الاسباب الموجبة لتعديل دستور سعاده ووجهة هذا التعديل – الحلقة السادسة

الفرق بين مواد الدستور والمراسيم الدستورية.

والفرق بين المراسيم الدستورية والقوانين الدستورية

إن البناء الشكلي لدستور سعاده هو بناء فريد من ناحيتين:

أولاً من ناحية أنه مقسوم ال قسمين: المواد الدستورية ثم المراسيم الدستورية. وثانياً من ناحية المراسيم الدستورية نفسها التي تتضمن نوعين: مراسيم تتضمن قوانين إنشاء مؤسسات تشريعية ثم مراسيم لا تتضمن قوانين وتنشئ مؤسسات تنفيذية وليس تشريعية.

إذاً، قبل المباشرة في إجراء أي تعديل أو أي نصّ دستوري جديد يجب الإلمام بالأمور الفنّية ومعرفة السبب في وجود المراسيم الدستورية الى جانب مواد الدستور في كتاب واحد، وما الفرق بين مواد الدستور ومراسيمه الدستورية. وأيضاً يجب معرفة السبب الذي جعل سعاده يصدر مراسيم تتضمن قوانين ومراسيم لا تتضمن قوانين، وتسميتها جميعها “مراسيم الزعيم الدستورية”.

إن مواد الدستور، تعني الأسس والمبادئ فقط اما الية التطبيق فموجودة في المراسيم الدستورية وليس في المواد الدستورية. في دستور سعاده استثناء وحيد لهذه القاعدة يتمثّل في المادة الحادية عشرة فقط. (يجتمع المجلس الأعلى بناء على دعوة من رئيسه في مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ حيلولة أي مانع طبيعي دائم دون ممارسة الزعيم سلطاته، لانتخاب خلف له). فهذه المادة هي الوحيدة التي تتضمن إجراءات ومهل (خمسة عشر يوماً)، ذلك لأنها مادة استثنائية ومضمونها يحدث مرة واحدة فقط

بالنسبة للفرق بين مواد الدستور ومراسيمه الدستورية:

ينص الدستور في مادته الثانية عشرة على أن السلطة التشريعية تحصر في المجلس الأعلى، وأن السلطة التنفيذية تعطى للرئيس. ثم يقول في المادة التي تلي إن مدة ولاية الرئيس المنتخب وطريقة انتخابه وطريقة انتقاء أعضاء المجلس الأعلى تحدد فيما بعد بمرسوم يصدره الزعيم على حدة ويكون له صفة المراسيم الدستورية.

إذاً، الإجراءات التنفيذية للمادة الدستورية، أي الكيفية والطريقة والمُهل “تحدد بمرسوم دستوري” ولا توجد في مادة دستورية.

هذه القاعدة قد تم خرقها وتجاوزها مرتين في تعديلين أُجريا سنة 1975 وسنة 1986، لأن المشترع وقتها لم يكن يدرك الفرق بين ما هو مواد دستورية وما هو مراسيم دستورية. وتفصيل ذلك هو التالي:

المادة الرابعة من الدستور الأصلي الذي كتبه سعاده، والتي تنص على أن الزعيم هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية، تعدّلت سنة 1975 وصارت: “القوميون الاجتماعيون هم مصدر السلطات حسب رتبهم“. ثم تعدلت سنة 1986 وصارت “القوميون الاجتماعيون هم مصدر السلطات ويعبِّر عنهم الأمناء“. إن هذه التعديلات المتتالية تبرهن عن شيئين: 

الشيء الأول هو الارتباك والتخبط وعدم الفهم الصحيح لمعنى الرتب ودورها ولمعنى التعبير عن الإرادة العامة (بدل تمثيلها)

والشيء الثاني هو الجهل في صياغة مواد الدستور التي يجب أن تكون واضحة دون أدنى التباس.

يجب أن يكون التعديل هكذا: “القوميون الاجتماعيون هم مصدر السلطات في الحزب”، دون ذكر أي إجراء أو كيفية، ثم يجب إنشاء مرسوم دستوري جديد يحدد كيفية ممارسة القوميين الاجتماعيين دورهم كمصدر للسلطة. وهذا المرسوم الدستوري الجديد هو التحدّي الكبير الذي كان يجب أن يستجيب له مثقفو الحزب واختصاصييوه من زمان ويعملوا على وضعه في دستور الحزب لمرحلة ما بعد الزعيم، وهو ما يجب اليوم أن يتضمنه الدستور المقترَح الجديد.

 الفرق بين المواد الدستورية والمراسيم الدستورية هو أيضاً أن المواد الدستورية، هي “الدستور الاساسي” والأساس الثابت والدائم الذي تقوم عليه القوانين. أمّا المراسيم الدستورية فهي التي تصدرها السلطات التشريعية العليا في الدولة. وكل مرسوم دستوري جديد (ينشر في الدستور) يُعتبَر تعديلاً دستورياً. ذلك لأن الفرق بين المراسيم الدستورية والمراسيم العادية غير الدستورية هو أن الأولى لها صفة دائمة تصدرها السلطة التشريعية وتؤلف جزءاً من الدستور وتنشر فيه، أما الثانية فهي ذات صفة مؤقتة وخاصّة، مثل مرسوم تعيين عميد أو منفذ عام، الذي يصدره رئيس السلطة التنفيذية، أو مثل المرسوم الذي يحمل قانون الموازنة العامة الذي تصدره السلطة التشريعية. هذه المراسيم الأخيرة لا تؤلف جزءاً من الدستور ولا تنشر فيه، لذلك أسمها مراسيم عادية وليس مراسيم دستورية.

 فماذا عن الفرق بين المراسيم الدستورية التي تتضمن قوانين وتلك التي لا تتضمن قوانين؟

في المبدأ، المراسيم هي ما يصدره رئيس الدولة فقط (في الحزب يصدره رئيس المجلس الأعلى أو رئيس الحزب فقط).

المراسيم التي تتضمن قوانين هي ما تصدرها السلطات التشريعية، لأنه من صلاحياتها وحدها، ويوقعها رئيسها (رئيس المجلس الأعلى). أمًا المراسيم التي لا تتضمن قوانين فتصدرها السلطة التنفيذية ويوقعها رئيسها (رئيس الحزب).

لذلك، المراسيم التي تتضمن قوانين تسمى مراسيم تشريعية وتسن سنّاً (يسن القانون التالي)، والمراسيم التي لا تتضمن قوانين ترسم رسماً (يرسم ما يلي). مع الملاحظة أنه يمكن لرئيس السلطة التشريعية أن يسن قانوناً دون أن يدخله في مرسوم، أي دون مرسوم.

 سعاده كان يسن قوانينه ضمن مراسيم يسميها “مراسيم الزعيم الدستورية”. أمّا في المؤسسات الدستورية في العالم خارج الحزب فنشاهد قوانين دستورية ليست في مراسيم.

سعاده إذاً كان يصدر مراسيم تتضمن قوانين (يسنّ القانون التالي…) كما كان يصدر مراسيم لا تتضمّن قوانين (يرسم ما يلي…). مثلاً، مراسيم الزعيم عدد 1 و2 و3 لا تتضمّن قوانين، لقد رسمها الزعيم ولم يسنّها. أمّا مراسيم الزعيم عدد 4 و5 و7 فتتضمّن قوانين، لقد سنّها الزعيم سنّاً.

في المراسيم الثلاثة الأولى نقرأ في النص: (إن زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي بناء على المواد 1 و4 و5 و6 و7 من الدستور يرسم ما يلي: ….).  إنها مراسيم دستورية (نشرها الزعيم في الدستور) تنشئ مؤسسات تنفيذية، وليس فيها قوانين.

أما في المراسيم عدد أربعة وخمسة وسبعة فنقرأ: (إن زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي بناء على المواد 1 و4 و5 و6 و7 من الدستور يسن القانون التالي….). إنها مراسيم دستورية تشريعية، أي تتضمّن قوانين.

ويجب ملاحظة أن المراسيم التي تتضمّن قوانين هي التي تنشئ مؤسسات ذات وظيفة تشريعية (المرسوم عدد أربعة الذي ينشئ لجان المديريات ومجالس المنفذيات سنّ له الزعيم قانوناً لأن له وظيفة تشريعية في الضرائب المالية، والمرسوم عدد سبعة يشرّع لرتبة الأمانة التي سنّها بقانون لأنها ذات وظيفة تشريعية- الأمناء تتألف منهم السلطة التشريعية المسمّاة المجلس الأعلى).

يبقى المرسوم عدد ستة، فرغم أنه قانون (قانون الضرائب المحلّية) لم يسنّه الزعيم سنّاً، بل رسمه رسماً (يرسم ما يلي:)، لماذا سمّاه الزعيم قانوناً إذاً؟ ولماذا رسمه ولم يسنّه كما سنّ بقية القوانين؟؟ الجواب على السؤال الأول هو أنه قانون لأنه

له علاقة بقانون إنشاء لجان المديريات ومجالس المنفذيات التي لها صفة تشريعية في الضرائب المالية المحلّية. والجواب على السؤال الثاني هو لأنه جاء تنفيذاً لقانون آخر ولم يكن قانوناً جديداً مستقلاً.

المرسوم عدد ستة هو الوحيد من بين مراسيم الزعيم الدستورية الذي يبنيه على مرسوم- قانون آخر، وليس فقط على المواد الأولى والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من الدستور. لقد بناه أيضاً على المادتين التاسعة والحادية عشرة من المرسوم عدد أربعة الذي يحمل قانون إنشاء لجان المديريات ومجالس المنفذيات.

 في المحصلة، إن التعديلات التي يجب أن نجريها على دستور سعاده يجب أن تسير وفقاً للقاعدة نفسها التي سار عليها الزعيم في دستوره.

يبقى أن نذكر تحت هذا العنوان الفرق بين الصفة الدستورية والصفة غير الدستورية التي لسلطة المجلس الأعلى التشريعية. فالمادة الثانية عشرة من دستور سعاده تقول: تحصر السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية بالمجلس الأعلى…الخ، فالسلطة التشريعية الدستورية هي سلطة إصدار المراسيم الدستورية التي تكون جزءاً من الدستور وتنشر فيه، أما السلطة التشريعية غير الدستورية فهي التي تتعلق بإصدار المراسيم- القوانين العادية مثل مرسوم إنشاء الندوة الثقافية المركزية وقانونها[1]، أو إنشاء “اللجنة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات العامة وقانونها” وهذه المراسيم لا تُنشر في الدستور ولا تؤلف جزءاً منه بل تُنشر في “النشرة الرسمية”.

والسلطة التشريعية غير الدستورية تشمل أيضاً إقرار الموازنة ووضع سياسة الحزب وكل مهمات مراقبة السلطة التنفيذية وحسن تطبيقها لسياسة المجلس الأعلى وقراراته وقوانينه. هذه كلها تسمى سلطات تشريعية غير دستورية لأنها لا تؤلف جزءاً من الدستور ولا تنشر فيه. هذا هو معنى “سلطات تشريعية غير دستورية”، وليس معناها أنها “غير قانونية” أو “غير شرعية!!


[1]   الأعمال الكاملة، ج 8، ص 209.