أفول الدولة القطرية وبدائلها

بدأ أفول دولة بلفور الصهيوني مع عجزها الميداني أمام حزب الله في تموز 2006، وأمام المقاومة في غزة من السابع من أكتوبر 2023، ولم تعد هذه الدولة قادرة على ترجمة ماكينتها العسكرية المتوحشة إلى وقائع سياسية في عموم الشرق الأوسط، فسقطت الشرق أوسطية ثم صفقة القرن ثم الإبراهيمية السياسية، وتحولت جميعها من مشاريع سياسية كبرى إلى ظلال باهتة ودموية.

وبالمثل هاهي دولة سايكس-بيكو القطرية التابعة تلفظ أنفاسها في ضوء عجزها البنيوي وتحولها إلى واحد من الأشكال التالية:

  • الدولة الشرطية – الجابية.
  • معادلة الدولة الضعيفة والنظام القوي.
  • الفوضى في غياب أو ضعف الحركة الوطنية غير المرتبطة بأي شكل من الوصاية أو التمويل للأجنبي والتبعية أو الثورات الملونة، مما يفتح أي بلد تعم فيه الفوضى أمام الاحتقانات الطائفية الجهوية المدمرة.
  • وهناك البلدان المحظوظة بوجود مقاومة تشكل بديلا وطنيا للدول المأزومة أو الغاربة وتعود الأشكال المذكورة في أسبابها ومعطياتها إلى تشخيصات معرفية واجتماعية حاولت تحري تلك الأسباب والتداعيات، من مواقع نظرية مختلفة، ومن ذلك:
  • فكرة عبد الله العروي عن الفوات الحضاري للأمم التي لم تحقق ثورتها القومية ودول الأمة الواحدة، ودولة النموذج الرأسمالي (دولة وستفاليا) ولا وفق النموذج الاشتراكي (الصين وفيتنام) ولا وفق منظورات أخرى خاصة.

فالدولة الحديثة، دولة المواطنة والحق والمجتمع المدني لا تتحقق قبل صهر المجاميع ما قبل الرأسمالية، الطائفية والقبلية في تشكيلات طبقية مدنية على مستوى الأمة.

  • فكرة محمد عابد الجابري عن السمة العامة للدول التابعة، بما هي خليط من ثلاثية الغنيمة باسم الاقتصاد، والقبيلة والطائفة بأسماء سياسية، والعقيدة باسم الإيديولوجيا. والأسوأ من كل ذلك الوعي الوضعي البراجماتي باسم العقل والحداثة، والعقل المستقيل باسم تأويلات شرعية وفقهية إلغائية وتكفيرية.
  • فكرة غالب هلسا وهشام شرابي عن البطركية التي تغذي السلطة نفسها من مجتمع ذي بنية بطركية.
  • فكرة مهدي عامل عن الدولة التابعة وبنيتها الكولونيالية وخطابها الطائفي الإكراهي الإلغائي التكفيري.

يضاف إلى كل ما سبق النفوذ الكبير الخارجي للسفارات الأطلسية وقناصلها وأقلام استخباراتها وأذرعتها، من الإعلام إلى البنك وصندوق النقد الدوليين وفلسفة السوق المتوحشة.

ومما يفاقم من خطورة ذلك، أن العولمة الرأسمالية تحولت في عقل ومطابخ الإدارة الأمريكية الإمبريالية إلى مصادرة لكل مظاهر السيادة لدى الدول والأنظمة التابعة، من الخارجية إلى التخطيط والقرارات الاقتصادية إلى المؤسسات التي جرى دمجها في دوائر إقليمية مشتركة مع العدو الصهيوني.

وكانت النتيجة تفريغ الدولة من مضمونها السياسي والاجتماعي وتحويلها إلى أشكال من البلديات الكبرى في محيط رأسمالي تابع، ولولا نجاح المقاومة في لبنان 2006، وفي غزة 2023-2024، لكانت صفقة القرن ثم الإبراهيمية السياسية قد دقت المسمار الأخير في نعش الدول التابعة وطوتها وحولتها إلى محيط من الكانتونات تدور حول المركز الصهيوني في تل أبيب.

ما سبق، يعيد النقاش حول الخيارات البديلة في ضوء تراجع، بل تحطيم، الحواضر الأساسية للأمة ومنعها من إنتاج (حالة بروسية-بسماركية) كإقليم قاعدة يحشد الأمة حوله).

فإذا كانت الدولة القطرية التابعة أعجز من أن تعيد إنتاج نفسها كدولة حديثة تجيب على التحديات المركبة، الداخلية والخارجية، وإذا كانت الشروط الموضوعية للمركز القومي غير متوفرة في الظروف الحالية، فإن المقاومة وثقافتها تتصدر الخيارات في بعديها المباشر وغير المباشر.

المباشر في ساحات وميادين الاشتباك الفعلية ممثلة بالمقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، وحالات مثل نزار بنات وباسل الأعرج.

وغير المباشر وفق مقاربات غرامشي للمثقف العضوي، وليس المقصود حالات فردية هنا وهناك، بل الصورة الجمعية لهذا المثقف كخطاب وسردية مغايرة تتجلى على مستوى أوسع من الدوائر التابعة.