غزة والتدمير القصد للقطاع الصحي والاستشفائي

لأن العدو الصهيوني يتبع خططاً ممنهجة في التدمير والقتل والإبادة بطرق ووسائل همجية ووحشية، ضارباً عرض الحائط القوانين والأعراف الدولية، عمد إلى التركيز على القطاع الصحي والاستشفائي في قطاع غزة منذ الأيام الأولى لعملية “طوفان الأقصى” في رسالة واضحة خلاصتها أن ما من مكان آمن على الإطلاق في هذه البقعة من الأرض. وهذه الرسالة لم تكن موجهة فقط إلى سكان غزة، بل أيضاً إلى المؤسسات الدولية والأجنبية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وأطباء بلا حدود، التي استهدفت قوات الاحتلال منشآتها وفرقها، وبذلك أدخل الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات وفرق الإسعاف والأطقم الطبية ضمن أهدافه، واستهدف بشكل مباشر عشرات المهمات الإسعافية، فضلًا عن المستشفيات بشكل مباشر.
منذ 9 شباط، لم يعد أي من المستشفيات في قطاع غزة يعمل بكل طاقته، هناك 36 مستشفى تتوزع على المستشفيات الحكومية والأهلية والخاصة، 13 فقط من مجموع هذه المستشفيات تعمل حالياً بجزء من قدراتها، أي أن معظم أقسامها خارجة عن الخدمة. ستة من هذه المستشفيات هي في شمال القطاع فيما سبعة منها هي في جنوبه. عيادات الرعاية الصحية الأولية من جهتها، لا يعمل منها سوى 17%، أما مرافق الرعاية الصحية الأخيرة المتبقية فمكتظة تماماً. وهناك كثيرون يموتون بسبب الأوضاع المدمرة التي فرضتها حرب الإبادة الجماعية للعدو الصهيوني، كالمجاعة، والالتهابات الناجمة عن الاكتظاظ، والأوضاع غير الصحية بسبب تدمير “اسرائيل” البنية التحتية الأساسية، والمضاعفات الناجمة عن انقطاع العلاجات التي ينبغي أخذها في مواعيدها، كما في رعاية مرضى السرطان.‏
خلال كانون الأول من العام الماضي، فككت قوات العدو، على نحو منهجي مدروس، البنية التحتية للرعاية الصحية في شمال قطاع غزة بما في ذلك أنابيب الأوكسجين في المستشفيات والألواح الشمسية، وقامت بقصف المستشفيات، وقطع الكهرباء والمياه والغذاء والوقود والإمدادات عنها، وإجبار المرضى والموظفين على إخلائها تحت تهديد السلاح، وإطلاق النار على العاملين في المستشفيات والباحثين عن مأوى، أو مَن يتلقون الرعاية فيها.
في الأيام الخمسة الأولى بلغ عدد الشهداء من الأطقم الطبية 10، فضلاً عن إصابة 15 آخرين على الأقل، وتدمير أكثر من 20 سيارة إسعاف بالقصف المباشر، ما أدى إلى استشهاد عدد من المسعفين من الطواقم الطبية. ولم يمض على العدوان شهر ونيف إلا وكان عدد الذين استشهدوا من الأطقم الطبية قد بلغ 310 أشخاص جراء استمرار السياسة الإسرائيلية الهادفة لتصفية المنظومة الصحية في قطاع غزة. هذا الاستهداف من قبل قوات الاحتلال للوجود الصحي شمال غزة، هدف إلى تشريد 800 ألف نسمة وحرمان آلاف الجرحى والمرضى المزمنين من الرعاية الصحية. دون أن نغفل الاستهداف الواسع والمباشر للمستشفيات والمجمعات الطبية. وبالتالي تكون الخسائر المالية قد بلغت مليارات الدولارات، مع الإشارة إلى أن التقدير الدقيق للخسائر لا يمكن تحديده بسبب استمرار المعارك والعدوان.
أبرز المستشفيات والمجمعات الطبية في قطاع غزة هي مجمع الشفاء الطبي، مجمع ناصر الطبي، المستشفى الإندونيسي، الأمل، بيت حانون، وغيرها، كلها حوصرت وقصفت واستهدفت بشكل مباشر. ولم يطل الاستهداف المستشفيات الحكومية فقط، بل الخاصة والأهلية أيضاً مثل المستشفى المعمداني. هذه المستشفيات خرجت عن الخدمة بسبب الدمار الكبير في الأبنية والمعدات والمستلزمات الطبية والبنية التحتية.
من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على مجمع الشفاء الطبي الأقدم والأكبر في قطاع غزة. يضم المجمع ثلاث مستشفيات متخصصة ويعمل فيه نحو 25 في المئة من العاملين في المستشفيات في قطاع غزة، تبلغ طاقته الاستيعابية بين 500-700 سرير. وتبلغ مساحة المجمع 45 ألف متر مربع، وهو عبارة عن مجمع ضخم من المباني والأفنية يقع على بعد بضع مئات من الأمتار من ميناء صيد صغير في مدينة غزة، وينحصر بين مخيم الشاطئ للاجئين وحي الرمال.
يضم المجمع ثلاث مستشفيات هي الجراحة، والأمراض الباطنية، والنسائية والتوليد، بالإضافة إلى قسم الطوارئ، ووحدة العناية المركزة، وقسم الأشعة، وبنك الدم، وقسم التخطيط، وغير ذلك من أقسام. ويقدم المجمع خدمات علاجية وصحية متنوعة، وعمليات جراحية لأعداد كبيرة من السكان، وتجرى فيه عمليات جراحية متعددة، وغسيل كلى، وعدة خدمات صحية وعلاجية أخرى في قسم الطوارئ.
أما في رفح حيث يتجمع العدد الأكبر من النازحين حالياً هناك فقط 130 سريراً في مستشفى أبو يوسف النجار وهو الوحيد في رفح، مما يجعل قدرته محدودة جداً. عدد الأسرة هذا يمثل نسبة ضئيلة جداً نظراً للاحتياجات الصحية الهائلة هناك، خصوصاً حين نعلم أن 97 ألف نسمة يعيشون في كل كيلومتر مربع.
منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” وحتى منتصف شهر أيار الماضي سقط 500 شهيد و1500 جريح من الأطقم الطبية برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي التي اعتقلت 310 آخرين، فيما لا يزال العشرات منهم مفقوداً وفق وزارة الصحة في غزة. وبالتالي فإن الاحتلال دمر المنظومة الصحية بالكامل وأخرج 33 مستشفى و55 مركزاً صحياً عن الخدمة، كما استهدف 130 سيارة إسعاف. ومن خلال استمرار سيطرة الاحتلال على المعابر، يتم منع إدخال الأدوية والوقود ومنع خروج آلاف المرضى، وبالتالي هبطت الخدمات الصحية إلى أدنى مستوى مما يرتب على ذلك وضع حياة مئات وآلاف المرضى والجرحى تحت خطر الموت.
في هذا السياق خلص فريق جنوب أفريقيا القانوني، الذي اتهم “إسرائيل” بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في إحالته القضية إلى محكمة العدل الدولية، إلى استنتاجات أن “أكثر من أي شيء آخر تقريباً، كان الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة بمثابة هجوم على نظام الرعاية الصحية الطبية في غزة.”
وتفيد أرقام منظمة الصحة العالمية بأن 627 شخصاً قُتلوا، وأُصيب 783 غيرهم في 342 هجوماً على قطاع الرعاية الصحية في غزة، كما دمرت هذه الهجمات 27 مستشفى، و47 سيارة إسعاف. وحتى 23 كانون الثاني، قتلت “إسرائيل” 403 من العاملين في مجال الرعاية الصحية، واختطفت 215 شخصاً، ولا يزال هناك أطباء مخطوفين ولا يعرف مصيرهم الى الان وهم في خطر بعد ما تبين ان العدو قتل أطباء كانوا مخطوفين لديه .
لا بد من الإشارة أخيراً إلى أن عدد المستشفيات العاملة في فلسطين عام 2022 بلغ 93 مستشفى، يعمل 58 منها في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية و35 في قطاع غزة. ويبلغ إجمالي عدد أسرة المستشفيات حوالي 6900 سريراً، 2614 سريراً في قطاع غزة، و4286 سريراً في الضفة الغربية.