“أدون”… الإله السيد السوري ودلالاته التاريخية والرمزية

الإله “أدون” الكنعاني السوري هو “تمّوز” الرافدي وأحد أهم آلهة فصل الربيع في الأسطورة السورية القديمة، وقد ارتبط بالتاريخ السوري-الرافدي القديم، كاسمٍ لإله الخصب، يحمل باللغة السومرية صيغة “دوموزيد أبزو” أي “الابن الحقيقي للمياه الجوفية”…وعُبد في بلاد الرافدين أولاً كإله للنبات، وكان قرين الإلهة “عشترت” (1).
عُرف الإله “ادون” باسميْه الكنعاني والرافدي في المدن الكنعانية، كما عُرف باسم “أدونيس”، وهو الصيغة اليونانية لاسم “أدون”-أدوني الكنعاني، بمعنى سيد-سيدي، وقد اشتُهرت عبادته في مدينة جبيل الكنعانية وفي فلسطين وبلاد الاغريق (2).
تقتبس المصادر الاغريقية من المصادر السورية وصف الإله أدون/ تموز، فتصفه بأنه الإله الفتى الذي يموت ويُبعث للحياة بعد موته، فهو يعبّر عن تعاقب الحياة والموت السنويين في الحياة النباتية الأرضية(3).
وكان من أهم طقوس عبادة الإله “أدون” هو إحياء ذكرى موته ببكاء النساء عليه، ولدينا من مدينة القدس شاهد هام للغاية يؤكد ذلك (4) ، كما يؤكد على مكانة القدس الروحية والروابط الحضارية الدينية التي جمعتها بالمدن الكنعانية وبلاد الرافدين، وقد جاء في الشاهد الخاص بمدينة القدس: “…رأيت نساءً جالسات يبكين على تموز…”…وهو يعبّر عن رواية شفهية متناقلة وردت في سفر حزقيال من كتاب التوراة، عن طقوس الكنعانيين في عبادة تموز..
وقد سبق للكاتب العراقي “فاضل الربيعي” أن نقل هذا الشاهد من كتاب التوراة نقلاً خاطئاً، ينطوي على خطورة كبيرة، ففي حلقة بثتها قناة الميادين في شهر شباط/2019، وهي ضمن برنامج (لعبة الأمم لسامي كليب)، والتي حملت عنوان (كيف زوّرت “إسرائيل” تاريخ فلسطين)، لفت انتباهنا خطأ ارتكبه ضيف الحلقة “الربيعي”، وهو اقتباسه الخاطئ لشاهد سفر حزقيال، حيث جاء في الاقتباس الخاطئ: “رأيت يهوديات يبكين على تموز”…وقد رأينا أن ما ورد في نص حزقيال حرفياً، هو “رأيت نساءً يبكين على تموز”…إذاً فحزقيال لم يقل “يهوديات” ولم يكن يقصد “يهوديات” وإنما نساءً لا على التعيين، وذلك حسب نسخة التوراة الأصلية وكل ترجماتها…أما إشارة حزقيال فكانت تخص نقله الشفوي لطقس من طقوس عبادة الإله الرافدي-الكنعاني تموز في معبد كنعاني، ولا علاقة لليهوديات به على الإطلاق، بينما ينطوي هذا النقل الخاطئ لشاهد حزقيال، على خطورة تتعلق بالمعطيات، حتى لو كان مصدرها التوراة، لأن التوراة كتابٌ يذكر الكثير من المعطيات بأسلوب بسيط، وبين السطور، ومعظم تلك المعطيات هو اعترافات لصالح أصحاب الأرض الكنعانيين.
يعتبر موضوع موت الإله أدون/تموز وقيامته أحد الطقوس الهامة في حضارة بلاد الرافدين وسوريا القديمة، وذلك بقصته الأسطورية التي انطلقت من بلاد الرافدين، ثم وصلت إلى المدن الكنعانية، ثم اقتبسها الإغريق مكررين ما جاء عنه في المصادر الرافدية والكنعانية، وملخص الأسطورة –حسب المصادر الإغريقية- أن (أدون/تموز) قُتل بعد صراع مع خنزير بري، ولما نزل إلى العالم السفلي، لم تشأ “برسفونة” –ربة الجحيم- أن ترده إلى “أفروديت” /عشترت-، وبعد أن وقع الخصام بين الربتين، عاد أدون/تموز إلى الأرض…
وقد اشتُهرت مدينة جبيل الكنعانية في لبنان باحتفالات “أدون”، حيث كان الاحتفال يبدأ في أول الربيع، حين يذوب الثلج فيتدفّق ماء النهر الهابط من “أفقا”، وبما أنه يجري في أرض حمراء، يتحول الماء إلى الاحمرار فكأنه يتدفق من دم “أدون”…
وكان الاحتفال المذكور يدوم ثمانية أيام كُرِّست جلّها لبكاء “أدون” وندبه، وخلال تلك الأيام كان الجبيليون يغرسون في أوانٍ فخارية بذور الشمرة والقمح والخس وشقائق النعمان لتنمو وتذبل في أيام معدودة كرمزٍ لقِصَر حياة “أدون” والحياة بشكل عام (5)…
وأخيراً فإن أسطورة أدون/تموز وما تضمنته من موت الإله وقيامته، تعد أحد المعطيات الرئيسية لتأكيد الأصول الكنعانية للديانة المسيحية التي نشأت في أرض فلسطين وقامت أساساً على فكرة موت السيد المسيح وقيامته.
الهوامش
)- مونييه. ماريو: الإلهة السورية (لوقيانوس السمساطي)، تعريب م.خوري، دمشق 1992، ص71
2)- فرزات محمد حرب: بحث بعنوان “الديانة الفينيقية”، مجلة دراسات تاريخية عدد 41-442 دمشق 1992 ص48
3)- خلاليي ابراهيم: “الحياة المدنية والدينية في المدينة الكنعانية الفينيقية في ضوء العهد القديم والحوليات الآشورية”، ص 412
4)-حزقيال8: 14
5)- خلايلي: المرجع السابق ص 406