دراسة حول دستور الحزب القومي – الجزء الثالث

الفقرة الثالثة: الخطأ الجسيم الذي ارتكب بعد استشهاد سعادة
يورد المناضل الكبير الامين عبدالله القبرصي في كتابه عبدالله قبرصي يتذكر الجزء الرابع صفحة 19 ما مفاده ان الزعيم استدعاه الى مكتبه وقال له «انني اشعر بالخطر على حياتي وقلبي يقطش وانا مهدّد بالاغتيال فما هو النقص الذي ترونه في القضية لكي نسدد قبل فوات الاوان» فقال له القبرصي «لا ارى ان هناك نقصاً إلا في التشريع» فقال له الزعيم «ضع لي مشروعاً وارسله لي في الغد لأنظر فيه ». يضيف الامين قبرصي في اليوم التالي وضعت المواد 22-21-29 من الدستور وحرصت على ان يمارس السلطات التنفيذية في الحزب نائب زعيم وان يكون من حق المجلس الأعلى ممارسة صلاحياته الدستورية …» ويضيف «لم يأخذ الزعيم بوجهة نظري فقط لجهة نيابة الزعامة فيما أدرجت باقي النصوص كما وضعتها…».

أولا ا : على ماذا تنص المواد الثلاثة التي وضعها الامين عبدالله قبرصي

تنص المادة الحادية عشر من الدستور على ان يجتمع المجلس الاعلى عند حصول «اي مانع طبيبي دائم دون ممارسة الزعيم سلطاته لانتخاب خلفا ً له» وتنص المادة الثانية عشرة «ان يكون للرئيس المنتخب السلطة التنفيذية فقط وتحصر السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية بالمجلس الاعلى» وتنص المادة الثالثة عشر «ان مدة الرئيس المنتخب وطريقة انتخابه وطريقة انتقاء أعضاء المجلس الاعلى ونظامه الداخلي تحدد فيما بعد … »
ان هذه المواد أدرجت في دستور الحزب بموافقة ومعرفة الزعيم وبتفويض منه، وبالرغم من وجود هذه المواد كان المجلس الاعلى خلال سفر الزعيم والى حين عودته وحتى تاريخ استشهاده ودون اي اعتراض من الزعيم يتولىّ قيادة الحزب ويعين العمد ووكلاء العمد وكافة المسؤولين في العمدات والمنفذين، ولم يكن ذلك مصادفة، بل تطبيقاً لنظرية المركزية الديمقراطية.

ثانيا: اعتماد نظرية فصل السلطات

كتب الامين عبد الله قبرصي في كتابه المذكور أعلاه في الصفحة 31 و39 بعد استشهاد الزعيم «تنادينا نحن امناء سعادة…. كان لقاؤنا في منزل الامينة الاولى … وكان علينا ان نخرج من المأزق الدستوري

«…. كنت رجل القانون الاوحد بين ابناء سعادة وكان علي ان اخترع المخرج… كان موقفي وقد تبناه الجميع، انه لا يجوز ان نسلمّ بطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية يجب ان يقوم بينهما توازن عادل ودقيق » ويضيف الامين قبرصي « يجب ان يكون التشريع الدستوري حافظاً لمسؤولية السلطة التشريعية التي هي في الانظمة الديمقراطية السلطة رقم 2 بعد رئاسة الجمهورية اما السلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء ورئيس الوزراء فهي السلطة رقم 3 لتكون السلطة القضائية رقم 4».

على هذا الاساس صدر بتاريخ 16 تشرين الثاني 1951 القانون الدستوري عدد 8 الذي نظم الصلاحيات التشريعية والتنفيذية وطريقة انتخاب رئيس الحزب وأعضاء ورئيس المجلس الأعلى وعلى أساس هذا القانون الدستوري لم يعد رئيس المجلس الاعلى هو رئيس الحزب كما كان الحال مع الأمين نعمة تابت، بل فصلت الرئاسة وفصلت السلطات، وتم انتخاب اعضاء المجلس الاعلى وانتخاب الأمين جورج عبد المسيح رئيساً للسلطة التنفيذية.

يتضح مما سبق اعلاه ان الامناء تبنوا نظرية فصل السلطات تبعاً للفكر الدستوري الليبرالي الغربي بكل صراحة ووضوح ودون اي التباس فالمجلس الاعلى «يتولىّ السلطة التشريعية التي هي في الانظمة الديمقراطية» ورئيس الحزب يتولىّ السلطة التنفيذية وهو الذي يعينّ العمد وبين السلطتين يوجد توازن عادل ودقيق وفي هذا تقليد وتماثل واضح وصريح مع انظمة الدول الغربية الديمقراطية وهذا يخالف دستور سعادة ونظرية سعادة الديمقراطية المركزية ويتعارض معها كلياً. الأمر الذي يدفعنا لطرح بعض الأسئلة لماذا طبقت نظرية فصل السلطات في الحزب؟ هل ان نظرية المركزية الديمقراطية لم تكن معروفة لدى المشرعين بعد استشهاد سعادة؟ هل لإعجابهم في تلك الفترة بأنظمة الديمقراطيات الليبرالية الغربية؟! هل هناك أسباب اخرى؟!

لقد طبق الحزب نظرية فصل السلطات بدءاً من مطلع الخمسينات تبعاً للنظام الرئاسي حيث كان رئيس الحزب يعين العمد على مسؤوليته ثم في مراحل متقدمة من تاريخ الحزب طبقت نظرية فصل السلطات وفقاً للنظام البرلماني حيث يقترح رئيس الحزب اسماء اعضاء السلطة التنفيذية على المجلس الاعلى للموافقة، ولازال الحزب لغاية تاريخه يطبق نظرية فصل السلطات ويتأرجح بين النظام الرئاسي والبرلماني والمجلسي ونظرية المركزية الديمقراطية. ما يؤكّد ذلك ان الدستور الحالي الذي تم إقراره في العام 2001 نص في الفقرة الخامسة من المادة السابعة عشرة من القانون الدستوري عدد9 ان صلاحية المجلس الاعلى «الموافقة على تعيين نائب الرئيس والعمد بناء على اقتراح رئيس الحزب وفي هذا تطابق مع النظام البرلماني. اما في الفقرة 4 من المادة العاشرة من القانون الدستوري عدد 15 فإن الرئيس يعينّ العمد ويقبل استقالتهم وإقالتهم دون موافقة المجلس الاعلى وفي هذا تطابق مع النظام الرئاسي.

ان المواد 11 و12 و13 من الدستور التي وضعها الامين عبد الله قبرصي ووافق عليها الزعيم. قرأها المسؤولون بعد استشهاد سعادة على خلفية نظرية فصل السلطات المطبقة في الدول الديمقراطية الغربية.
امّا الزعيم فكانت له قراءة اخرى منسجمة مع نظرية الديمقراطية المركزية كما سبق وأوضحنا وان التفسير الخاطئ الذي اعتمد بعد سعادة والمغاير لفكره العقدي والتشريعي هو السبب الأساسي واكاد اقول الوحيد في كل ما لحق بالحزب من أزمات وويلات، وصراعات، وخراب وانشقاقات.
. . . يتبع . . .