ماذا يعني أنطون سعاده في هذا القول؟
يصفُ سعاده، من خلال هذا القول، طريق النّضال بأنه صعب وطويل، ولكنه لا يريد إضفاء طابع تشاؤميّ، بل يريد توضيح الطّبيعة التّاريخيّة له والمهام الجسيمة التي يسعى إلى تحقيقها. هذا التّوضيح ليس ضروريًا من زاوية نضاليّة فقط أو ضروريّ لوضع النّضال في مجاله الواقعيّ فحسب، بل أيضًا من ناحية نفسيّة وتربويّة.
إنّ النّظرة الواقعيّة للحركة القوميّة الاجتماعيّة، بقدر ما هي مطلوبة لجعل المسار النّضاليّ يتجه إلى أهدافه بدقّة وموضوعيّة واندفاع، ضروريّة أيضًا حتى لا يجنح المسار نحو المتاهات والمزايدات التي تبعده عن حقيقته وميدانه السليم والمؤثر.
والقيمة النّفسيّة التّربويّة تعتبر قيمة ذات دلالة عميقة على شخصيّة النّهضة القوميّة ووسائل تحركاتها النّضاليّة. إنّها قيمة مؤثرة على شخصيّة المناضل القوميّ الاجتماعيّ وطرق تعامله مع الحياة أو ظروفها وأوضاعها. التّركيز على البناء النّفسيّ أمر ضروريّ للمناضل القوميّ ممّا يجعله على تماس دائم مع المبادئ، أي أنّ حضور العقيدة تبقى الهاجس المستمر، ومثل هذه لا تصقل أبناء الحزب وتجعلهم أبناء بررة له فقط، إنّما تضمن أيضًا عملًا مساندًا للحزب بين أبناء الشّعب من خلال الموقع القيادي في الوجود الاجتماعيّ. لذلك لا بدّ من بناء عقائديّ وتنظيميّ وسياسيّ وتربويّ للقوميّين الاجتماعيّين.
تؤكّد الحركة القوميّة الاجتماعيّة على أهدافها ولا تخفيها، حيث يكمن جوهر نضالها في تحقيق التّعبير الشّامل في المجتمع السوريّ، مستندة إلى عقيدة نضاليّة ترسم صورة واضحة للمستقبل بخطوط مبدئيّة.
الوصول إلى هذا الهدف الكبير ليس سهلًا، ولا طريقًا معبدًا أو محصورًا بين نقطتين متقابلتين، بل هو طريق صعب يحتوي على تحدّيات كبيرة ومصاعب كثيرة، وهو مليء بالتّحديات التي تعيق المسيرة القوميّة عن بلوغ أهدافها. ولكن السّؤال الكبير الذي يطرح نفسه، هل إذا كان الطريق طويلًا وصعبًا وشاقًا، يعني أنّه طريق مسدود؟ وهل سُلوكه يبقى نوعًا من الرّكض في الخيال أو نوعًا من التّيه؟
الطريق المسدود يحدث عندما تكون المبادىء المعلنة غير واقعية، ومستوردة من خارج البلاد، فتكون عندها عقيدة أجنبيّة مستوردة وغير ملائمة للواقع ويكون طريقها مسدودًا. ولكن عندما تكون العقيدة متجذّرة في تاريخنا القومي ومعبّرة عن حقيقتنا وشخصيتنا ومصالحنا ومطامحنا، يصبح الطريق سليمًا واضحًا. وبالتالي يضع النّضال والمناضلين في سياق تغييريّ صحيح ونظرة قوميّة واقعيّة، مما يعني وعي للتحديات التي تواجههم وتمرّس بالصعوبات التي قد تعترض النهضة على الرغم من التفاؤل بالمستقبل.
إذًا ما هو المطلوب؟
المطلوب هو الصّبر على الشدائد، فالصّبر بالإضافة إلى كونه مطلبًا جوهريًّا للثّبات، هو أيضًا مصدر تعب وإرهاق للأعداء والخصوم. والصّبر في العقيدة القوميّة الاجتماعيّة هو مبدأ تربويّ يعوّد القوميين على التّضحية والجَلد وتحمّل الأخطار بكلّ رغبة وشعور مخلص. وهذا الصّبر مطلوب اليوم أكثر من أيّ وقت مضى في ظلّ الظروف الصّعبة التي يمر بها الحزب والأمّة السّورية.
في هذه الظّروف الحسّاسة التي تمرّ بها الأمّة السّوريّة، علينا الالتزام بشيئين أساسيّين:
أولاً، يجب على القوميّين الصمود في وجه الصعوبات والمحن وعدم الانهزام أَمام التّحدّيات التي تواجه الأُمّة. “فإن أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحية”، يقول سعاده، “فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة.”
ثانياً، ينبغي عليهم أن يتحّلوا بالشّجاعة التي اشتهروا بها عبر تاريخهم وأن يحافظوا على المعنويّات العالية التي يتمتعون بها ويثقوا بنفوسهم ومقدرتهم لأن فيهم قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ. بالشجاعة والبطولة المؤمنة وبالثقة بالنفس يحقّقون الانتصارات ويهزمون العدو.
في الصّبر تكمن نفسية جديدة، فالإنسان الجديد هو إنسان “سعاده” الذي سيكتب تاريخ الأمّة في النهاية.
هذا على مستوى القوميّين، أمّا بالنسبة لأبناء الشّعب السّوريّ، فما هو المطلوب من القوميّين القيام به تجاههم؟
المطلوب هو العمل بجدّ للحفاظ على تعبئة دائمة، فما هي التّعبئة المطلوبة؟
التّعبئة المطلوبة تكمن في إقناع الّاخرين بالتّمسّك بنهج الحزب، وهي صيغة نضاليّة تربويّة يتعمّق فيها الشّعب بالعقيدة القوميّة، ويظهر ذلك عادة في الظّروف الصّعبة.
التّعبئة هي حالة من حالات التّعبير عن تقبّل النّاس لمسار الحزب واقتناعهم بمبادئه وتجهيز الظّروف التي تحقّق المزيد من النّجاح والتّطوّر له.
لا توجد مسيرة حزبيّة صحيحة من دون تأييد الشّعب، لأنّ ذلك يعزّز الإيمان بنهج الحزب ويدافع عنه، كما يساهم في جذب المناضلين الجدد لصفوفه، ممّا يوسّع آفاق الحزب ويجعله قادرًا على التّعامل مع التّحدّيات بشكل أفضل عندما تصبح المواجهات حادّة.
يجب أن تحتضن حالة التّعبئة المسيرة النّضاليّة للحزب، حتّى في نطاق تحديد الأولويات، وتمثّل في الواقع الإمتداد الطّبيعيّ لتحقيق الأهداف الكلية التي تسعى إليها المسيرة الحزبيّة، وبالتالي، يجب أن يكون النّضال المنظم موّجهًا حول محور نضاليّ معيّن، وفي الوقت نفسه يساهم في دعم النّهج العام للحزب.
إن الحزب مدعو لإقناع النّاس بقبول مبادئه كقناعات ضميريّة ووجدانيّة وكمنطلقات للنّضال من أجل أهدافه السّاميّة. لا يمكن وجود تعبئة أصليّة وصحيحة خارج الايمان الأساسيّ الذي يرتكز إلى عقيدة الحزب. عندما نتحدّث عن التعبئة، لا يجب أن يتبادر إلى ذهننا جمع الجماهير في مظاهر شاحبة ومهتزّة أو زيادة الحديث عن المبادىء فقط. تتطلّب التّعبئة ممارسة مرئيّة لتقديم النّموذج المطلوب في هذا المجال، لذلك يجب تحقيق ثلاثة أمور:
توعية ميدانيّة عالية بمبادىء الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ والدّلالات التّربويّة والثّقافيّة والسّياسيّة التي توضحها، فهذه التّوعية تضفي الوضوح والعدالة على مبادىء الحزب وتمنح الشّعب المزيد من الايمان المستند إلى وضوح العدالة في القضيّة القوميّة.
ممارسة راقية تلتزم بالآفاق التي تشير إليها مبادىء الحزب وتقديم النّموذج الذي يشيّع في المحيط أنّ الحديث بمبادىء الحزب وقيمه وأخلاقيّاته ليست استهلاكًا سياسيًّا بل هي ممارسة وسلوك مشهود.
إنّ هذان الشّرطان ضرورة أساسيّة لقيام مستلزمات البناء الجديد الذي يسعى الحزب إليه.
نودّ أن نؤكّد في جميع المجالات أنّنا سوريّون وننتمي إلى الأمّة السّوريّة ولنا خصوصيّتنا المميّزة، ومن هذه الخصوصيّة نتعامل مع العالم العربيّ الذي نحن جزء منه.
والتركيز في مجال التّعبئة على هذا الموضوع ضروري لتعزيز الوحدة الوطنيّة وولاء المواطنين لقيم المبادىء وتصدّ محاولات الخصوم لتمزيق الصّفوف.
نبيل المقدم