الشاعرة سنية الصالح

الشاعرة سنية الصالح

تعريف بها:
هي سنية الصالح شاعرة و كاتبة سورية ولدت في مصياف في العام 1935 . غادرت إلى بيروت حيث حصلت على جائزة جريدة النهار في العام 1961 لأفضل قصيدة(جسد السماء)، وعادت في العام 1962 لتتابع دراستها في الأدب الإنكليزي في دمشق . تزوجت من الأديب و الكاتب محمد الماغوط. أصدرت سنية صالح أربعة دواوين شعرية(الزمن الضيق، حبر الإعدام، قصائد، ذكر الورد) ومجموعة قصصية (غبار)، توفيت في العام 1985 بعد صراع مع المرض والحياة.
القصيدتان من ديوان قصائد – قسم طوروس القلقة
جرذانُ التاريخ
من قلبِ السُّقوط تخرجُ الدّموع المرَّةُ،
يخرجُ العويلُ وأصواتُ الاحتجاج،
ويقبعُ التّاريخُ القذر على قارعة الطريق،
يترصَّدُ المسحوقين،
يصطادهم كالجرذان وهم يَتَوغَّلون تحت
سناء من التَّنك وباليافِطات المُمزَّقة
والشُرفات المنهارة
ثمَّ يأتي فقراءُ آخرون،
عبثاً يصعدون سلالم متعرِّجةً وسوداء،
يتبعهم منبوذون حاقدون،
لا يلبثون أن يهبطوا
ثم يصعدونها ويهبطون،
وعندما يسمعون حشرجة الملوك يُذعرون
ويفرُّون،
تاركين نيران الثَّورة تنطفئ، كاشفةً عن
رتبٍ مزيَّفة وقُبَّعاتٍ مسروقة.

هل كانت الثَّورةُ تغويهم
وهي متبرِّجةٌ وغارقةٌ بالمساحيق،
لا اسم لها،
حوم حولها الظُّنون،
تقودها شرطةُ الحُكَّام إلى مخافر التهذيب؟
أم هل أفشى سرَّها مؤمنون مُزيَّفون،
ليُفسدوا مجرى الريح الودودة؟

أيُّها الثُّوَّار القادمون من الأعماق
المطعونة، من قلوب المنبوذة والحناجر المُوصدة،
لم لا تطلقون هديركم،
وتغيبونَ في النِّيران العليا،
اضربوا خيامكم المهلهَلَة على المنصَّات
والعروش الجميلة،
وتوغَّلوا بعيداً في القُصور والمعابد،
حيث يتنفَّسُ الزّمنُ زفير الحراس
والجواري
ويتذوَّقُ ذُلَّهم،
فينتشي،
وتنشر جراثيمُ الإرهاب،
فتأتي طوروسُ الوحيدةُ،
طوروس الزّرقاءُ والمتعالية،
وتشتعلُ الدهشة.
ثم تتوافدُ بغال الذَّخيرة سرّاً إلى
الشِّعاب القائِظة،
ويتسلَّلُ حرّاسٌ شَرِسون إلى
المستحيل،
فيصنعون من القصور
قِفاراً، ومن العروش أدغالاً.


من الفاشلين في التِّجارة والفارين من السُّجون
تنمو جذورُ النور، تنمو الثوراتُ العظيمة:
عضلاتُ أفكارِها وفولاذُ دموعها،
تنمو الرّيح العميقة،
الريح التي تقودُ الثوارَ إلى عصرهم،
إلى معاركهم الحقيقيَّة،
حيث يحلم جندُها وينتظرون،
والمطرُ يعزِفُ نشيدَ الحياة.

وداعاً يا زنوبيا
وأخيراً جاءت الظُّلمةُ التي جعلَتْ من زنوبيا
منسيَّة،
بينما نهرُ الجياد يصهلُ بفرحٍ
ولا يدري أنه متَّجهٌ نحو الكمين،
وأقيانوسيات تهدرُ بنظامٍ لا علاقة
له البتّة بآلام قلبي،
الآلام التي حفَرْتِها أنتِ.


سأظَلُّ أغيب في التّاريخ محاذرةً ألا
تطأني خيولهُ الغازية،
علّني أصلُ إليكِ،
أنا المواطنةُ الهَيُولى وأنت الغبار.

أيُّها الوطن الصَّدئُ، أنا قمركَ الهشّ،
فاهرب كالورق الميت،
أيُّها الوطنُ المُتآكلُ، أنا الجسورُ التي بُنِيَتْ من عظامِ
أطفالك،
فاعبُر،
والْحَقْ بالرومان وهم يقتفون أثرَ زنوبيا.


في فَيءِ الأشجار الدهريّة بنيتُ حلمي
في فيءِ العُصورِ الغابرةِ، ولَدْتُكَ من القَشّ
فارعةً وسمراء، أَدخَلتُكِ غرفَ المستقبل،
لكن سرعانَ ما هَجَمَتْ قطعانٌ عابِثة،
قطعانٌ من النِّعاجِ المذعورة،
يطاردُها كبشُ النَّزوات،
وطرتِ،
وتناثرت حجارةُ البيت في الفراغ،
فراغ السِّحر،
السِّحر الذي يحوِّلُ الأمير إلى ثُعبان
والثُّعبان إلى أمير،
“وكالأمراء عاشَ معي العاشقُ حتى لدغني”


زنوبيا بلا مأوى، مثلَّجةُ الأطرف
وشريدةٌ مثلي. والرّيح تعصفُ في الخارج
والجيادُ تَعيثُ فساداً في الجوار،
مقرورةً ببرد الخوف، بينما نيرانُها تدفئُ الغُزاة،
مقرورةً ببردٍ غامض بينما نار التوقُّع وجحيمُ
الخيبة يلتهم كلَّ شيء،
جيادُها تصلهل وكلابُها تعوي،
وبصمتٍ بَنَيْتُ لكِ قصراً منيعاً فوق
الصُّخور، ومملكةً من الطحالب المُخملية.

كانت عاصمتُك فراشةً من الجليد،
بيوتُها صغيرةٌ ومتشابهة،
تسير سيراً رتيباً في سفرِها الشاقّ والمضني
وانعكست أضواءُ السّقائين الليليين على
قصركِ الخرافيّ حتى امتلأَ بالنُّجومِ،
لكنَّ عاصفةً في الليل قذفتك خارج العرش،
وفي الصباح كانتِ المذبحة.


ذلك الشتاءُ الجارحُ، فصلُكِ،
الريحُ التي تقذفُ المتشرَّدين والمنهزمين
كالغرباء في الصَّحراء، تلك الريحُ لم تعدُ ريحَكِ،
يا من كنتِ تمكثين كاليمامةِ خلفَ الانتصارات.

حتى الفقراءُ والمنبوذون نكَصوا بوعودهم،
وغدروا بك، ما لَبثوا أن بَكوا من ظلم
الظروف التي أدخَلَتْهم في سجلِّ العواصفِ
الخائبة.
بينما شاخت جموعٌ أخرى
تبعثرت
صارت حفنةً من التراب وهي تنتظرُ حلمها
الرائع

أنتِ،
الحلمُ الذي انتهى في شوارع روما،
حيث كنت تُنْقلين كالذبيحةِ خارجَ مسلخِ
العدالة،
وهم ينهضون فوق هضبة جسدك المرّ،
ما الذي تستطيعين أن تَريْهِ في فضاءِ روما
من الزُّرقةِ والملوحة،
وصدرُك ممتلئٌ بالرّافضين والثَّائرين وهم
ينزلقون على الخيطِ الرَّصاصيّ إلى حيث
تكمنُ الخسارة.


من يصعدِ القصر يصِر ملكاً،
ومن ورائه ينحدرُ الزمن والتاريخ،
من أين لكَ الغناءُ خارج الزّمنِ، والزّمنُ
عالقٌ بأحشائِك،
مرحباً أيُّها الزمن الوغد،
مرحباً أيَّتها النجوم،
ماذا كنت تفعلين في الأعالي،
يا لكِ من ذئبة،
كيف لا تحميلن تلك الجراح
وذلك القلب؟
المطر ذاته ينحني ويقاتل.


سهرت على شاطئ التاريخ، علّني أعود
إلى زنوبيا، فهجم جيش من المحظيّات والغانيات
والسّفَّاحين،
ذُعرتُ، وأغلقتُ أبوابي،
زنوبيا،
لقد أدارت الصحراءُ ضهرها السامّ،
وانتهى الأمرُ ببساطة،
الدموعُ عَكِرةٌ، وليس من نظرةِ حبٍّ صافية،
زنوبيا،
العالمُ مضاءٌ بنارِ الكلاب.