني في فلسطين لأن سردياته كثيرة في الكتب التاريخية التي أرخت لذلك. ما يعنينا في هذه الدراسة إظهار القواسم المشتركة بين الحركة الصهيونية والاستعمار الغربي الفرنسي والإنكليزي بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وتحديداً تقسيم سورية الطبيعية إلى كيانات وجعل كل كيان دولة مستقلة وهي: لبنان الكبير وسورية الشام والعراق وفلسطين ودولة شرق الأردن التي استحدثها الاستعمار البريطاني بعد أن ضمَّ إليها مساحات من العراق والسعودية وفلسطين وسورية الشام.

وبهذه التجزئة السياسية مهّد الاستعمار لغايتين أساسيتين: الأولى لقيام الدولة اليهودية في فلسطين، والثانية ربط هذه الكيانات بسياساته حتى تبقى تابعة له سياسياً واقتصادياً. وبعد الحرب العالمية الثانية منح الاستعمار الاستقلال الشكلي لهذه الكيانات ما عدا فلسطين التي اغتصبها الصهاينة عام 1948 وأقاموا دولتهم المزعومة تنفيذاً لوعد بلفور عام 1917.

6- الأنظمة العربية في خدمة الصهاينة

في العام 1948 عندما احتلّ الصهاينة فلسطين وأعلنوا قيام دولتهم قامت الأنظمة العربية بإرسال مجموعات من جيوشها لمحاربة الإسرائيليين، ولكن كل المعلومات التاريخية تؤكد بأنّ هذه الجيوش لم تقاتل قتالاً جدياً لأنها لم تكن مسلحة بأسلحة فعالة، ولأن الحكام كانوا على تواصل مع الإسرائيليين سراً لأن وجود الكيان الصهيوني هو صمّام الأمان لبقاء الحكام والأنظمة التي هندسها الاستعمار وفقاً لمصالحه السياسية والاقتصادية.

7- بعد النكبة

أصبحت القضية الفلسطينية عنوان العرب والعروبة وأخذت الأنظمة العربية تتنافس فيما بينها للعمل على تحرير فلسطين. هُزِمت الجيوش العربية في الخامس من حزيران عام 1967 واحتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء والجولان والضفة الغربية ومزارع شبعا وكفرشوبا ثم حرب 1973 التي عبر فيها الجيش المصري قناة السويس وحطم خط بارليف ووصل الجيش السوري في بداية الحرب إلى بحيرة طبريا، ولكنّ الحرب انتهت باختراق العدو الصهيوني خطوط الدفاع المصرية وتطويق الجيش المصري من خلف قناة السويس، هذا على الجبهة المصرية التي خفّ فيها القتال، ما ساعد العدو على التفرغ إلى الجبهة السورية التي اضطر فيها الجيش السوري للتراجع إلى المواقع التي كان فيها قبل الحرب.

وحصل المحذور عندما زار أنور السادات الكيان الصهيوني، واجتمع بالصهاينة، وأبدى استعداده لإنهاء العداوة وفتح صفحة جديدة مع العدو قائمة على السلام المتبادل فكانت معاهدة كامب ديفيد، ثم تلتها معاهدة وادي عربة بين الأردن والعدو الإسرائيلي، ثم أصبح لإسرائيل مكتب في قطر للتبادل السياحي والتجاري، وآخر الشهامة العربية الأخوة الإبراهيمية بين العرب واليهود وتطبيع العلاقات بين إمارات الخليج العربي والكيان الإسرائيلي.

إن جدلية العلاقة بين الأنظمة العربية والحركة الصهيونية التي تجلّت بأوضح مظاهرها في عشرية الهجوم على الدولة الشامية التي جمع فيها الغرب والأنظمة العربية المرتزقة من ثمانين دولةً واعترف رئيس وزراء دولة قطر بأن قطر وحدها دفعت 150 مليار دولار لتمويل هذه الحرب الداعشية الصهيونية على الشام، والأدهى من ذلك اختلاط الدم الداعشي مع الدم الصهيوني لأن إسرائيل فتحت مستشفياتها لمداواة الجرحى من المرتزقة الذين يقاتلون الجيش الشامي.

وبعد طوفان الأقصى ذاب الثلج وبان المرج وصدقت مقولة المقاومة بأن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت وسقطت الهالة الإسرائيلية في الميدان ووقع قوادها العسكريون في الأسر ودخلت المقاومة الفلسطينية مسافة أربعين كيلو متراً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنذ عشرة أشهرٍ وحتى تاريخه لم يستطع العدو الإسرائيلي وحلفاؤه من حلف الناتو من تحقيق أي هدف من الأهداف التي أعلنوا عنها، ولعلّ الهدف الوحيد الذي حقّقوه فضح الأنظمة العربية وتأكيد علاقتها الجدلية مع العدو الصهيوني الذي ينتقم من المدنيين الغزاويين العزل لعلّه يسترجع شيئاً من مياه وجهه ووجه الأنظمة العربية التي تكتفي فضائياتها بتعداد الضحايا الأبرياء.