الاعلام المحلي والعربي …يكاد المريب يقول خذوني

لم تعد الحروب نخاض بالمدافع والصواريخ والطائرات والبوارج وكل انواع الأسلحة التقليدية منها والحديثة فحسب. حروب اليوم باتت أكثر تعقيدا تأخذ فيها الكلمة والصورة حيزا كبيرا وتلعب الشاشات على أنواعها دورا أكبر. ولعل العنوان الأبرز لدور الاعلام في حروب اليوم هو التضليل. انها حرب نفسية بامتياز تسخر لها امكانات مادية وتقنية وبشرية هائلة، يصفها البعض بالحرب الناعمة لكنها في الواقع ليست ناعمة على الاطلاق، انها جزء من الحرب العسكرية والأمنية وتؤدي الدور نفسه في القتل والتدمير المعنوي.

منذ عملية طوفان الأقصى بدأت حملة التضليل، بدأتها اسرائيل والمؤسسات الاعلامية العالمية المتصهينة، فيديوهات مفبركة عن قتل الاطفال الاسرائيليين وقطع الرؤوس وأخبار مضخمة مغلوطة عن جرائم مرتكبة في مستوطنات غلاف غزة المحتلة، وهو ما تم دحضه لاحقا، لكنه كان كافيا ليهب العالم الغربي الى نجدة اسرائيل التي تتعرض لحرب وجود، فيما الحقيقة هي عكس ذلك تماما.

كان السؤال الموحد الذي يوجهه مقدمو البرامج الحوارية السياسية في اميركا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وغيرها الى ضيوفهم، وخصوصا العرب: هل تؤيد هجوم “حماس”؟ كان الهدف واضحا، ادانة “حماس” او ادانة الضيف اذا رفض ادانة الهجوم. كان السؤال خبيثا الى ابعد الحدود ومبتورا عن سياق الأحداث وعن القضية برمتها. كان السائل يسعى فقط الى تجريم “حماس” وإظهار اسرائيل ضحية لعدوان “حماس” باعتبارها حركة ارهابية بمعزل عن الاسباب الحقيقية لهجوم “حماس” وللظلم والقهر والتعذيب اليومي الذي يتعرض له القطاع المحاصر المحروم من كل شيء. وقع بعضهم في الفخ لكن كثيرين استطاعوا مواجهة السؤال بجرأة ومعرفة وعمق رابطين بين الهجوم وبين الجريمة الأصلية وهي ان اسرائيل احتلت ارض هؤلاء الفلسطينيين وطردتهم من بيوتهم الى مخيمات بائسة على تخوم قراهم التي عاش فيها أجدادهم منذ آلاف السنين وعمروها وزرعوا أرضها وحولوها جنة.

الحرب الاعلامية مستمرة تنخرط فيها الى جانب إسرائيل مؤسسات ودول كبرى، لكنها لم تعد حربا من جانب واحد، بدأ وعي عالمي يتشكل، خصوصا بين جيل الشباب الذي أصبح أكثر ادراكا لحقيقة الاجرام الاسرائيلي والظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني منذ ما قبل قيام الكيان الصهيوني على ارض ليست لليهود ولم تكن يوما لهم. انها حرب تخوضها نخب فلسطينية وعربية وحتى غربية ضد التضليل والتشويه الصهيونيين.

من المؤسف ان يكون عرب كثر قد انخرطوا في حملة التشويه والتضليل الصهيونية، فرغم كل الاجرام الاسرائيلي ووحشية العدوان على غزة وعلى لبنان ما زال الاعلام العربي، الخليجي خصوصا، والاردني والمصري، يتعامل مع الوحشية الاسرائيلية بـ “حنان” وإذا تطرق هذا الاعلام الى الوحشية الاسرائيلية احيانا فإنه لا يفوته ان يحمل مسؤولية الحرب الى “حماس” مساويا في أحسن الاحوال بين الضحية والجلاد. ليس الامر حيادا اعلاميا وموضوعية أبدا، انه مشاركة فعلية في الحرب على الشعب الفلسطيني وهروبا من واجب كان قبل عقود من المسلمات. وهو في العمق تطبيع للنفسية العربية مع واقع مفروض وهو التفريط بحقوق الفلسطينيين وليس سلاما على الاطلاق،” فإسرائيل “لا تريد السلام، بل الاستسلام.

تفتح محطات لبنانية شاشاتها لمن هبّ ودب ّمن مدعي المعرفة والتحليل ليبثوا أفكارا ومواقف مناهضة لدخول لبنان في الحرب بحجة ان لا طاقة له على تحمل نتائجها ودمارها وان لا قرار للدولة اللبنانية فيها الى آخر المعزوفة. تنضح بعض الشخصيات كراهية وحقدا ويكاد بعضها يعلن تأييده لدولة العدو علنا، وفي الواقع انها فيما تبديه من آراء انما يصب كله في مصلحة اسرائيل عبر تجريم “حماس” وتحميل المقاومة مسؤولية ما قد يلحق بلبنان.

مواقع الكترونية تشن حملات دعائية ولوحات اعلانية تملأ الشوارع رفضا للحرب. حملات تكلف ملايين الدولارات لا أحد يعرف من يقف وراءها ولا مصادر تمويلها. المضمون المضمر واحد: المقاومة تريد جر لبنان الى الحرب. الهدف واحد تبرئة اسرائيل مسبقا وتحميل المسؤولية لـ “حزب الله”.

لكن يكاد المريب يقول خذوني. ليس على الفطين الا ان يدقق قليلا ليعرف من هم مروجي الاشاعات وحملات التضليل.