الملف النووي الإيراني.. ملف إقليمي

في زياره نتنياهو الأخيرة للبيت الأبيض والتي جاءت على عجل و كأنها استدعاء، توقع كثير من المراقبين أن هدف الزيارة هو ترتيب مشترك بين واشنطن وتل أبيب لتوجيه ضربة عسكرية عنيفة لإيران وان اللقاء الذي جمع بين ترامب ونتنياهو كان لمناقشتها والاتفاق على تفاصيلها ولكن في الحديث الصحفي الذي اعقب الزيارة فاجأ ترامب  ضيفه نتنياهو والعالم انه يريد أن يمنح ايران فرصة قبل الذهاب إلى خيار الحرب وتوجيه ضربات عسكرية مؤلمة لها و ذلك بعقد محادثات مباشرة معها وهو ما حصل السبت الماضي في مسقط وبرعاية عمانية التي تحاول أن تتمايز فيها عمان عن باقي دول مجلس التعاون الخليجي وهي تنجح في السير وحيدة وفي السعي لتحقيق مصالحات في اكثر من ملف منها الملف الإيراني ـ الأمريكي.

لم ينشر كثير من التفاصيل عما دار في اجتماع مسقط، ولكن معالم الارتياح بدت واضحة على الفريقين فالرئيس الأمريكي ترامب يقول أن ايران تريد التعاون، ولكن قد لا تكون تعرف كيف يكون ذلك، أما الرئيس الإيراني بزشكيان فقال أنه سيكون سعيدا باي اتفاق يتم التوصل اليه وان المفاوضات تسير بشكل طبيعي ويأمل بان تكون أفضل يوم غد السبت.

في محاولة لتلمس ماذا يريد كل فريق نرى أن الأمريكي يريد من ايران التخلي عن مشروعها النووي وربما في مرحله لاحقه انه يقبل إبقائه في مجاله الأدنى دون السعي لامتلاك سلاح النووي وهو كما كان قد حصل في عهد أوباما عام 2015 ولكن الأمريكي هذه المرة يريد ما هو اكثر وتحديدا بما يتعلق بالبرنامج الصاروخي وفي صناعة الطائرات المسيرة والأسلحة وبما يتعلق بالدور الإقليمي للجمهورية الإسلامية و هي التي امتلكت برنامجا طموحا للتمدد الخارجي بديلا لتصدير الثورة الذي كان اعلنه الخميني وكان فيلسوف برنامج التمدد الخارجي الجنرال الراحل قاسم سليماني، وكان قد خطا به خطوات ناجحة جعلت من ايران قوة إقليمية ذات وزن ثقيل وان كان ذلك الوزن قد اصبح موضع شك بعد ارتدادات حرب طوفان الأقصى.

الإيراني الإصلاحي الحاكم يبدو انه يرى أن مصالح ايران الداخلية لها الأولوية على أية مصالح إيرانية خارجية أخرى وهو يرى أن أكلاف التمدد الخارجي كانت مرهقة ماليا وسياسيا فهو يتحدث عن فتح الباب أمام استثمارات أمريكية في مجال التعدين والثروات الطبيعية بتريليونات الدولارات وهو لا يريد التخلي عن المشروع النووي وان كان يوافق على ابقائه في حده الادنى السلمي ويريد رفع العقوبات والحصار واسترداد ما تملك الدولة من اموال وارصدة مجمدة في بنوك خارجية ستكون قادرة على مساعدتها في ضائقتها الاقتصادية ولا ندري أن كانت ايران باز شكيان مستعدة لتقليص علاقاتها مع الصين والدول التي كانت تشتري منها البترول في وقت الحصار.

سادت نظريات في العلاقات الدولية أصبحت الآن في وضع مرتبك وخاصة تلك النظرية الأيديولوجية في العلاقات الدولية التي كانت ترى أن الدول تقف إلى جانب بعضها بناء على توافقها معها بالأيديولوجيا لكن يبدو أن المصالح تتفوق على الفكر والعقيدة كما ساد اعتقاد آخر أن إيران ستدافع عن شركائها وحلفائها في محور المقاومة حتى النهاية فهي لن تسمح بهزيمة حليفها اللبناني الأقوى حزب الله ولا المقاومة الفلسطينية لكن دعمها لحلفائها في حرب طوفان الأقصى وفي جبهة الأسناد كان محدودا واليوم لا نرى من ناصر لغزة وفلسطين ومن يقف متحديا (للاستكبار) العالمي إلا اليمن وحيدة حتى دون دعم من قلب المحور.

السياسة هي علم و لها مفاهيمها ومن هذه المفاهيم أن ايران دولة ولها مصالحها ولما كان من حقنا أن نرى أن مصلحة امتنا فوق كل مصلحة فمن حق ايران علينا أن نفهم أنا من حقها الدفاع عن مصالحها لكن الم يكن حفاظها على حلفائها من اهم هذه المصالح وان هذا المحور الكبير الوازن كان من منحها وزنها الإقليمي الثقيل و خاصة حليفها اللبناني (حزب الله) الذي كان لاعب إقليمي من الدرجة الأولى ولكنه اصبح اليوم لاعب لبناني متوسط الحجم (فالإسرائيلي) يغتال على  الشبهة ويحتل الجنوب وينزع بمساعدة الدولة اللبنانية من سلاح المقاومة ،والحدود يتم إعاده ترسيمها وأصبحت تحت سيطرة جهات دولية معادية للمقاومة والدعم الموعود للحكومة والدولة اللبنانية لا زال يتلكأ إلى أن يتأكد الأمريكي والإبراهيمي من القضاء على حزب الله والمقاومة فهل ايران اليوم بعد ضرب اطرافها في لبنان وسوريا اضعف أم ـ أنها اقوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *