الحرب ورمضان

أطلقت الحكومة الإسرائيلية الحالية على نفسها وعند تشكيلها قبل قرابة السنتين، لقب حكومة حسم الصراع، وهاجمت الحكومات التي سبقتها متّهمة إيّاها بأنّها حكومات إدارة الصراع لا حسمه. وهذا لم يكن شعارًا يُرفع بقدر ما كان برنامجًا تسعى الحكومة وأركانها لتنفيذه من خلال المواقع المهمة التي تبوؤوها والحقائب الوزارية الحساسة التي شغلوها وهي حقائب ذات ملفات حساسة وعلاقة مباشرة بالصراع، الأمر الذي من شأنه تمكين هؤلاء من اتخاذ إجراءات وقرارات خطيرة.
يدخل كلّ ذلك في باب المعلومة المعروفة والمتداولة علنًا لا من باب التحليل والتقدير، فوزير المالية يضع خططًا وينشرها علنًا لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية التي يريدها أن تصبح جزءًا من أرض الدولة اليهودية مع إبقاء أعداد ضئيلة من أهل البلاد وبمقدار ما تحتاج دوله شعب الله المختار من يد عاملة في مجال الأعمال المتدنّية القيمة وكما يرد في النص التوراتي (سقائين وحطّابين)، فيما وزير الأمن الداخلي بن غفير يقوم بتنظيم المستوطنين بالضفة الغربية على طريقة العصابات المسلّحة والميليشيات ولكن التي تحمل السلاح الشرعي وتملك الغطاء الرسمي من الدولة والمشحونة بالتوحّش والإجرام.
هكذا كانت خطط الحكومة “الإسرائيلية” والتي يتعلّق معظمها بالقدس مدينة ومقدّسات، ثمّ الضفّة الغربيّة أرضًا وسكّانًا. أمّا بما يتعلّق بقطاع غزّة، فقد كان الإسرائيلي يفترض ويتبجّح بأنّ قطاع غزّة ومقاومته مردوعان ولا يقويان على إزعاج أمنه وذلك بسبب الحصار المفروض منذ سبعة عشر عامًا، وبسب المعركة التي خاضها الجهاد الإسلامي منفردًا مع دولة الاحتلال دون مشاركة من حركة المقاومة الإسلامية حماس، واستمر هذا الافتراض الإسرائيلي حتى صبيحة السابع من تشرين الأوّل الماضي.
اليوم هو أوّل أيّام شهر رمضان، وشهر رمضان وهو شهر الإيمان وشهر شدّ الرحال والاعتكاف بالمسجد الأقصى وقبّة الصخرة. “الإسرائيلي” يريد تحديد عدد المصلّين والمعتكفين وتحديد أعمارهم بأن يكونوا من كبار السن. هذا التركيز الشديد على رمضان كان هدفًا مشتركًا أميركيًّا وغربيًّا وإسرائيليًّا وعربيًّا رسميًّا. ومن باب أنّ هذا شهرًا تتحرك فيه المشاعر الدينية لحماية المقدّسات الإسلامية في القدس فهم يريدون تخفيف الإجراءات القمعيّة بالضفة الغربية والعمليات العسكرية في غزّة شكل مؤقّت وذلك بهدف تمرير هذا الشهر ثم العودة الى ممارسة القتل والهدم والتهجير بعد أن يعود المواطن الى حياته الطبيعية وإيمانه غير المشحون بالقداسة الرمضانية.
مصر اتخذت من عندها قرارات بألّا تزيد صلاة التراويح عن ربع ساعة يتم إغلاق المساجد بعدها. السعودية بدورها منعت التصوير ونشر خطب الجمعة في مواقع التواصل الاجتماعي إلّا من خلال الإعلام الرسمي وغير ذلك من إجراءات للسيطرة على الإفطارات الجماعية.
أمّا في الضفة الغربية التي تعيش أجواء حرب غير معلنة وذلك من خلال الاقتحامات اليومية والاغتيالات في مدن شمال الضفة الغربيّة وتدمير البنى التحتية، الأمر الذي يضاف من جانب، إلى تكثيف البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي والاعتقالات والإعدامات الميدانية ومن جانب اخر الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه المواطن بسبب البطالة وأداء السلطة الفلسطينية العاجزة عن توفير الأمن أو سبل الحياة للمواطنين.
وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال مراقبه الحالة بالضفة الغربية كما من خلال البيانات “الإسرائيلية” والتي تقول أنّها عزّزت وجودها خلال هذا الشهر بالضفة الغربية بالدفع بـ15 ألف جندي إضافي.
وكلّ رمضان وكل شهر وكل يوم والمقاومة بخير.
سعادة مصطفى ارشيد
جنين- فلسطين المحتلة