«تنذكر وما تنعاد»
يطل علينا 13 نيسان كما في كل عام لتحتل هذه العبارة جميع المقالات، والشاشات، والمقالات، والمقابلات وكأنها أصبحت «طقسًا دينياً» بالمقابل نرى أن الواقع السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي عكس ذلك تماماً.
نحن يا سادة لم يُكتب لنا النجاح بالخروج من الحرب الأهلية، بل الذي حدث تغيير في الأدوات فقط على سبيل المثال لا الحصر: انتقلنا من البندقية إلى الطائفية، ويبدو أننا عائدون اليها إلا إذا! واستبدلنا خطوط التماس والمعابر إلى خنادق المحاصصة الطائفية.
هل أحدٌ يشك بإن الحرب الأهلية (1975-1990) قد أكلت الأخضر واليابس؟
إلى أي مدى نجح اتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية وأطراف دولية أخرى؟ نعم، أن اتفاق الطائف أوقف القتال، لكنه لم يوقف الانقسام، بل كرّس المحاصصة الطائفية وأصبح في قلب النظام.
نعم، لقد فشل الطائف في إعادة بناء الدولة، كونه تعامل مع الأمر على أنها أزمة حرب وسلاح، لا كأزمة نظام. فكانت من نتائجه غياب التأسيس لعقد اجتماعي مدني ركيزته الأساسية المواطنة، وذهب أبعد من ذلك حيث شرعن «الزعامات الطائفية» وقدم لها مفاتيح الدولة. بناء عليه ترك اتفاق الطائف جرحاً مفتوحاً، وتجلى ذلك في الحروب على: مناهج التعليم، الصحة، المياه، الكهرباء، المال، النقابات، المحروقات والكثير من «الكارتيلات».
في ذكرى الحرب، لا بد من العودة إلى فكرٍ أنقذته المكتبات ورجال الفكر، ولم تنصفه السياسة بل أعدمته، أنه فكر أنطون سعاده والذي نجح بتشخيص المرض قبل أن يولد لبنان الحديث، عندما قال: «الطائفية هي قرحة في جسم الأمة، إن لم تعالج تنفجر». وها نحن اليوم داخل مرحلة الانفجار، نحن اليوم في وطن مقسّم، مشلخ، ومهترئ على أساس طوائف، لا على أساس حقوق، بل بدولة تشبه العشائر المتنازعة الغنائم، لا مؤسسات في خدمة المواطن.
إلى ماذا يحتاج لبنان اليوم؟
لبنان اليوم يحتاج إلى جراحة شاملة، نحتاج إلى نظام انتخابي حديث ومعاصر مبني على أساس الوطنية، لا مناطقي، ولا أزقة، ولا مذهبي. نحتاج إلى دولة تقدّر عنصر الشباب، بدل طرده إلى الخارج، نحتاج إلى تربية وطنية تعلّم التلميذ معاني الوطنية وتغرس به انتمائه للوطن، نحتاج إلى جامعة وطنية مستقلة بكل معنى الكلمة، نحتاج إلى سلطة قضائية لا تهاب أحد ولا تركع، وإعلام لا يُشتري وألا تتحول مهامه إلى عمل استخباراتي.
هل فعلاً انتهت الحرب؟
حسنًا ماذا عن الجامعة اللبنانية؟، ماذا عن الانهيار المالي؟، ماذا عن الحريات؟، ماذا عن مافيات المصارف؟، ماذا عن الكارثة بل المجزرة التربوية؟، ماذا عن الفقر؟ أليست هذه حروباً أهلية بوسائل أخرى؟ لماذا تحوّل الوطن إلى حقل تجارب من الصفقات والارتباطات والإرتهانات الخارجية؟ أما آن للشعب اللبناني اليوم أن يثور علمياً، انتخابياً، وأن يثور فكرياً؟
بدل أن نضع اكليلاً من الزهر كما في كل عام على نصب تذكاري، الأجدى بنا أن نضع دستوراً على الطاولة « وان نبدأ بحوار وطني حقيقي» حوار يشارك فيه الشباب والنساء والمفكرون لا مسؤولي الطوائف.
لقد أنجب لبنان آلاف العقول التي أبهرت العالم. شبابنا أبدعوا في الطب، والهندسة، والبرمجة، والفن وحتى السياسة لكن تم ذلك بالخارج للأسف، لأن الداخل طردهم، وهذا دليل كافٍ لضرورة تغير النظام.
13 نيسان، فلنبكِ على وطن لم ينجح في التقاط فرصة وطنية حقيقية، لنقف سداً منيعاً في وجه الطائفية قبل أن تجرنا إلى جولة جديدة من الحرب.
لنرفع الصوت عاليًا ونقول: نريد وطنًا لا مزرعة، دولة لا دكاكين، عدالة لا وساطة، علمًا لا جهلاً، إنسان لا زبونًا طائفيا.
آن الأوان، وقبل أن تتحول عبارة «تنذكر وما تنعاد» إلى تنذكر.. لأنها ستُعاد
قائمة المراجع
1 – سعادة، أنطون– المجموعة الكاملة – الأعمال الفكرية – ج 3 – في القومية والمجتمع والنهضة – بيروت – دار الفرات – ط1 -2000
2 – مركز رأي للدراسات – قراءة تحليلية لنصوص اتفاق الطائف – دراسات وآراء سياسية – نُشر بتاريخ 21 تشرين الأول 2019
3 – البنك الدولي – تقرير الهجرة والتنمية: لبنان بين 1990-2020 – قسم الهجرة والتعليم – 2021 – ص: 29-32
4 – وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية – دراسة حول المغتربين اللبنانيين وكفاءتهم العلمية في الخارج – بيروت – 2022.