الحلقة الخامسة: المعوقات والموانع في مواجهة القضية القومية

الحلقة الخامسة: المعوقات والموانع في مواجهة القضية القومية

في هذه الحلقة، وما سيليها، سنقارب المعوقات والموانع التي ظهرت في مواجهة القضية القومية الاجتماعية، والتي ساهمت في تأخير انتصارها الشامل في المجتمع السوري حتى الآن.

نعتقد ان هذه المعوقات والموانع، تندرج تحت ثلاث تصنيفات:
-أولا: المعوقات الخارجية، ولسوف ندرجها كعناوين شاملة:
أ- “المبدأ الذي تعتمد عليه الدول الكبرى في مزاحمتها لبسط نفوذها علينا
وهو المبدأ العام السائد في التاريخ، أن مصير سورية يتقرر بالمساومات
الخارجية، دون أن يكون للأمة السورية شأن فعلي فيه”
(الأعمال الكاملة – دار سعاده للنشر – جزء 2 – ص 105)
-ثانيا: الصهيونية العالمية وما أنجزته من مجاحات شكلت كوارث حقيقية على
وجودنا القومي.
-ثالثا: خطر الدعاوات الأجنبية: (الأعمال الكاملة – دار سعاده للنشر – جزء 2
ص…ثمانيةوأربعونَ عاماً، ولا زالَ صَدرِي يَعْبَقُ بِنشيدِ سوريــه!
…إلى أولادي فراس ورشأ وغيث،الّذينَ تلقَّفوا عنِّي جُزءِاً من دَفّةِ الصِّراعِ،
وإلى كلِّ قومِيٍّ إجتماعِيٍّ لا زالَ مُصِرّاً على ممارسةِ البُطولَةِ!!
…أنَا الجَنوبِيُّ ، ابنُ العُرقوبِ النَّبيلِ،وباكراً لفّني الزَّمنُ بعباءَةِ اليُتمِ،لكنَّ سوريةَ وحُبَّها سُرعانَ ما استردَّتني منْ طفولَتِي “اليَتيمةَ”،فَمَحَّتْ من روحيَ رَوائِحَ الوجعِ، ورَتَّبتَ حياتي على إيقاعِهَا ، فَكَبِرَت في قلبِي، وكَبِرْتُ مَعَها!!
…منذُ السَّابعةِ منْ عُمرِي تَمرَّدتُ على قانونِ القبيلِةِ، وعاشرتُ “رِجالَ فلسطينَ الفدائيين”، المُنتشرينَ حولَ قريتي، وسرعانَ ما منَحتني فلسطينُ سَيلاً منَ القُبلِ العاريةِ، فأكلتُ معها نِصفَ الرَّغيفِ، وأبقيتُ النِّصفَ الآخرَ، حالماً بالعودةِ إلى جَليِلِنا الجليلِ، فنكسرَ ما بقي معنا من خُبزٍ، كما كانَ يَفعلُ جدّي مع الرُّعيانِ، في عِشرينياتِ القرنِ الماضي…
…وحينَ كنتُ في الرَّابعةِ عشرةَ(في الصَّفِ التَّاسِعِ)، ورّطتني مُعلّمتي تورّطاً عذباً وجميلاً،بأنطون سعاده،الّذي دفعنِي بِشغفٍ إلى فكِّ رموزِ القصيدةِ…فانصرفتُ منْ حينِها، عنْ حبِّ رفيقتي في الصَّفِ، إلى حُبِّ “سوريه”، وانغمستُ أكثر وأكثر في ابتكارِ النَّبيذِ الّذي يليقُ بِحُبِها، وفي كلِّ شيءٍ يُناسِبُ هذا الحُبَّ!
…وسرعانَ ما اشتعلتْ نيرانُ 1975 فانتقلتُ منْ “صَفّي” إلى صَفِّ آخــرَ، ولا زِلتُ فيه…ومن أواخِرِ نيسانَ ذاكَ العامِ إلى اليومِ، والبُندُقيّةُ تنغرزُ في كتِفي ، فتؤلِمني، ولَكِنَّها تُعوّضُني عن ألمٍ آخرَ…
…صِرتُ “مُراهِقاً” منْ نوعٍ آخرَ، أخافُ على بلادي، الّتي يموتُ فيها كلُّ شيءٍ إلاَّ الحُزنِ…تأبّطتُ أنطون سعاده في قلبي، وبينَ نيسان75و76قَرأتُ كلَّ كُتَبَه الّتي لامست يدي، من المحاضراتِ العشرِ، وما قبلَها، إلى آخرِ لحظاتِ الإعدامِ ـ الشَّهادة،قرأتُ على ضَفّةِ المتاريسِ، وهديرِ الرَّصاصِ، ولاحَقني في كلِّ الخنادِقِ، المحفورةِ في الرّملِ، قرأتُ على رُفقائي، في ليالٍ “بهيميّةٍ” ، في الضَّبابِ، والبردِ، والجوعِ،وأنسنتُ الصّنوبرَ في رأسِ المتنِ وظهور الشّوير،وكثيراً ما كَمنَ ليَ الموتُ البارِدُ في وحشةِ الغاباتِ، وعلى أطرافِ المتارِيسِ والإقتحامات،وأحياناً تبلّلتْ قميصِي بالدّمِ، ولكِنِّي نجوتُ…(يُضحِكني الأمرُ)! كانَ” سعاده”، زاديَ، وزوّادتي، أراهُ دائِماً ولا يراني…
…انتميتُ إلى صفوفِ النَّهضةِ في نيسانَ عام 76، ومُنذُ تِلكَ اللَّحظةِ ازدادَ خوفي في أنْ يَسِبِقني الفاجرُ إلى بلادي…البِلادُ الّتي يَقتلُ فيها المَحروسُ الحارِسَ!ومنذُ ذلكَ الوقتِ وإلى اليومِ،وأنا أقولُ سوريه، في لُغتي، ودمي، ولي فيها عِشقٌ دائمٌ، وإليها جُوعٌ دائمٌ،ومعها وقفتُ بِلساني، وفِعلي، لم أدخلَ زواريبَ ملعونةٍ، ولم أتلّونْ،ولم أُبدِّلَ ثوبيَ، ولن أبدِّلَهُ!
…أنا ابنُ الحزبِ السُّوري القومي الإجتماعيّ، أنتقلتُ من حُضنِ أمّي إلى حُضنِ بلادي،( كما يقولُ سعاده)،وأنا ربيبُ غُبارِ المَعاركِ من ظهورِ الشّوير إلى الخيام، وعلى مساحةِ جُغرافيّةِ هذا الوطنِ،وكثرٌ من رُفقائي ماتوا ،أو استشهدوا، وأتركُ لمن سيقرأني أنْ يُذكرني بما فاتني في ذاكرتي البليدةِ…
…أنا ابنُ سوريه، ابنُ هذهِ البريّةِ الأليفةِ،لم ألطِّخْ يدي يوماً بالفحمِ، وما شَعرتُ معها بالنُّعاسِ أبَدَاً…ومهما تجرّعتُ منَ الألمِ والصَّبرِ، ستبقى بلادي، الفاكهةُ الأشهى والأطيب والأنقى ، الّتي تغمرُ مائدةَ قلبي، ولقد أورثتُ حُبَّها لأولادي..(أعيدُ نشرها بمناسبة ذكرى قسمي).(جهاد الشوفي). 106)
-رابعا: مطامع الدول الرأسمالية والأجنبية بشكل عام.
-خامسا: تآمر بعض الأنظمة العربية على القضية القومية الإجتماعية.
-ثانيا: المعوقات الداخلية:
أ- “خلو مجتمعنا من تقاليد قومية راسخة نتربى عليها ونتمسك بها”.
ب-“تضارب دائم بين نفسيتنا العامة في كل ما يتعلق بالقضايا العامة وكيفية
التصرف بها”.
ج-“التقاليد المتنافرة المستمدة من أنظمتنا المذهبية وتأثيرها في مقاومة وحدة
الشعب القومية”.
د-“السياسات الداخلية المرتبطة بالإرادات الأجنبية”.
ه-“الطائفية والطوائفيون”.
و-“الظلم الإقتصادي الإجتماعي”.
ز-“الولاءات الإثنية والعائلية”.
ح-“النزعة الفردية”.
ط-“طبيعة النظام السياسي الطوائفي – المذهبي المرتكز الى النص الدستوري
والقوانين والأنظمة ذات الصلة، والذي ينتج ثقافة وانتماء مشرعين قاتلين –
مدمرين الوحدة الإجتماعية.
-ثالثا: المعوقات الداخلية الحزبية:
أ- عدم فهم الحركة القومية الإجتماعية والقضايا والمسائل التي تواجهها، من
قبل العاملين في صفوفها.
ب- البلبلة والفوضى والإنحرافات التي تهدد مستقبل النهضةالتي قامت أساسا
بالإيمان الواضح الصريح.
ج- غياب النظامية الفكرية والروحية والمناقبية، التي كانت العامل الأساسي
الأول في نشوء النهضة القومية الإجتماعية.
د- الخروج العقائدي القائم على أساس إهمال التاريخ الحزبي.
ه- الأنانية والدكتاتورية والفردية القبيحة.
و- التسليم بالنظام دون العودة للمنطلقات والقواعد الفكرية والأخلاقية التي
قام عليها الحزب.
ز- الخيارات السياسية الخاطئة التي أخذت بها السلطات المركزية الحزبية.
ح- ضعف التمويل الذاتي للحزب.
ط- تعطيل عمل المحكمة الحزبية.
في المعوقات الخارجية:
النقطة الأولى: “المبدأ الذي تعتمد عليه الدول الكبرى في مزاحمتها
لبسط النفوذ علينا، وهو المبدأ السائد في التاريخ، إنّ
مصير سورية يتقرر بالمساومات الخارجية دون أن يكون للأمة السورية شأن فعلي فيه”.
(الأعمال الكاملة – دار سعاده للنشر جزء 2-ص 105)
ولسوف نقارب هذا النهج في التعاطي فيما يتعلق بالمصير السوري حسب الحوادث التاريخية التالية.
اتفاقية سايكس – بيكو
وعد بلفور
مؤتمر سان – ريمو
مهاهدة سيفر
معاهدة لوزان
فصل لواء الإسكندرون عن جسم سورية (قرار عصبة الأمم-27-5-1937)
إن المحطات التاريخية الست الواردة اعلاه، أسست لواقع متماد في التاريخ السوري العام بل وفي العالم، من حيث تداعيات هذا الواقع السياسية والعسكرية والإقتصادية والثقافية.. وبتفصيل هذه المحطات سوف نقسمها إلى جزئين:
الأول: يتعلق باتفاقية سايكس – بيكو، ووعد بلفور، وعد مؤتمر سان
ريمو.
الثاني: يتعلق بمعاهدة سيفر ومعاهدة لوزان وقرار العصبة الأممية
القاضي بفصل الإسكندرون عن جسم سورية.
في القسم الأول :
من الوجهة الإستراتيجية، تمثل هذه الاتفاقية انتصارا استراتيجيا عميق
ومستدام الأثر على كينونتنا القومية، اضافة إلى كونه (الإنتصار) قوة
مضافة للمشروع الصهيو – امبريالي الذي أخذ يتكون قبيل وبعد مؤتمر بال
1897 في سويسرا. المشروع المشكل من تداخل مصالح بين الغرب
الإمبريالي والحركة الصهيونية، وهو تداخل عضوي عميق، بحيث إذا اهتز
لسبب ما، فتهتز معه تلك المصالح الهائلة العائدة للفريقين المتعاقدين:
فإذا كانت إتفاقية سايكس بيكو تجسد الشرط الأولي لتحقيق المكاسب
الإستراتيجية التحالف الصهيو – غربي، فإن وعد بلفور قد شكل الشرط –
الإنجاز لإبعاد الإتفاقية الأولى (سايكس – بيكو) وقد شكل الحلقة الأولى
من مسار حلقات لم تكتمل بعد في سياق مشروع احتلال كامل سوراقيا.
الجديد ذكره، ان كلا من: اتفاقية سايكس – بيكو (1916) ووعد بلفور
(1917) كانتا قد حصلتا في سياق الحرب، واسستا لمستقبل مختلف
بالعمق يطال سورية الطبيعية، وكذلك كثيرا من السياسات الكبرى للدول
الكبرى شرقا وغربا. هذا التأسيس لم يبقى في إطاره المبدئي المجسد
بالاتفاقيات، بل عبر إلى حالة دولية أمنت له الشرعية الدولية وذلك عبر
مؤتمر سان-ريمو 1920 المرتكز إلى مقررات مؤتمر الصلح في فرساي
عام 1917, والتي شرعنت دوليا الإتفاقيتين السابقتين كإشارة لبدء تنفيذ
مضمونها عبر إسقاط حكومة فيصل في دمشق بفعل معركة ميسلون
1920 ومن ثم إخراج نتائج هذه المعارك عبر صك الإنتداب الصادر عن
عصبة الأمم المنعقدة في لندن يوم 24 حزيران 1922.
إن هذه الثلاثية المشؤومة، شكلت من الوجهة التاريخية الأساس لإخضاع
السوريين والوطن السوري لسلطة انتدابية (بريطانية-فرنسية) أمّنت
للمشروع اليهودي أحد شروط نجاحه الإستراتيجية، وهي تقسيم الوطن
السوري إلى أجزاء، وحصر الشعب السوري في هذه الحبوس الخانقة،
مقطعة أوصال تواصله الاجتماعية، وكذلك دورته الإقتصادية التامة،
واستطرادا قواعد حياته القومية.
لقد أمّن كل ذلك شروط نجاح المشروع اليهودي، وأيضا فقد استولد
قانونا عظيم التأثير على مسارنا القومي في سوريا والعالم العربي،
واستطرادا العالم الأجمع. وهو قانون الصراع مجموعنا القومي والغزو
اليهودي لجنوب سوريا – فلسطين، هذا القانون الذي استولد قبل تأسيس
الحزب، والذي نبه منه سعاده، والذي فرض نفسه على سعاده والعالم
كقانون لا نتيجة له الّا غلبة واحد من طرفي الصراع، غلبة ماحقة، ستكون
نتيجتها السحق الحضاري وربما الفيزيائي للخاسر في هذا الصراع.
استمر هذا القانون متحكما في صيرورتنا التاريخية منذ ما قبل تأسيس
الحزب وحتى هذه اللحظة، وسيبقى كذلك، حتى نقيم وحدتنا القومية
وهيئتنا الإجتماعية الواحدة.
في هذا السياق، لا بد من التأكيد، على أن هذا القانون في أسسه
وماهيته ومفاعيله، كان صاحب التأثير العميق في مجمل اتجاهاتنا،
ولا زال، وإنه بدون الوصول إلى غايات النهضة، سوف تبقى حركة صراعنا
ضده وغيره، هي حركة وجودنا، حتى نصل إلى نهاية هذا الصراع، إما
منتصرين عليه وغيره، ونكون مار جرجس – الخضر هذا العصر، ونقضي
على التنين اليهودي، وإما يقضي علينا (التنين اليهودي) وننطوي جثة في
جوف التاريخ، منسيّة تماما كما انطوت جثّة الهنود الحمر منسيّة لمصلحة
المحتل الأوروبي!!
إن تقرير مصير سورية من قبل الإرادات الأجنبية، وهو المبدأ التي اعتمدته
الدول، عبر المساومات، ودون الأخذ برأي السوريين ودون إحترام
حقوقهم التاريخية والقومية، إن هذا المبدأ ما كان إلّا بفضل هذه الثلاثية
التي كرسها التحالف الصهيو – غربي، والمرتكزة إلى إرادة دولية غربية
فرضت نفسها قائدة للعالم، ولا زالت.
في الحلقة السادسة القادمة، سوف نتطرق إلى الصهيونية العالمية وما أنجزته
من نجاحات شكلت كوارث حقيقية مع وجودنا القومي، سواء على مستوى
التقسيم القومي (تقسيم الأرض) أم التقسيم الشعبي (الإجتماعي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *