الدولة الشرقية ونموذج الدولة الغربي

الدولة الشرقية ونموذج الدولة الغربي

تكمن مأساة النماذج السياسية الشرقية لتنظيم المجتمع وقيادته بأنها تعتبر الدولة الحديثة نموذج غربي لا يتماشى مع تراثها السياسي الذي لم يقم وزناً يوماً للناس حيث لا يزال يعتبر المجتمع انما مجموعة رعايا قصر وهذا الامر تغلغل الى صفوف الاحزاب التي حكمت او المتنطحة للحكم.

ان الدولة الحديثة لم تولد سباعية او نتيجة سفاح قربى او جماع مع الالهة، بل جاءت وليدة صراع مرير ودموي بين كافة مكونات المجتمع، ملوك، أمراء،كنيسة،برجوازية،عامة وقادة فكر. وكان لقادة الفكر الدور الطليعي لبلورة الأسس والمفاهيم التي على الدولة العمل بموجبها وان لا يشترك معها أحد في قيادة المجتمع وتنظيمه من خارجها وهو ما عرف لاحقاً بمفهوم السيادة. والخارج ليس فقط من هو خلف الحدود، بل وايضاً من هو داخلها من منظومات غير سياسية وتلعب دوراً في تشكيل المجتمع كالدين والعائلة وكل من يعمل لمصلحة خاصة اي لا تعنى بشؤون المجتمع ككل.

النموذج الشرقي للدولة ما زال يتلمس طريقه ففكرة الزعيم الأوحد حاضرة والحزب الرائد صنوها والعائلة الحاكمة ناهيك عن المؤسسة العسكرية واجهزتها التي تقوض كل فكرة يمكن لها ان تحدث خللا لما هو قائم ناسية ان واجبها يقضي بحماية الجغرافية وتنفيذ الأوامر الصادرة عن سلطة القضاء لإحقاق العدل ومراقبة الأفراد والجماعات لمنعهم من الوقوع في براثن الأجهزة المعادية للدولة ككل.

الدين والأيديولوجيا لا يزالا حاضران بقوة في النموذج الشرقي وهنا تكمن المعضلة الاساس.الاول يحمل المقدس على أكتافه ويحاول عدم اغضابه،ان هذا المفهوم لمن يعمل العقل سقط مع سقوط آخر خليفة عثماني وتجارب المجتمع الذي حكم بواسطة المقدس غرباً وشرقاً جعلت من المجتمع يبحث عن خلاصه من خارجه(تحالف العرب مع الافرنج للخلاص من خلافة ال عثمان)ووصمة الخيانة لدى الأتراك للمسلمين العرب ما زالت قائمة ومحل جدل داخل المجتمع التركي كما والعربي الإسلامي مؤخرا شهدنا ان الأيديولوجيا سقطت بذات الفخ حيث بحثت مجتمعات عدة تحديداً تلك التي تحكمها الأيديولوجيا (سورية العراق)عن الخلاص من خارجها والأمر يسري على الاخوان المسلمين الذين تظللوا بالإسلام وقدموا خدماتهم للغرب الاستعماري كما فعل العرب سابقاً وأصابهم ما اصاب الغراب الشهير.

المجتمع الدولي اليوم مكوناته الدول بصرف النظر عن النظام الذي يحكم هذه الدولة او تلك بعد الحربين العالميتين جرى تنظيم العلاقة بين الدول كما وإرساء قواعد حقوق للأفراد والجماعات ولكافة الأنشطة الدولية سلماً وحرباً من خلال هيئة الامم بعد الحرب الاولى والأمم المتحدة بعد الثانية واجهزة اخرى مختصة اقتصادية واجتماعية وثقافية. يتحكم الغرب بمفاصل القواعد التي وضعت ويلجأ إلى تحشيد الرأي العام الدولي ضد الدول التي لا تدور بفلكه لانتهاكها هذه القاعدة او تلك ويلجأ لمجلس الامن في احياناً كثيرة وعند اصطدامه بڤيتو ما يشكل تحالفاً لدول تدور في فلكه حتى ولو كانت احداها تكسر القاعدة التي يواجه فيها الدولة المنتهكة ونماذج أوكرانيا و(إسرائيل) حاضران بقوة لسياسة الكيل بمكيالين.

ان طوفان الأقصى فتح ثغرة يمكن معها لدول الشرق البدء بالتفكير خارج الصندوق فالرأي العام الدولي تحديداً الغربي (الشرقي منها غائب كلياً) اصيب بالذهول جراء الغطرسة الغربية ويحاول جاهداً تغيير قواعد اللعبة إلا انه بحاجة من دول الشرق المستهدفة في دينها وايديولوجيتها ومواردها ان تقدم نموذج سياسي مغاير لما هو قائم تحديداً فيما خص حقوق الانسان والعدالة على ان يلحق بهما ولو بعد حين ديموقراطية حقيقية غير تلك التي يتشدق الغرب مطالباً بها ويلجأ لمحاربتها عندما تأخذ طريقها في دول العالم الثالث.