الحلقة السابعة:
كنا في الحلقة السادسة قد تناولنا مؤتمر بازل 1879 في سويسرا، ومضمونه
ومقرراته وتأثير كل ذلك على سياق زمني، استطاع مؤتمر (بازل) أن يؤسس له،
ولا زالت ترددات ذلك فاعلة حتى اليوم، ويقدر أن تستمر أكثر، حتى يحدث التوازن
الدولي، ويملك شعبنا من الاقتدار ما يكفي، لتوجيه الضربات الموجعة لكيان العدو.
وفي هذه الحلقة سوف نتناول المؤتمر الثاني من حيث الأهمية المشار اليها، وهو مؤتمر
(كامبل).
ثانيا: مؤتمر Henry Campbell-Bannerman , المعروف بمؤتمر Campbell.
بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين، وبهدف ايجاد آلية تحافظ على تفوق
مكاسب الدولة الإستعمارية إلى أطول أمد ممكن. وكان قد تم تقديم فكرة
المشروع (مشروع المؤتمر) الى الحزب الحاكم آنذاك، وهو (حزب الأحرار
البريطاني). ضم المشروع كلا من الدول الإستعمارية في ذلك الوقت وهي:
(بريطانيا – فرنسا – بلجيكا – اسبانيا – هولندا – ايطاليا). وفي نهاية المؤتمر،
خرج المؤتمرون بوثيقة (سريّة) أسموها (وثيقة كامبل) نسبة الى رئيس الوزراء
البريطاني آنذاك (هنري كامبل بانرمان).
قدم المؤتمر توصيات الى حكومة الأحرار… لتشكيل جبهة استعمارية لمواجهة
التوسع (الإستعماري الألماني)
تحقيق بعض الأهداف التوسعية في آسيا وافريقيا.
ولقد تأسس من أجل دراسة هذين البندين لجنة عليا، هي التي اجتمعت في لندن عام
1907 وكانت تضم ممثلين عن الدول الإستعمارية الأوروبية وهي:
(انكليترا – فرنسا – ايطاليا – اسبانيا – البرتغال – بلجيكا – هولندا).
إلى كثير من العلماء في التاريخ والإجتماع والإقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول.
استعرض المؤتمر الأخطار التي يمكن أن تنطلق من تلك المستعمرات، فاستبعد قيام مثل هذه الأخطار في كل من: الهند والشرق الأقصى وافريقيا والمحيط الهادي, وذلك نظرا لانشغالها بالمشاكل الدينية والعنصرية والطائفية وبالتالي بعدها عن العالم المتمدن.
وقد اعتبرت اللجنة وبشكل ينبئ بمستقبل فعالية هذا المؤتمر بأنّ:
“مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية، إنما يكمن في المناطق العربية، من العثمانية، لا سيما بعد أن أظهرت شعوبها يقظة سياسية ووعيا قوميا ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية.
وتضيف الوثيقة:” كما أن خطورة الشعب العربي تأتي من عوامل عدة يملكها:
(الجزء الأول من ملف وثائق فلسطين الصادر عن (الهيئة العامة للإستعلامات في وزارة الثقافة والإرشاد القومي في مصر عام 1969 – ص 121 – على عقد مؤتمر لندن الإستعماري سرا بلندن في الفترة 1905 – 1907 بدعوة من حزب المحافظين البريطاني).
“وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال، وتزايد السكان، ولم ينس المؤتمر أيضا عوامل التقدم العلمي والفني والثقافي، ورأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية.
” متأخرا”.
” على إيجاد التفكك والتجزئة والإنقسام واقامة دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها.”
ولذا أكدوا: فصل الجزء الإفريقي عن المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي وضرورة إقامة (دولة عازلة) (Buffer State) وصديقة للدول الأوروبية, وهكذا قامت “إسرائيل”.
(صالح محسن – وثيقة كامبل بانرمان – حقيقية أم مزيفة)
(مؤرشف من الأصل في 15-11-2020 www.aljazeera.net)
ما هي نتائج المؤتمر :
توصل المؤتمر الى أن يضع وثيقة تضمنت اهداف المؤتمرين ورؤيتهم للمنطقة العربية رمة، اضافة الى آليات عمل تطبيقية:
أكدت الوثيقة المشار إليها:” إن البحر الأبيض المتوسط، هو الشريان الحيوي للاستعمار، لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والأفريقية , وملتقى دول العالم, وايضا مهد الأديان والحضارات,…”
جريدة رأي اليوم (توصيات مؤتمر كامبل) موسى عدوان Railyaoum.com)
نقلا عن كتاب:” الهيمنة الصهيونية على الأردن – ط2 – د. مهندس سفيان التل).
في الآليات: ” شكل المؤتمر “لجنة سميث ب “لجنة الاستعمار “والتي نادت بإقامة كيان يهودي على ارض فلسطين هذا نصها.
“على الدول ذات المصلحة، أن تعمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها، وإبقاء شعوبها مضللة جاهلة متأخرة. وعلينا محاربة اتحاد هذه الشعوب، وارتباطها بأي نوع من انواع الارتباط الفكري او الروحي أو التاريخي، وإيجاد الوسائل العلمية القوية، لفصل بعضها عن بعض، وكوسيلة اساسية مستعجلة لدرء الخطر، توصي اللجنة:
“بفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي، وتقترح لذلك:
إقامة حاجز بشري قوي وغريب، بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس، قوة صديقة للاستعمار، عدوة لسكان المنطقة”
(المرجع أعلاه)
إضافة إلى ذلك فقد أوصت الوثيقة بإتباع آليات ثلاث، لتأمين نجاح مقررات مؤتمر كامبل، وهي التالية:
حرمان المنطقة العربية من المعرفة والتقنية، أو ضبط حدود المعرفة.
ايجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول.
تكوين أو دعم الأقليات، بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول، ويظل مرهونا بالمحيط الخارجي.
(- المرجع السابق.)
من الوجهة التاريخية، من الخطأ القول، بأن سياسة اوروبا وخاصة بريطانيا إزاء مشروع زرع كيان يهودي في سورية الطبيعية، بدأ عقب مؤتمر (بازل) 1897, فالثابت، ان موضوع زرع هذا الكيان كان قد جرى العمل على تحقيقه منذ ما يقارب الستين عاما سبقت مؤتمر بازل.
ذلك أن: ” رائد السياسة الخارجية البريطانية آنذاك (هنري جون تمبل) Henry John Temple، الشهير باسم بالمر ستون Palmerston “والذي أصبح لاحقا رئيسا للوزراء، وفي رسالة منه إلى سفيره في اسطنبول عام 1840,وجّه بالمر ستون سفيره الى إقناع الباب العالي بأن:
“عودة الشعب اليهودي الى فلسطين، بدعوة من السلطان، وتحت حمايته، تشكل سد منيعا في وجه مخططات شريره يعدها محمد علي أو من يخلفه”.
(عبد الوهاب الكيالي – ” تاريخ فلسطين الحديث” – ص 24 – الطبعة 9)
لا بد من أن نتوقف عند هذين المؤتمرين الخطيرين وذلك لما أحدثاه من دوائر فعل استراتيجي لا زالت تتسع حتى وقتنا هذا.
إن كل الأحداث الكبرى في العالم، كان لهذين المؤتمرين جذر اساسي من بين عدة جذور. دفعت ببروز هذه الأحداث الكبرى عالميا، إذ يكفي أن هذين المؤتمرين اللذين وحدا رؤية مشتركة بين اليهودية العالمية والإمبريالية الأوروبية ولاحقا الإمبريالية الأمريكية – الغربية بشكل عام.
إن أساس هذه الرؤية الموحدة، هو ان المشروع الصهيوني الذي أعلن عن نفسه عبر مقررات مؤتمر (بازل)1897 ومداولاته، رأت فيه الإمبريالية الأوروبية في حينه غايتها ومطلبها في زرع الكيان الغربي في سورية الطبيعية، الأمر الذي اكده حاييم وايزمان للقادة البريطانيين بأن تعهد لهم:
أولا: بالحفاظ على الولاء للغرب.
ثانيا: تعطيل نهضة العرب.
وقد قال وايزمان للقادة الانكليز حرفيا: ” نعاهدكم أنّ ولاءنا “للغرب” لكم، بشرط ألا تتركونا، يجب إعطاؤنا كل ما نطلب منكم، لنا دور واحد هو تعطيل نهضة الأمة.”
موسى العدوان – 25 – نيسان – 2024 almayadeen.com)
المرجع: (الهيمنة الصهيونية على الاردن – ط – 2 – د. مهندس سفيان التل)
ومن المهم الإشارة إلى أن توصيات المجتمعين فبما يتعلق بشعوب المنطقة، جاءت تحت عنوان عريض وثلاثة تصنيفات، عنوانها العريض يؤكد ضرورة، ” ابقاء شعوب المنطقة مفككة جاهلة متأخرة، وعلى اساس هذا العنوان وضعوا التصنيفات الثلاثة:
الفئة الأولى: تضم دول الحضارة الغربية المسيحية (دول اوروبا وامريكا الشمالية واستراليا)، الواجب تجاه هذه الدول، هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل الى مستوى تلك الدول (اي الدول الاستعمارية الاوروبية المؤتمره في مؤتمر كامبل.
الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة المسيحية، ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها، ولا تشكل تهديدا لها، (دول امريكا الجنوبية واليابان وكوريا).
الواجب تجاه هذه الدول، هو احتوائها وامكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا لها، ولتفوقها.
ج- الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة المسيحية الغربية، ويوجد تصادم حضاري
معها، وتشكل تهديدا لتفوقها، وهي بالتحديد:
(الدول العربية بشكل خاص، والإسلامية بشكل عام).
الواجب تجاه هذه الدول هو:
حرمانها من الدعم
حرمانها من اكتساب العلوم والمعارف التقنية.
محاربة اي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية ومحاربة اي توجه وحدوي فيها.
ومن اجل تحقيق هذه الأهداف التدميرية دعا المؤتمر الى اقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعاد، يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي، والذي يحول دون دون تحقيق وحدة هذه الشعوب الا وهي “اسرائيل”, واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الاجنبي، واداة معادية لسكان المنطقة…”
لقد عينت اليهودية العالمية والإمبريالية الأوروبية هدفها بتحديد كامل، وهي سورية الطبيعية بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام. وأصبحت هذه الرقعة الجغرافية من العالم، بما هي عليه، من وجود حضاري وبشري اضافة الى الموقع الجيوستراتيجي هدفا للعاصفة
الصهيو – امريكية – غربية، ولما تزل.
إلا أنه ولأجل توضيح المحطات التاريخية التي تدرجت بها المؤامرة الصهيو – غربية على بلادنا، لا بد ان نقف عند اربع محطات، شكلت مجتمعة مسارا موحدا هادفا، أنتج للعالم نظامين دوليين، الأول بدأ بعد الحرب العالمية الأولى، وكان عنوانه عصبة الأمم والذي أسس عام 1919 وإنتهى نهاية الحرب العالمية الثانية، عام 1946, الذي قام على انقاضه نظام دولي جديد، لا زال قائما الى الآن…
ولأجل الوقوف عند هذه المحطات، لا بد من تفصيلها، سواء من جهة تجذّرها بالمؤتمرين التوأمين: (بازل وكمبل بانرمان) واعتمادها على ما كرّسته من قرارات، أم لجهة مفاعيلها المتمادية منذ العام 1907 وحتى اليوم وربما لعقود طويلة قادمة. لا بد من الوقوف عند هذه المحطات، التي استكملت الويل الذي رآه سعاده، استكملته بعد قرون من الظلم والجهل والطغيان، الويل الذي تساءل سعاده عن اسبابه, ولسوف نوجزها بالتالي :
أولا : مهاهدة سايكس – بيكو – 1916
ثانيا : وعد بلفور – 1917
ثالثا : مؤتمر فرساي – 1919
رابعا : مؤتمر سان – ريمو – 1920
خامسا : معاهدة سيفر – 1920
سادسا: عملية ضم الأهواز العراقية الى إيران – عام 1920
سايعا : معاهدة لوزان – 1923
ثامنا : سلخ كيليكيا – 1936
تاسعا : سلخ لواء الإسكندرون – 1939
عاشرا : نكبة فلسطين – 1948
سوف نقارب كل هذه المحطات التاريخية، بوصفها نتائج شكلت كوارث على شعبنا السوري،
لا زالت تفعل سلبا، وسوف تبقى إلى أن يتم قتل التنين، ذلك أن التنين الصهيوني الذي نقاتل، يحشد وراءه كل هذه المحطات، وكذلك كل المستفيدين منها شرقا وغربا.
كل مصائبنا، في السياسة والاجتماع والاقتصاد والمال والثقافة، تعيش حالة تسمّم تاريخية, أدت الى تفسخ الجسم, وفقدان الذاكرة والهوية, إلّا قلة لا زالت على قيد الوعي, هي من يراهن عليها, وهي مار جرجس – الخضر هذا الزمن.