17 تشرين: المحطة الأبرز في العهد

17 تشرين: المحطة الأبرز في العهد


لم تكن جلسة انتخاب الرئيس عون جلسة عادية، لا من حيث التوقيت، ولا من حيث الحاضرين فاجتمع من لا يمكن جمعهم قارعين الجرس إيذانًا ببدء “العهد القوي”. كان “يعلم” الرئيس أن سنوات الحكم لن تكون سهلة، لكنّه لم يكن يعلم أن تشرين سيكون كابوسًا من جديد له و لمناصريه.

صحيحٌ أن تشرين الأول ٢٠١٦ انتقم من تشرين الأول ١٩٩٠، فمن كان يتوقّع أن تنقلب الأرقام فخرج في الثالث عشر ليعود في الواحد و الثلاثين؟ولكن أشدّ المتشائمين لم يتوقّع أن يعاود تشرين كرّته من جديد: إنّه السابع عشر من تشرين ٢٠١٩.

خرج مئات الآلاف من اللبنانين إلى الطرقات دفعةً واحدة في التوقيت نفسه في كل المناطق اللبنانية مطالبين بسقوط النظام الطائفي بكلّ مكوّناته: هكذا كانت الشعارات في الأيام الثلاثة الأولى، نحن لا نتكهّن بشأن هذا الموضوع، إن شاشات التلفزة التي تجنّدت بشكل “عفويّ” هي من نقلت المشهد بالصوت و الصورة بحرفيّته.


افترش اللبنانيون الطرقات بمشهد غير مألوف ولا يمكن نكران أن المشهديّة هذه أرعبت من في السلطة كما من هو خارجها معارضًا. إن أولى انعطافات ١٧ تشرين كانت انضمام من كانوا في السطة والحكم على مدى أعوام إلى “الثورة” خالعين عن أنفسهم ثوب الحكم بكلّ برودة أعصاب و ثقة غير محدودة و بفعل قادر تحوّلوا إلى ثائرين على نظام كانوا هم و غيرهم عاموده الفقري.

هكذا بدأت احتجاجات ١٧ تشرين تنحو، من مطالبة بإسقاط نظامٍ برمّته، نحو إسقاط عون. كانت مهمّة من استولى على الثورة سهلة جدًّا، ففي الأصل أخطأ فريق رئيس الجمهورية في تسميته العهد بالقويّ فأصبحت تلك التسمية ممسكًا عليه وصولًا لحدّ السخرية و الإستهزاء بهذا الشعار، حيث وُجّهت سهام الفشل والذّل والفقر والخراب نحو عون حصرًا، و خلفه جبران باسيل بشكل أساسيّ فباتَ المطلب الرئيسي “خلّي يفلّ”.


كانت ستكون سابقة في الحياة السياسية اللبنانية أن يستقيل رئيس الجمهورية اللبنانية على وقع احتجاجات مع العلم أن الرئيس لا يتحمل أي مسؤولية بعدما جرّده  الطائف من معظم صلاحياته وأعطاها للحكومة مجتمعة حيث أنّه حتى لا يملك حق التصويت داخل مجلس الوزراء ولا رفض قانون ولا حلّ مجلس نوّاب أو فرط عقد الحكومة حيث يجهل معظم اللبنانيين صلاحيات المؤسسات الدستورية في لبنان في ظل نزاع شبه دائم حولها. هذا ما أثبته النقل المباشر للمحطات التلفزيونية الذي كان أشبه بمسرحية كوميدية مبكية مضحكة تثبت مدى هشاشة المجتمع اللبناني من حيث الثقافة السياسية فمن ينسى تلك السيدة الستينية التي طالبت بحكومة “عسكرية تكنوقراط” بدلاّ من عون مباشرةً على الهواء من منطقة فرن الشباك؟


إن ما حصل بعد أيام على بدء التحركات في الشارع هو أن اجتمعت كل الأضداد بوجه الرئيس محمّلين العهد وحده ما آلت إليه الأمور تحت قصف إعلامي مركّز غير معهود على الإطلاق و حملات على مواقع التواصل الاجتماعي كانت ملامحها قد بانت في أوساط العام ٢٠١٨ مستفيدين من العديد من الأخطاء المرتكبة من فريق العهد. 

غريب أمر بعض اللبنانين ممّن نسيَ احتجاجات ١٩٩٢ بوجه حكومة عمر كرامي و لما لم تكن المطالبات حينها بإسقاط الرئيس الهراوي، فهل كان الرئيس الأول بعد الطائف منقوص الصلاحيات والرئيس عون كامل الصلاحيات؟


سقطت ١٧ بالضربة القاضية ما إن وُجّهت كل سهامها دفعةً واحدة نحو طرفٍ آخر. أين ١٧ تشرين اليوم؟ ماذا يتذكر العديد من اللبنانين عن ١٧ تشرين؟ ربما إن اجرت احدى شركات الإحصاء دراسة حول ما يتذكره اللبنانيون عن هذه الثورة كما يحلو للبعض تسميتها سوف يكون الجواب هو”هيلا هو” و “إقفال الطرقات”. أسقطت ١٧ تشرين نفسها بنفسها، هي بالأصل جمعٌ لما لا يجمعه سوى الكره تجاه عون.

اليوم نحن على بعد ساعات من انتهاء عهد الرئيس عون، بدأ الدولار بالإنخفاض بعدما وصل للاربعين ألف ليرة للدولار الواحد وها هي مؤسسة كهرباء لبنان تزفّ الخبر السّار بارتفاع ساعات التغذية الكهربائية بفعل سحر ساحر لحدود ١٠ ساعات. إن هذا الخبر وحده كفيل بتقسيم الشعب اللبناني إلى ٤ فئات.
فئة مقتنعة أن للرئيس “هاوس” في قصر بعبدا يرفعه وينزله ساعة ما يشاء.
فئة ثانية تعلم جيدًا أن التغذية الكهربائية المستجدة ليست إلّا أحقاد سياسية ولكنها سوف تبقى تهاجم عون فهو “قطع عنّا الكهرباء”.
فئة ثالثة تعلم الحقيقة ولكنها على الحياد، وما أبشع الحياد.
فئة رابعة تعلم الحقيقة لكنها تناضل من أجل إظهارها.
الفئة الرابعة هي أقليّة الأقليات في لبنان، و الفئات الثلاث الأولى هي أكثرية الأكثريات، و استثنائيًا في هذه الحالة، الحكم للأكثرية!