وهم الاعتقاد بفصل لبنان عن قضية فلسطين

وهم الاعتقاد بفصل لبنان عن قضية فلسطين

يعيش اللبنانيون وقائع العدوان الاسرائيلي الوحشي على غزة بتفاصيله ومجازره اليومية وبالحركة السياسية والدبلوماسية الدولية الدائرة حوله من الدوحة الى القاهرة الى باريس وواشنطن وغيرها من عواصم العالم المتابعة للحرب والساعية الى حلول وانصاف حلول وهدن موقتة وما شاكل. لكنهم يعيشون أيضا عدوانا اسرائيليا يوميا على قرى الجنوب اللبناني يتجاوزها أحيانا الى مناطق أبعد كما حصل في الغارة على بعلبك قبل نحو عشرة أيام.
ليس لبنان بمنأى عن الحرب في غزة، فقادة حرب الكيان الصهيوني يهددون لبنان يوميا بالدمار الشامل وبالتفرغ لجبهة “الشمال” فور الانتهاء من حرب غزة التي وضعوا لها هدفا هو القضاء على “حركة حماس” واستعادة اسراهم لديها من الجنود والمستوطنين الذين أسرتهم الحركة في عملية “طوفان الأقصى”.
يعرف الاسرائيليون ان الحرب على لبنان تختلف بكل المعايير عن الحرب على غزة، فالجغرافيا تختلف والقوة العسكرية لـ “حزب الله” تملك من الامكانات ما يفوق قدرات “حماس” وقطاع غزة المحاصر والمطوق بكثير. اي حرب على لبنان ستواجه بمقاومة مستعدة وتملك الكثير من عناصر القوة، بعضها معروف وبعضها كشف عنه في الاشتباكات اليومية كالصواريخ الدقيقة والمسيرات الفعالة ومضادات الطائرات التي أدخلت الى المعركة واثارت غضب الاسرائيليين ومخاوفهم، فيما لا تزال الكثير من المفاجآت تنتظر اللحظة المناسبة.
يهدد الاسرائيليون “حزب الله” ولبنان منذ بدء الحرب على غزة والاشتباكات على الحدود مع لبنان، لكن لبنان ليس غزة، و”حزب الله” يدير المعركة بقدر كبير من الانضباط والحرفية رغم التضحيات التي يقدمها في ارواح مقاتليه وممتلكات بيئته الحاضنة في القرى الجنوبية المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة.
لكن التهويل الاسرائيلي بالحرب على لبنان يلقى صدى في بعض الاوساط اللبنانية المناهضة لـ “لحزب الله” ومحور المقاومة، هذه الاوساط المتمثلة بشكل خاص بالقوى السياسية والحزبية المسيحية من قوات لبنانية وكتائب وتيار وطني حر واحزاب صغيرة أخرى وشخصيات من طوائف أخرى، ترى ان تدخل الحزب في الحرب سيؤدي الى دمار كبير في لبنان الذي لا دخل له في هذه الحرب ولم يتخذ قرار الدخول فيها. مقابل هذه الأطراف هناك فريق الممانعة الذي يضم “حزب الله” وحركة “امل” والاحزاب القومية وشخصيات من كل الطوائف، فيما تقف بعض القوى بين الطرفين او تستنكف عن الادلاء بمواقف حاسمة كتيار المستقبل او الحزب التقدمي الاشتراكي.
الانقسام السياسي يتبعه بالطبع انقسام شعبي حول مشاركة “حزب الله” في الحرب. وهو انقسام في الرأي يبدو ان الجميع يتهيب انفلاته الى الشارع، وهذا أمر ينعكس ارتياحا نسبيا رغم شدة التهديدات وعنف الاعتداءات الاسرائيلية اليومية.
السجال اللبناني حول مشاركة “حزب الله” في الحرب الدائرة في المنطقة لن يؤدي الى وقف هذه المشاركة، فالقرار اتخذ ولا تراجع عنه بهذه السهولة، الا إذا سمحت ظروف غزة بذلك. والحرب الدائرة هي حرب كبرى وقرار المشاركة فيها هو قرار كبير، والقرارات الكبيرة لا تعطلها الا قرارات أكبر وتسويات نهائية.
سيبقى السجال قائما داخليا، لكن القصة باتت أكبر من حدث محلي، هي شأن إقليمي ودولي يبدأ الاهتمام به من بيروت الى الاليزيه الى طهران الى البيت الأبيض، وفك الارتباط بين لبنان وغزة لم يعد شانا محليا لبنانيا. فما يجري في المنطقة ليس حربا على أرض غزة الضيقة ولا على “حماس”، هو حرب على قضية يتآمر العالم عليها هي قضية الشعب الفلسطيني. وهذه القضية لا يمكن ان تموت.
من الوهم تخيل فصل لبنان عن قضية فلسطين.