مرحلة جديدة نحو الحرب …لكن!

هل تتجه منطقة الشرق الأوسط الى تهدئة أم الى مزيد من التأزم والتدهور نحو حرب واسعة؟ يختلف المحللون وقارئو التطورات في تقدير وجهة الحرب الدائرة على جبهتي غزة وجنوب لبنان، واخيرا “المناوشات” بين إسرائيل وإيران. وتتراوح التحليلات بين قراءات منطقية للتطورات تستند الى معطيات حقيقية ومعلومات موثقة وصحيحة وبين امنيات يحاول أصحابها ترويجها على انها وقائع قادمة بناء على معلومات استخبارية.
والواقع ان المنطقة تغلي بتطورات يراها البعض مخططة ومدروسة بعناية بالغة بكل تفاصيلها، حتى الدقيقة منها، فيما يرى بعضهم الآخر انها متفلته من أي عقال وقد تجر الجميع الى توتر واسع قد يسببه قرار “متسرع” او تصرف “طائش” وما أكثر الطائشين، خصوصا في كابينيت الحرب الاسرائيلية.
مما لا شك فيه ان المنطقة دخلت في مرحلة جديدة من الصراع بلغت حدود الهاوية، وهذا بالضبط ما سيحكم المرحلة المقبلة، اذ ان الانزلاق الى الهاوية يضع الاقليم والعالم أمام تحديات ومخاطر قد يصعب تجنبها او التنبؤ بمالاتها، وعليه فإن العالم يرى نفسه ملزما بمنع انهيارات أكبر يصعب وقفها إذا تمددت.
لم تعد إيران خارج الحرب المباشرة، الامور تنزلق أكثر فأكثر بفعل الصلف الاسرائيلي وجموح بنيامين نتنياهو ومتطرفو اليمين العنصري الاجرامي في اسرائيل. يريد هؤلاء من حربهم الوحشية على غزة وتهديدهم المتواصل باقتحام ما تبقى من القطاع في رفح ابادة القضية الفلسطينية بإبادة الغزاويين ابادة جماعية وتهجير من يتبقى حيا منهم، واقامة امر واقع جديد فوق جثث الشهداء الذين تتكشف الايام عن مقابر جماعية تضم المئات منهم.
صحيح ان الهجوم الايراني على اسرائيل لم يدمر ولم يقتل، وقد يكون معروفا مسبقا، وصحيح ان معظم الطائرات والصواريخ الايرانية اسقطت قبل بلوغها اهدافها، لكن هذا ايضا كان متوقعا ومعروفا لدى الايرانيين الذين لم يتوقعوا ابدا وصول كل صواريخهم وطائراتهم المسيرة الى كل اهدافها، والا لما كانوا أطلقوا المئات منها بل اكتفوا بإطلاق بضع عشرات. هذه لعبة حرب تخوضها دول وللدول حسابات مختلفة عن حسابات المنظمات العسكرية والميليشيات.
ردت إسرائيل على الرد الايراني ام لم ترد ام ردت بشكل “مدروس”، المنطقة تتغير ودخول اللاعب الايراني مباشرة الى الملعب سيكون عاملا فاعلا في تطورات المستقبل.

تتدخل اميركا بشكل أكثف وعلى خطين متوازيين: الخط الاول دعم إسرائيل بمزيد من الاسلحة والمال والدعم السياسي في مجلس الامن الهيئات الدولية ولدى الحلفاء الغربيين. والخط الثاني ممارسة المزيد من الضغط على نتنياهو وحكومته من أجل لجم اندفاعته المجنونة نحو حرب اقليمية قد يورط فيها اميركا ويغرقها في مستنقع يصعب الخروج منه وهي تضع نصب عينيها خروجها المذل من افغانستان ومن العراق.
من المفارقات العجيبة لهذه الحرب الاسرائيلية الوحشية المتمادية ان اميركا تكافئ نتنياهو على اجرامه على امل ان يستمع اليها في بعض التفاصيل الصغيرة المتعلقة بهدنة انسانية او ادخال مساعدات الى غزة او تأجيل اجتياح رفح، ولكنها وهي “تضغط” في هذا الاتجاه ترسل له كل الاسلحة الفتاكة لتمكنه من الفتك بأكثر من مليوني فلسطيني متكدسين في مخيمات من دون اي حماية او رعاية دولية.
هل تدخل اسرائيل وإيران في حرب كبرى مباشرة؟
لا يبدو الجواب بـ “نعم”. فالجانبان يتهيبان مثل هذه الحرب، وهما بعيدان عن بعضهما بعضا آلاف الكيلومترات. لكن ذلك لا يلغي الواقع الجديد. المعادلة تتحرك، وأميركا تواكبها بدقة وباهتمام بالغ فمصالحها “في الدق”. والاسرائيليون والايرانيون يحسبونها جيدا وهم يجيدون المناورة.