حروب الإعلام للدكتورة حياة الحويك

حروب الإعلام للدكتورة حياة الحويك

حروب الإعلام، آخر أعمال الدكتورة حياة الحويك وقد صدر عن مؤسسة الحويك للدراسات الثقافية، ومنتدى المعارف (بيروت)، ويوفر الكتاب مرجعية هامة، نظرية وموضوعية وأكاديمية لواحدٍ من أكثر الحقول والجبهات تأثيراً في عالم اليوم، وهي الجبهة الإعلامية وحروب الجيل الرابع والخامس والسادس التي تعبر عنها.
كما يقدم الكتاب مقاربة سياسية، نظرية، توثيقية مركبة للعشرية السوداء التي تعرضت لها سوريا على يد القوى الأطلسية والصهيونية والعثمانية الجديدة وأعوانها العرب والإقليميين وأدواتها الأخرى من الجماعات التكفيرية وما يعرف بالثورات الملونة.
في تقديم الكتاب يلحظ الأستاذ الدكتور عدنان السيد حسن، أننا إزاء كتاب متخصص في الإعلام، في أجياله الرابع والخامس وصولاً إلى الجيل السادس، وساحة الحرب هي سورية، سورية المستهدفة، سورية التي دارت حرب كونية على أرضها وبين شعبها وعليه.
كما ترى الدكتورة لينه جيوسي أن أحد أهم ميزات هذا الكتاب المهم هو الربط الوثيق بين النظرية والوقائع الميدانية المعاشة، فهو يتعدى كونه عملاً أكاديمياً مجرداً من جهة، أو تحليلاً سياسياً تجريبياً من جهة أخرى فالكتاب:
انتهاج تأريخ تفصيلي هام لتطور نظريات الاتصال الجماهيري، والسجالات التي دارت حول كل نظرية، وأنتجت أخرى مغايرة، أو مناقضة.
التدليل على مركزية علوم الاتصال والإعلام وممارساتها في وقائع المشهد العالمي.
أيضاً تزاوج استراتيجيات الحرب الحديثة (الجيل الرابع والخامس والسادس من الحروب) مع التطور والابتكار المتزايد في تقنيات المعلومات والتحكم بها.
إلى ذلك، يبدا الكتاب بالسؤال: لمن التأثير؟
ويذكر أن مدرسة تكريس الإعلام كعلم قائم نشأت في شيكاغو عام 1913، على أساسين: تجريبي ووظيفي، وقد تمثلت هذه الوظيفية بخدمة مزدوجة: خدمة السياسة والحروب وخدمة الشركات والسوق.
في الخلفية النظرية، بني هذا العمل على نظرية الدعاية مع هارولد لازويل، “معادلة المثير والاستجابة” و”الإبرة المخدرة”، ثم على نظرية “الطلقة السحرية”.
واعتبر مؤيدوه من علماء الاتصال أن الإنتلجنسيا الذكية التي تخطط وتشرف على وسائل الإعلام تملك السلطة المطلقة على الحشود المتلقية، بحيث تصيب العواطف والغرائز والمكبوتات والأماني… إلخ.
ويلحظ هنا أن هؤلاء المنظرين لا يستعملون مصطلح الجمهور المتلقي إلا بمعنى الحشد، حيث ميّز الأوروبيون بين الحشد غير الواعي (وتقابله الغوغاء بالعربية) والجمهور الواعي.
لاحقاً في حقبة قريبة من نشأة مركز بيرمنغهام الذي تأسس عام 1964، وفي ذروة دراسات الفريق الذي يرى امتلاك وسائل الإعلام، أي المرسل ومن يقف خلفه، التأثير المطلق على المتلقي وعلى العملية الاتصالية بالمجمل، دعم حججه بدراسة تجريبية أجراها العالمان الأميريكيان ماكسويل ماكومبس ودونالد شو نُشرت عام 1972. ثم نظرية “دوامة الصمت” التي بلورتها وطورتها الألمانية إليزابيت نيومان من سلسلة أبحاث نشرت نتائجها عام 1974.
الدعاية السياسية
بحسب الكتاب يعرف قاموس اكسفورد الدعاية بأنها خطة منظمة لنشر معتقد أو ممارسة دينية، أما قاموس لاروس الفرنسي فيعرفها بأنها النشاط المنظم الذي يمارس على الرأي العام لجعله يقبل بعض الأفكار السياسية والاجتماعية، في حين يذهب باحثو المركز العالمي لتحليل ودراسة البروباغندا (API) إلى أن الدعاية هي تلاعب نفسي بهدف آراء الجمهور لتحقيق أهداف معدة ومبرمجة من قبل القائم بالدعاية ويتم ذلك، بحسب معظم الباحثين، عبر ثلاثة أساليب:
البيضاء: مصدرها مكشوف ومعلن.
السوداء: مصدرها مخفي مجهول، غالباً ما تعتمد في مضمونها على التحوير والخداع والشائعات، ويتم اللجوء إليها في الأزمات والحروب. ومن ثم يتم نشرها بين الناس حسب ما يسميه الفرنسيون من “فم إلى أذن”.
الرمادية: وهذا النوع لا يكشف عن المصدر الأصلي، ويحل المصدر الإعلامي – الدعائي مكانه.
بالمجمل الدعاية السياسية تتجه إلى الصديق وغير الصديق، بعكس الحرب النفسية التي لا تتجه إلا إلى العدو، وتهدف إلى:
تفعيل الشحن العاطفي والتخلي نهائياً عن محاولات الإقناع لصالح الإيحاء والتأثير والإثارة.
شراء القيم وإرسال الجواسيس.
شن الحرب النفسية ضد العدو باستخدام جميع أجهزة الحرب النفسية الحديثة.
السيطرة على خدمات المعلومات ووسائل الإعلام.
دعاية الحرب وقواعد إعلام الحرب: من نابوليون إلى اللورد بونسومبي
يعود تحوّل إعلام الحرب من فن وتجارب إلى علم ذي قواعد إلى بدايات القرن التاسع عشر مع التجربة النابوليونية، حيث كان الامبراطور بونابرت القائد العسكري يؤمن بأن القوة المعنوية تساوي ثلاثة أرباع المجهود الحربي.
الملكيّة، العامل الحاسم، التراتبية والتماهي بين السلطات: من الذي يملك؟ في عام 1990 أطلقت وسائل إعلام بأسماء شركات خاصة بعد إلغاء وزارات الإعلام في دول الخليج، استجابة من الأنظمة والعوائل الحاكمة لمطلب عولمي حفاظاً على بقائها.
الاستحواذ (Appropriation): لبّى ظهور الفضائيات، ومن ثم وسائل التواصل الاجتماعي لدى الجمهور العربي عطشين تاريخيين، الأول العطش لشعار الرأي والرأي الآخر، والعطش الثاني هو لوجود محطات لا تنتسب إلى دولة أو حكم أو سلطة.
الحرب النفسية
الحرب النفسية لا تسعى غالياً إلى الإقناع والاقتناع، وإنما تهدف إلى تحطيم الإرادة الفردية، وتستخدم فيها كل الأجهزة والأدوات المتاحة للتأثير على عقول وأفئدة فئة محدودة.
تبحث عن نقاط الضعف لدى العدو، في واقعه وسياساته، وعن مكامن الاستياء لدى جمهوره بحيث تمكن من اللعب عليها، أو مكامن الرضى حيث تتمكن من تقزيمها، وعن مكامن التفسخ الاجتماعي بحيث تتمكن من تفعيل شروخها وتعميقها: طبقية، مناطقية، إثنية، دينية أو مذهبية، أو حتى جنسوية… إلخ.
خلق البلبلة بين صفوف الأعداء، وتضخيم الشائعات حول ذلك حيث تحتل الشائعة موقعاً مميزاً في الحرب النفسية لعدة أسباب، أولها أنها مجهولة المصدر، وثانيها أنها تصاغ بأسلوب سريع التلقف والانتشار، وثالثها أنها تتعلق دائماً بكلام عن أهوال من مثل المجازر والانهيارات والهرب وقتل أو تعذيب الأسرى، أو تتعلق بأمور يظنها المتلقي في غاية السرية، ولكن ثمة من كشفها له.
دراسة الرموز المؤثرة في ثقافة العدو وسيكولوجيته لاستعمالها في الخطاب أو في التخطيط لدعاية الحرب.
حروب الجيل الرابع
الإرهاب والتطرف والمنظمات والجماعات والخلايا الإرهابية وتوجيهها وذلك بالتزامن مع العمل على خطين: المعرفة العميقة لثقافة البلد المستهدف لمعرفة كيفية التعامل معها، بل واستغلالها في التأثير والهجوم عليه، والهجوم المباشر على ثقافة العدو المستهدف، وخط الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية.
من المحطات الأساسية في هذا الجيل والتزاوج بين احتجاجات مبرمجة أو موظفة والتدخل الأطلسي والجماعات التكفيرية والثورات الملونة، واستخدام أو اختراع فضائيات لهذه الغاية، برز بوضوح دور ما سُميّ بـ”منظمات المجتمع المدني غير الحكومية”، والثورات الملونة، التي بدأت في جامعة بلغراد، ليظهر بعد انتهاء الأحداث ارتباطهم الوثيق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ولتصبح المنظمة التي أنشأوها باسم “أوتبور” وقبضتها (اللوغو) دليلاً عالمياً للثورات الملونة اللاعنفية التي انتقلت كالنار في الهشيم من قارة إلى أخرى – ولا تشتعل إلا لتصب في صالح الاستراتيجيات الأمريكية، بل وتصرح أن هدفها النهائي، بعد تحطيم الدول المتتالية، هو روسيا والصين.
حروب الجيل الخامس والسادس
وقد ارتبطت بتحول الواقع إلى واقع افتراضي “يتم التلاعب به في جميع النحاء العالم عن طريق الوسائط المهيمنة والشبكات الرقمية”، التي طورت مفهوم وسائل الاتصال إلى أبعاد جديدة لم تبلغها البشرية في أي وقت مضى.
ونجد أنه إذا كانت وسائل الاتصال قد أصبحت خلال حروب الجيل الرابع، كما قال المنظر الأكبر للإمبريالية، بريجنسكي: “الوسيلة الأولى للهيمنة على العالم”، فقد اكتسبت مع تكنولوجيات الجيل الخامس أبعاداً جديدة هائلة في خدمة الهيمنة أو في مقاومة الهيمنة بحسب من يمتلكها وشكلت وسيلة مثلى لتجنيد الآخرين كي يحاربوا عنك، سواء بالوسائل التي تميز بها الجيل الرابع، أو حتى بالعمليات العنفية العسكرية وغير العسكرية المستندة إلى تكنولوجيا المعلومات، وتطورت مع حروب الجيل السادس إلى حلول التكنولوجيا محل الإنسان بحيث تسير الأفراد والجماعات وتوجههم وتضبطهم، بمحافظ ومدن ذكية لا سيطرة لهم فيها على مواردهم في إطار الهيمنة العالمية.