على الأقطار العربية أن تتذكرأنها تجابه منظمة يهودية عالمية. (ميشال شيحا- كتاب فلسطين). قالها عن حذر من يصح ان يدعى فيلسوف هذا الكيان اللبناني، او عن تهيب او عن نزعة استقواء لا زالت مستشرية الى الان؟
قد يظن البعض أن الارتباط بين النزعات الانعزالية التي رافقت ولادة لبنان بشكله الذي نعرفه اليوم، وبين الصهيونية هو حدث استثنائي غير مفهوم.
لقد خبرت كل حركات المقاومة في العالم وجود مجموعات داخل محيطها تنظر لرفض القتال، وندعو للاستسلام تحت عناوين شتى، ظاهرها الواقعية السياسية وباطنها ارتباط مصالح هذه المجموعات بمصالح تتماهى مع العدو.
لم يشذ الصراع في فيتنام عن هذه المقولة، أيضا أخذ الصراع ضد الاستعمار طابع النزاع بين الشمال والجنوب،
وعانى المقاومون الفرنسيون من حكومة فيشي أكثر مما عانوه من النازيين أنفسهم.
ولم ينجح الفرنسيون في إقناع العالم بوجود إجماع شعبي حول المقاومة ضد النازية، بل أن الدول المنتصرة حاولت اعتبار فرنسا في صفوف الدول المهزومة لولا حنكة وعناد شارل ديغول.
كما لم يمنع الإجماع (أو شبه الإجماع) لدى النخبة الفكرية في لبنان على وعي المشروع الصهيوني والتنبيه من خطره، والدعوة إلى مواجهته، لم يمنع النزعة التاريخية لدى الانعزال اللبناني لمهادنة هذا المشروع، بل والتماهي معه في مراحل مختلفة من تاريخ لبنان الحديث.
ولقد رأينا حالات مماثلة لدى بعض المعارضة السورية لتكرار هذا النمط من التفكير
أما الخطاب الممجوج عن وحدة اللبنانيين حول المقاومة فبل العام ألفين فتكفي مراجعة أعداد النهار العربي والدولي لنرى كيف أن العنوان الوحيد والمتكرر كان مهاجمة المقاومة، حتى من قبل إلياس خوري في موقف عجيب، لا يبرره إلا رفض كل ما هو مختلف عن قناعاتنا ورؤيتنا للواقع السياسي.
لطالما انتهى هذا الانقسام إلى نزاعات أهلية بين الطرف الذي قرر المواجهة والطرف الآخر، غالبا ما ولدت أضرارا تفوق ضرر المواجهة مع العدو،
بدا ذلك واضحا في هانوي، وأشد وضوحا في الجزائر، رغم تشكيكنا في الكلام الفرنسي عن سقوط قتلى في النزاعات بين الجزائريين أنفسهم أكثر من عدد الشهداء في مواجهة الفرنسيين.
وانتهى بقوارب الهروب بحرا، أو محاولات اللهاث خلف الطائرات بحثا عن لجوء رفض المستعمر منحهم إياه.
ويمكن القول، ان قرار الصمود والمواجهة يرتب كلفة مادية وبشرية قد تكون كبيرة، ولنا مثال على ذلك ما نراه في فلسطين اليوم وفي الجنوب اللبناني، ولكن كلفته لا تقارن بما دفعناه في الحرب الأهلية اللبنانية، والتي لم تكن يوما منفصلة عن أهداف المشروع الصهيوني لتطويع المنطقة عبر إنهاكها وحرفها عن المسار الحقيقي للصراع. والتي كلفت لبنان اكثر من مئتي الف فتيل ودمارا هائلا يفوق بكثير اعداد شهداء المواجهة للعدو الصهيوني خلاصته انه علينا أن نعي أن كلفة الفتنة أكثر فداحة بأضعاف من كلفة المواجهة،
وفيما تؤدي الأولى إلى ضياع المجتمع وتفتيته، تؤدي الثانية إلى وحدة مجتمعية تؤسس لبناء وطن حقيقي لأولادنا.
اذ توصل إرادة الصراع والمواجهة إلى الشهادة أو النصر، وتوصل المهادنة والارتهان، إلى مصير ما يسمى harki في الجزائر والذين لفظتهم الجزائر ولفظهم المجتمع الفرنسي حين انتفت حاجته إليهم.
أو ما يشبه حال السلطة الفلسطينية في الضفة، أو حال جماعة لحد في لبنان، وبئس المصير.
إن الوحدة الوطنية لا يمكن أن تقوم على التزاوج بين المقاومة والارتهان، ضمن كذبة ما يسمونه العيش المشترك، بل التكاذب المشترك، ان الوحدة تقوم على وحدة الوجهة والمصير، وتعميم ثقافة الصمود والمواجهة وتعميم ظاهرة المقاومة لتشمل فعلا كل شرائح المجتمع، عبر وعي البعد القومي والوطني الشامل للصراع، بما يتجاوز الإطار الطائفي الضيق وهذا حديث آخر.