أسطورة الإنسان
-1-
يا حلوتي…
أنت.. وما يؤتمن الربيع حكاية.. يقصها الموقد
للصقيع
وتنطوي
في عاصفة الشتاء كالوقود
وتمحى،
في وحشة الخريف، كالعهود
يقال عني أنني يا حلوتي إله
يقاتل التراب… والخلود
والضجر
يفضل الفناء…
ويرفض السماء
ويعشق الضياء والبشر
-2-
علمني الكبار في طفولتي
أني من طين جبلت
من عدم
وانني إليه سوف أرجع
لعالم ليس به لي قراب ولا شراع
يمزق الرياح والمدى ويقلع
كيف خلقت؟ .. لم أعيش؟
.. لم أموت؟
من أين؟.. لا أدري
ولا أدري المصير
فما أنا سوى طفل صغير
دمية قش وحرير
تقلني أصابع من العدم
لعالم.. ليس به حب ولا ألم
لأنه.. لأنه عدم
-3-
يا حلوتي.. غدا إذا تورق
الورود
ويستفيق متكى وخمرة وعود
لا تسألي ما صلة الخمرة بالعنقود
بل عتقيها واحتسى
همك أن تنسى
من أين جئنا.. وإلى أين
نعود!
-4-
غدا ستسأل الدروب عني
فيغزل المساء مني
قصة الوجود:
.. قصة الحية في الفردوس
والحرمان والعار المميت..
وصراخ الله من جيل لجيل
لغة تتبع قايين إلى القبر
ويمحى نسله الملعون بالطوفان
.. وشراع الفلك لا يغرقه
الموج العتى
.. نوح من أول خمر يثمل
وإلى المضجع لوط يدخل
.. يضرب الصخرة موسى
فتلين
ويتيه الشعب.. شعب الله
في سينا
سنينا.. وسنينا
ويموت الحق مصلوبا..
ليفدى
خطأ الحية في الفردوس..
والحرمان.. والعار المميت
-5-
والمسا.. إذ يغزل المساء مني
قصة الوجود
وأنت قربي..
بين خمرة وموقد وعود
ستسألين.. يا ترى أعود؟
يا حلوتي.. لا تبحثي عن
قصة الوجود
أنا وأنت.. يا عشيقة الوجود
في الآن.. سر الخلق
والحياة والخلود
-6-
وفي غد.. يا أنت.. في
غد بعيد
تذبل في جنينتي وتيبس
الورود
وتنشف الخمرة في الجرار
.. والوقود
تذوب في الصقيع.. والجمود
يخيم الجمود فوق متكى وعود
وللمسا سر رهيب ما له
حدود
.. وانت.. من يدري..
أنا.. نحن
نكون قد هدمنا الزمن
وحاكت العناكب الخيوط
حول حبنا
وخيم النسيان فوق عهدنا..
ستدركين أن كل ما قصصته
عليك.. عن طين.. وعن عدم
وعن أنه فضل الالم
.. عن عالمي الليس به لي قارب
وعن خبايا الخلق والوجود
والحب والحياة والخلود
أسطورة قديمة
لكذبة قديمة
وقصة خالدة
لحيرة أليمة
وتدركين.. أنني أنا:
أنت وما يؤتمن الربيع
حكاية يقصها الموقد للصقيع
وتنطوي
في عاصف الشتاء.. كالوقود
وتمحى
في وحشة الخريف.. كالعهود
(19/10/1959)
لوحة
إلى رفقاء الدرب.. في تحفزهم لتحقيق الحياة الجديدة.
-1-
على ارصيف..
أجل.. هناك على الرصيف
يتوي.. ينام.. كخرقه
كالجيفة الجوفاء..
بالهيكل النتن الضعيف
يثوي.. ينام.. كخرقه
وفي عينه طيف لا ينام
طيف الرغيف
-2-
أولا تراه؟
ملقى على جنب الرصيف
ويداه..
واحدة مخدة
والثانية..
خرجت لتصفع من يمر على الرصيف
خرجت لتستجدي الرغيف
-3-
أولا تراه..
أم خلته كوم النفاية من
بيوت الأغنياء الأقوياء
أكلوا بما فيه الكفاية
أما النفاية
فلعامل التنظيف
أن يلقيه ناحية الرصيف
يثوي.. ينام بقربه شبح ضئيل
جسم نحيل
في عينه ظل وريف
طيف الرغيف
-4-
مع طلة الصبح غدا
ولأي ناحية يسير بلا هدى؟
يا رب كيف قضى الحياة
مشردا
يمضي يخب بلا أمل
والجسم تنهشه العلل
وبكل زاوية خيال مثله
يمد يدا له
وبعينيه الجوفاء كالعدم
كجهلنم تومي
ظل وريف
طيف الرغيف
-5-
الدرب قد الفت خطاه
فما تراه
الا وتشعر انه جوعان
في خطوة جوع..
وفي النظرات جوع
يعوي به
فإذا العيون فم
وهمس مبهم
يمضي يغرب في الفلاه
لتعود تلفظ الحياة
كوما على جنب الرصيف
في عينه ظل وريف
طيف الرغيف.
-6-
وغدا.. وأي غد
وهل ته من غد
يومي ليوم أسعد
من يومه الأسود؟
.. كلا.. غدا.. وغد لنا
نحيا أعزاء كراما
لا يهود فيها ولا لئاما
لا فقر في أرض الجمال
بل الغلال
تطفح بيدرا
تموج حقلا أخضرا
أو تتدلى ثمرا
.. لا فقر في أرض العمل
الكل يحدوه الأمل
ونعود نملك أرضنا
طرح الكسل
ومضى لقهر المستحيل
.. وغد يطول
إذا طواه الزمن..
.. كانه لم يكن
يخلو الرصيف
من قابع كوما كوم
في نفسه يغلي العدم
وبعينه ظل وريف
طيف الرغيف.
(البناء 19/3/1960)
إلى مجهولة (وأطيب ما فيها أنه لن يباح إسمها)
-1-
هراء.. لفظة الحب
جنون.. إن يكن قلبي
في لحظة عابرة
ولفتة حائرة
لقلبك مال
واشتاق سحر المحال
في عينك الباسمة
أمسية حالمة
-2-
جنون أن أرى نفسي
أفكر في رؤى الأمس
وأنت ملء أوهامي
وغادة كل أحلامي
كأنك كنت من دهر
معي.. في عالم الفكر
نعيش على صدى قبل
بليلات من الأمل
-3-
ترى؟.. لو شاءت الأقدار
أن لا تلتقي يوماً
ترى؟ لو شاءت الأقدار
أن تبعدنا يوماً
أكان يمر في بالي
خيال أسمر يحنو
وفي صدري من عينيك
آهات ونيران؟
-4-
ترى هل كل يحدوني
إليك الشوق.. أو يهفو
فؤادي عند لقياك
وأبحث خلف عينيك
عن التفاحة الأولى
لترويني
وتغفو الحية الشبهاء
والطوفان يطويني؟
-5-
ولو لم تمسكي بيدي
عشية لفنا الضجر
وتندهني حناياك
أكنت لمحت في لحني
عطور الشعر.. والشال
ودفء الثلج من صدرك
والنهدين.. والخال
أكنت هرقت أغنيتي
على رجليك
أنهاراً من الحس
أكنت بنيت في نفسي
لك الدنيا
متاهات وشطآناً
مرافئ تيتدي أبداً
وتنتهي عند عينيك
-6-
إذا ما لفنا الليل
غداً.. في شهوة اللمس
طويت يديك بين يدي
وعمرت الرؤوس كوخاً
وخلفت الدنى بعدي
فإذا بي ألتقي نفسي
وإياك.. على وعد
نعيش على صدى قبل
بليلات من الأمل.
(البناء – العدد 686 – تاريخ 2-11-1960).
نبذة عن الشاعر الشهيد فؤاد الشمالي:
ولد فؤاد في السويداء عام 1936 اذ كان والده يشغل حينها منصب مدعي عام جبل الدروز. تم دروسه الثانوية في الجامعة الوطنية في عالية، واجيز في الحقوق من الجامعة اليسوعية في بيروت. انتمى للحزب السوري القومي الاجتماعي في العام 1951 وتولى مسؤوليات قيادية فيه. وعند قيام حركة ” فتح” انضم اليها، وكان من ابرز القياديين الذين ساهموا في تعربف الرأي الاعام العالمي على الثورة الفلسطينية. وهنا لا بد من الاشارة الى ان عمله في هذا المجال لم يقتصر على جانب العنف الثوري الذي جرى التركيز عليه اعلاميا، لأن نشاطه الفكري والثقافي لا يقل شأنا عن العمل الكفاحي المسلح. تزوج من الأمينة اليسار سعاده عام 1963.أصيب فؤاد بالسرطان في العام 1966 , ولكنه واصل النضال بجميع اشكاله حتى الساعة الاخيرة من حياته. كان، على ما كتب عنه الشاعر الشهيد كمال خير بك ” يستشهد كل يوم وكل دقيقة. كان تحت وطأة المرض ينحني مرتين: مرة على اَلامه الهائلة ومرة على جراح وطنه”. كان رحيله في ايار 1972، وصار له مأتم حزبي وشعبي في قريته سهيلة في كسروان ودفن ، حسب وصيته، في مدافن الشهداء.