الحلقة الثالثة
الديمقراطية خاصّة أولى من خصائص نظامنا الجديد
إن أول ما يجب أن نعرفه فيما خصّ العقيدة والنظام الجديد وفلسفتهما ونظرتهما الى الحياة والكون والفن، عندما نفكّر في الدستور والتعديلات الدستورية، هو ما سمّاه سعاده بالانقلاب الجديد الذي تجيء به الفلسفة السورية القومية الاجتماعية. لقد قال:
إن الديمقراطية الحاضرة قد استغنت بالشكل عن الأساس فتحولت الى نوع من الفوضى لدرجة أن الشعب أخذ يئن من شلل الاشكال التي أخذت على نفسها تمثيل الإرادة العامة، وصار ينتظر انقلابا جديداً. وهذا الانقلاب الجديد هو ما تجيء به الفلسفة السورية القومية الاجتماعية القائلة بالعودة الى الأساس والتعويل على التعبير عن الإرادة العامة بدلاً من تمثيل الإرادة العامة الذي هو شكل ظاهري جامد. فالتفكير السوري القومي الجديد هو إيجاد طريقة جديدة أسمها التعبير عن إرادة الشعب، فهذه الفكرة الجديدة هي الاكتشاف السوري الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد”.
فنظام الحزب المتضمَّن في دستوره هو إذاً نظام ديمقراطي تعبيري. وسنشرح فيما يلي في هذه الحلقة الصفة الديمقراطية، على أن نشرح الصفة التعبيرية في الحلقة القادمة.
الديمقراطية:
لسعادة نصوص واضحة في نشوء الأمم وفي مقالاته ورسائله وخطبه، كلها تفيد بما لا يقبل الشك بأن النظام القومي الاجتماعي الجديد هو نظام ديمقراطي، حيث إن الديمقراطية تعني أن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة.
إن تعبير “صاحب السيادة ومصدر السلطة”، وهو تعبير لفظه سعاده، يعني أن الشعب هو الذي يسمّي أصحاب السلطة في الدولة أو يوافق عليهم أو يثق بهم أو يرضى عنهم. أمّا ما يذهب البعض إليه من تفسيرات مطاطة يمكن تأويلها باتجاهات مختلفة قد تعني أو لا تعني شيئاً واضحاً، فيقولون مثلاً أن الديمقراطية تعني أن أصحاب السلطة يأتون من الشعب ويعملون لمصلحته، إن هذا ليس تعريفاً للديمقراطية.
فنظام الحزب إذاً هو ديمقراطي وفيما يلي شواهد من نصوص لسعادة:
أ – من نشوء الأمم:
في الفصل السادس من كتاب “نشوء الأمم”، وتحت العنوان الفرعي “الدولة الإقطاعية في الغرب والشرق”، يقول سعاده: “القومية والديمقراطية مبدآن متجانسان”.
ولسعادة أيضاً شرح واضح كيف أن القومية تقوم على المبدأ الديمقراطي، وذلك في الفصل السادس تحت عنوان “الدولة الديمقراطية القومية”، يقول:
“لكن القومية لم تقف عند حد القضاء على سلطة الإقطاعيين… بل سارت نحو الهدف الذي يبرر وجودها وهو إقرار أن السيادة مستمدة من الشعب وأن الشعب لم يوجد للدولة بل الدولة للشعب. هذا هو المبدأ الديمقراطي الذي تقوم عليه القومية، فالدولة الديمقراطية هي دولة قومية حتماً”.
أمّا في الفصل السابع من “نشوء الأمم” فيقول:
” وما الدولة الديموقراطية سوى دولة الشعب أو دولة الأمة. هي الدولة القومية المنبثقة من إرادة المجتمع الشاعر بوجوده وكيانه”.
يجب التنويه هنا أن أقوال سعاده هذه هي مأخوذة من كتاب نشوء الأمم العلمي، وهذا معناه أن سعاده قالها ليصف واقع ويعلن حقيقة وليس ليقدم عقيدة ويبدي رأياً، وهذا واضح من الصيغة العلمية الوصفية التقريرية لهذه الأقوال. إنها ليست آراءه ووجهات نظره، بل هي حقائق ووقائع ومعارف علمية مجمع عليها يقدمها لنا كمسلمات. أمّا آراؤه وعقيدته، وإن كانت ستنسجم وتتوافق مع الحقائق العلمية التي قدمها لنا، فهي موجودة في مبادئه وخطبه ومقالاته ورسائله، أكثر مما هي موجودة في كتابه العلمي.
ب – من المقالات:
بتاريخ 15-10-37 كتب سعاده مقالة في جريدة النهضة تحت عنوان “مرشحو الديمقراطية” يقول فيها:
“إن الديمقراطية من حيث أنها تعني أن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة هي أساس ثابت لا يزعزعه شيء”.
أما بتاريخ 7-3-1937 فكتب مقالة بعنوان “النيابة والاستبداد” ليوضح معنى الحكم الفردي، أي الاستبداد أو الدكتاتورية، الذي كان هو يمارسه حسب الدستور. فكانت حجته هي أن استبداده هو استبداد ديموقراطي لأنه قائم على ثقة مطلقة من مجموع الحزب، ويقول:
“لا يجوز أن يقوم الحكم المطلق إلّا على أساس الثقة المطلقة. وهذه الثقة المطلقة هي ما نرى مثاله الأعلى في الحزب السوري القومي الذي تقوم زعامته على ثقة مطلقة من مجموع الحزب… فإن الثقة المطلقة هي أساس ديمقراطي…”
فالديمقراطية هي ما حرص عليه واستند إليه سعاده في حججه، أوَلم يقل في نشوء الأمم أن الديمقراطية هي المبدأ الذي تقوم عليه القومية؟
ج – من الرسائل:
بتاريخ 28-8-41 كتب سعاده رسالة الى منفذ عام سان باولو البرازيل يقول له فيها:
“وإذا كان دستور الحزب قد وصل، لأنه أرسِل، فيمكنك أت تطلع السيد المر على الدستور وليس على المراسيم الدستورية المدموجة فيه، فيرى أن امتياز الحكم الفردي في الدستور هو فقط لصاحب الرسالة ومؤسس القضية وليس نظاماً أساسياً دائماً. والاتجاه الديمقراطي في نظامه صريح لا يرفضه عقل صحيح”.
د – من الخطب:
“… ثم أخذ يسرد شيئاً من حضارة السوريين في الماضي والمبادئ الصالحة التي أخذها الناس عنهم فذكر نشوء الديمقراطية في سورية التي ظهرت لأول مرة في التاريخ البشري بواسطة انتخاب الملوك في الدول السورية”.
“أما الديموقراطية التي يفتخر بها العالم الآن فهي من صنع سوري أيضاً لأن أول فكرة ديمقراطية تعطي الشعب حقه في إبداء الرأي في سائر شؤونه ظهرت في سورية. وبلا شك هي الغرسة الأولى في هذا الباب التي أعطت الثمر الكثير للعالم كله، ولا يزال البشر الى الآن يجاهدون في إيصال هذه الفكرة، حقوق الانسان، الى حد الكمال”.
“إن السوريين القوميين الاجتماعيين يجب أن يعرفوا واجبهم في هذه القضية الخطيرة، وأن العالم بأسره ينتظر منهم تفكيراً جديداً، ولا سيما من الوجهة الديموقراطية التي أصبحت الآن في حال مبهمة، فالسوري القومي يجب أن يعالجها من جديد ويدفعها الى العالم كاملة”. فالسوري المفكر يجب أن يهتم في إنقاذ الديمقراطية من الهلاك وذلك بأن يزيل ما دخل اليها من الفساد ويدخل إليها تفكيراً ينطبق على ما وصل إليه الناس من العلم والمعرفة فتصير صالحة لنفع الانسان وتكفل حقوق الانسان من كل مهاجمة وتعدّ. هذا هو الإصلاح الذي تتمخض به البشرية ولا بد أن يولد. فإذا جاء عن يد سورية تكون هذه البلاد العزيزة- بلادنا- ولدت الديموقراطية ثم أنقذتها من الهلاك”.