يعتقد البعض ان الحروب هي فقط ما يجري بالميدان بين أعداء وتستخدم فيها الأسلحة على أنواعها وينتج عنها ضحايا ودمار الخ، ويوجهون الانتقادات لمن يخوضها عندما يشاهدون حجم الدمار او عدد الضحايا وتنهال الأمثلة الاستعبادية من قبل هؤلاء ” العين لا تقاوم مخرز ” “الايد يلي ما فيك ليها بوسها ” وهلم جرا.
لا لوم لهذا النمط من التفكير على الانسان العادي، فالثقافة التي عممت بعد أعلان لبنان الكبير هي من النوع الاستقبالي، من كرم الضيافة وتحضير أشهى المأكولات حتى للأعداء إلى التحسر على انسحابه إلى خارج الحدود ناهيك عن إطلاق الأسماء على الأنجال تيمنا بهذا ألغازي او ذاك.
لكن مهلاً، هذا الإنسان العادي انما تلقى ثقافته من مرجعية سياسية او مذهبية تعتلي منبر خطابي في ساحة عامة او مقر ديني، والملفت في ذلك ان افعال تلك المرجعيات تقول انها تفعل ذلك خدمة للوطن.
لو تركنا الانسان العادي جانباً وتفحصنا موقف معتلي المنابر وتاريخهم لوجدنا كم من الهرطقات والتأويلات في مفهوم الوطنية وحتى الروحية. وإذا كنا نرى العلاقة الروحية انما تخص اصحابها يبقى لنا الجانب الاخر الوطني لاستعراضه وتبيانه لدى هؤلاء.
لتاريخه الجانب الوطني في لبنان هو ضرب من الأحجية والمتاهات، على من يريد الخوض فيه اللجوء إلى المنجمين كما يفعل الاعلام المتلفز في هذه المناسبة او تلك، ورغم النفحة الايمانية التي يتحلى بها معظم اهل لبنان فإنهم في مسألة التنجيم لا يأبهون بالإرشاد الروحي بجملة “كذب المنجمون ولو صدقوا “.
انطلاقا مما تقدم ولفهمنا المدرحي للحياة والكون سوف نبين زيف اولئك المتشدقين بالوطنية ومصلحة المواطن وفهمهم للصراع والمواجهات التي تحصل “في أنطاكية وسائر المشرق”.
بداية لا بد من تظهير صورة الدين ونظرته التاريخية لمن تجري المواجهة معهم الان في فلسطين والجنوب اللبناني. ان يسوع الناصري اول من واجه بحسب التاريخ حاخامات اليهود في فلسطين، وانقض عليهم داخل المعبد وقلب طاولة الصيرفة وطردهم مما قال انه بيت أباه ولم يكتف بذلك بل أطلق فكرة المحبة داخل المجتمع رداً على ما كانوا يبثونه بين ابناء المجتمع الواحد من غيلة وحقد وكراهية. ولم يتخلف النبي العربي عن هذا المسار لوضع حد لتفكير هؤلاء ذوي طابع البداوة ممن يعتبرون الاخر مطية لمصالحهم، فقال بهم ” لتجدنا اشد الناس عدواة للذين آمنوا اليهود “. نكتفي بذلك من المنحى الديني وننتقل للجانب الوطني والقومي.
تلقى لبنان من الكيان الصهيوني منذ إعلانه طعنات عدة توجت باجتياح ال 82 واحتلال لثلث مساحته تقريبا حتى كان التحرير عام 2000 على أيدي المقاومة، وعلاقته بالكيان تنظمها اتفاقية الهدنة التي أقيمت عام 48 بالتالي هي علاقة حرب، لم يتوان العدو عن خرقها حيث استطاع لذلك سبيل ان في الستينات او طيلة فترة سبعينات القرن المنصرم ولم يرتدع عن الخرق البري (مع بقاء الجوي) الا بعد ان اذاقته المقاومة الأمرين بحرب ال 2006 .
بعد طوفان الأقصى في العام المنصرم قامت المقاومة بعملية اشغال للعدو من البوابة الجنوبية لتشتيت قدرته النارية سيما البرية منها كفعل إسناد للمقاومة في غزة، على اثر ذلك بدأ العويل والصياح في لبنان والبكاء على الأطلال للدمار الذي لحق بالممتلكات وعدد الضحايا الذي ما زال يتساقط وبالتالي على الكلفة التي يتكبدها لبنان نتيجة لتلك العملية، معظم المولولون من اصحاب نظرية لبنان اولاً، المشهود لأصحابها بخوض حرب اهلية مارسوا خلالها كل اعمال الموبقات دون النظر لكلفة الاقتتال كما يفعلون اليوم، اما من لم يخوض منهم ممن دخلوا العمل السياسي من شبابيك السفارات او الذين ارتزقوا بعد الطائف على موائد اللئام، والاثنان لم يقيموا وزناً لما جرى من سطو على مدخرات اللبنانيين التي تفوق بكثير كلفة ليست حرباً واحدة مع العدو بل عدة حروب فيما لو اندلعت، ناهيك عن ضرب الجميع عرض الحائط في الاستحقاق الرئاسي الذي يمكن معه البدء بإجراء التعافي السياسي والاقتصادي الذي يؤدي إلى الاجتماعي .
عملية الهروب إلى الأمام مزمنة في لبنان فهذا النظام لم يتغير قيد انملة رغم اتفاق الطائف، ان بالانفكاك الجمركي عن الشام في الخمسينات او بعدم المشاركة بحرب ال 67 او (إلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية بعد نزوحها من عمان وتوقيع اتفاق القاهرة) ال 73 الذي كان ممكن معهما دفع الاثمان مع العرب بدل الدخول بحرب اهلية فاقت بخسائرها وضحاياها ما تكبده العرب بكل حروبهم القومية مع العدو الصهيوني.
“لعلكم ستسمعون من سيقول لكم إنّ في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللبنانيين، وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إنّ إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إنّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها” أنطون سعاده