استقالات تقسم ظهر الكيان… والمقاومة تبدأ رحلة التحليق!

حتى الساعة، لم يحقّق العدوّ أيًّا من أهداف الحرب. في الميزان حدّد بنيامين نتنياهو ثلاثة عناوين واضحة هي تهجير أهل غزّة إلى سيناء، واستعادة كلّ الأسرى دون شروط، والقضاء على البنية العسكريّة للمقاومة. تميل كفّة الميزان دون أيّ شك لصالح الفشل، فشل في التهجير أمام إرادة الحياة، وفشل الميدان أمام قوّة المقاومة، وفشل استخباري في استعادة الأسرى. 

نعم نجح العدوّ في التسلل، بمساعدة أميركيّة واضحة، عبر قوافل المساعدات لتنفيذ عملية كوماندوس في النصيّرات تسبّبت باستعادة 4 أسرى. مرّ يومان ليعتقد أنّه بات متفوّقًا، فاستدرج في عمليّة أمنية نحو أحد بيوت رفح ليسقط 6 من جنوده وضبّاطه قتلى نتيجة كمين المقاومة.

كمين المقاومة هذا، يشبه كثيرًا ما حصل في السياسة. اعتقد نتنياهو بداية الحرب أنّه وبتدمير غزّة يكرّس نفسه رئيسًا مستمرًا لحكومة الكيان.

بعد تسعة أشهر على الحرب، بدأت حكومة نتنياهو بالتفكّك.

الوزيران في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس وغادي آيزنكوت، ومسؤول ثالث وهو قائد فرقة غزّة في الجيش العميد آفي روزنفيلد استقالوا نتيجة وصول الأمور إلى حائط مسدود.

وخلال بيان الاستقالة صرّح غانتس بأنّ نتنياهو لا يبحث عن نصر حقيقيّ ولم يستطع تحقيق أيّ هدف من أهداف الحرب إلى الآن. ويأتي استخدامه لمصطلح النصر الحقيقي عوضًا عن كلمة النصر المطلق التي يستخدمها نتنياهو منذ بداية الحرب للإشارة الفعليّة إلى أنّه لا يوجد ما يسمّى نصرًا مطلقًا مع استمرار الحرب مدّة ثمانية أشهر، وفشل المنظومة الأمنية بكلّ أذرعها باستعادة الأسرى من داخل القطاع. ورغم تزامن إعلان الاستقالة مع تحرير 4 رهائن من القطاع إلّا أنّ كلفة تحريرهم تمثّلت بمقتل أسرى آخرين ما زالوا رهائن عند حركة المقاومة، وهو ما يشير إليه تصريح غانتس بمعنى النصر الحقيقي؛ أي أنّ النصر الفعلي يتمثّل بوقف الحرب والذهاب نحو صفقة شاملة لإعادة كافّة الأسرى أحياء وليس جزءًا ضئيلًا منهم فقط.

ويتزامن إعلان حملة الاستقالات مع محاولات الأميركيّ الضغط على حكومة نتنياهو للبدء بالانفتاح نحو الذهاب لصفقة شاملة والتوقّف عن الاستراتيجيّة المتّبعة حاليًّا، التي لا تحقّق سوى الدمار، ورغم أنّ الأميركيّ هو الحليف الأوّل لـ”الكيان” بهذه الحرب إلّا أنّ رغبته بالتوصّل لحلّ تتمثّل بشكل أساسيّ باستعادة الأسرى في ظلّ ما أثبتته المقاومة من قوّة صمود بعد 8 أشهر من الحرب المتواصلة، وتراجع صورة “الكيان” دوليًّا والمحاكمات الدوليّة التي تطالب بمحاسبته باعتباره دولة تمارس الإبادة الجماعيّة، وهي المحاور التي تحرج الأميركي الذي يواجه حراكًا طلّابيًا فاعلًا داخل أراضيه يطالب بوقف الحرب ووقف تمويل “الكيان”.

أمّا عن حسابات تأجيل الحرب أو وقفها، فإنّ خطوة الحرب لا يمكن عزلها عن جوهرها الأساسيّ وهو تحقيق صورة نصر لـ”الكيان” بأقلّ التكاليف، وليس معنى الاستقالة بإيقاف الحرب لتصدير نصر للمقاومة الفلسطينية، لذلك فإنّ فهم سياق الاستقالة يجب أن يتمّ برغبة المستقيلين باستخدام استراتيجيات أخرى غير الموجودة حاليًّا بالشكل الذي يصبّ لصالحهم وفي ظلّ اختلاف معنى الحروب اليوم فإنّ وقف الحرب حتى كمفهوم عند الصهاينة يرتبط بطريقة إدارة الحرب لا في جوهرها، فهدف المستقيلين هو إدارة أكثر تنظيمًا للحرب لا عشوائية كما يديرها نتنياهو.

وعليه، من الواضح أنّ النصر لا يُركن بمعيار قياسه إلى الحضور السياسي لنتنياهو في حكومة طوارئ، ولا حتى لحضور أخصامه الذين قلبوا عليه الطاولة، بل بمدى تبديد هؤلاء جميعًا للخطر الوجودي الذي رفعت المقاومة منذ السابع من تشرين 2023 منسوبه، حتى بات لا يمكن لا لنتنياهو ولا لأي من الوزراء المستقيلين وغير المستقيلين، من إعادة أي مستوطن إلى المناطق التي فرّ منها في الجليل شمالًا، أو حتّى في غلاف غزّة.

الخطر الوجودي هذا، والذي سيرفع بلا شك نسبة الهجرات المعاكسة، يعني أمرًا واحدًا وهو أنّ الكيان بات برمّته بخطر عدم عودته شكلًا ومضمونًا لما كان عليه في السادس من تشرين.

الأمر الآخر، والذي يكاد يُنهي أيّ آمال بتحقيق التفوّق الميداني على المقاومة من الجهة اللبنانية، هو كشف المقاومة عن منظومات صواريخ مضادّة للطائرات. هذا الكشف لا يخرج عن السياق الطبيعي لتعديل المقاومة لشكل القتال منذ بداية الحرب، فالإعلان والاستخدام لهذه المنظومات لا يختلف عن المراحل الأربعة التي اعتاد عليها العدو، وهي التخويف والتحييد والتقييد والإصابة. وهنا لا تخفي المقاومة سرًّا أنّ السام 17 لا يعدو كونه سوى أوّل الغيث، والمقبل يعلمه جيش العدوّ أكثر ممّا ظهر منه على الشاشات حين فرّت الطائرات من سماء الزهراني حين قرّرت المقاومة البدء بـ”ميسد مول” لقول التالي:

في حزب تموز تفوّقنا برًّا وبحرًا، واليوم نأتي لنضربكم جوًّا.

قال بن غوريون سابقًا: “إن سيطرنا على الجوّ نضمن بقاء إسرائيل”. اليوم يفقد الكيان سيطرته على الجوّ.