تحت ضغط العقوبات والحصار الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على لبنان تجري اليوم على الحدود اللبنانية الفلسطينية عملية توقيع اتفاقية تقاسم انتاج الثروة النفطية بين ممثلين عن الاحتلال “الإسرائيلي” والسلطة اللبنانية برعاية أميركية، حيث وافقت الحكومة اللبنانية مكرهة ومهانة على التنازل عن جزء من الحدود البحرية لصالح سلطة الاحتلال، أو على الأقل هكذا “يقال في الاعلام”.
وبمعزل عن صحة ما يقال وما يتقاذفه السياسيون في لبنان من اتهامات التخوين والخيانة، يتوجب أولاً معرفة وتحديد ما تقوم به الحكومة اللبنانية ليبُنى على هذه المعرفة الموقف المناسب، فهل ما يجري في الناقورة هو معاهدة أم اتفاقية أم ماذا؟
لكي نكون أكثر دقة في التوصيف والموقف لا بد من إيراد بعض المصطلحات التعريفية للمسألة المعروضة، لذا، فانه لكلمة معاهدة مرادفات كثيرة، مثل اتفاقية واتفاق وعهد وميثاق ونظام وعقد وإعلان وبروتوكول وتسوية… إلخ، وهي جميعها تتطلّب وجود وثيقة مكتوبة وانعقاد الوثيقة بين أشخاص القانون الدولي، وأن تكون لها نتائج قانونية تخضع للقانون الدولي، وهناك الكثير من النقاط المشتركة ما بين العقد والمعاهدة مثل الرضا الذي هو أساس الرابطة القانونية، ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين، ومبدأ نسبية الآثار والنتائج.
أن المعاهدات وفقاً لما هو سائد تُبرم مثل أي اتفاق دولي، بداية عبر مفاوضات وصولاً الى تحرير أي كتابة النتائج المتحصلة في المفاوضات ومن ثم التصديق على النتائج المتفق عليها وبعدها يذهب الطرفان لتسجـيل “النتائج” ونشرها، ويلي التسجيل في الدول الأطراف في المعاهدة، تسجيلها في الأمم المتحدة، ولكي تكون هذه الخطوات مكتملة ولا يشوبها شائبة، لا بد من توافر شروط التعاقد وهي وفقاً للقوانين كافة، الأهلية، الرضا، مشروعية موضوع التعاقد، وبناء على ما تقدم، يقفز الى الأذهان مجموعة من الأسئلة تنتظر إيجابات واضحة عليها كي يكون الموقف من ما يحصل مبنياً على وقائع وحقائق وليس أوهام وتسريبات إعلامية في اطار المناكفات السياسية والمزايدات الإعلامية الرخيصة.
…إذن ما الذي سيجري في الناقورة بين وفد يمثل الحكومة اللبنانية ووفد يمثل حكومة الاحتلال “الإسرائيلي” ووفد “يُقال زوراً أنه وسيط” يمثل الولايات المتحدة الأميركية ؟
طبعا الجميع سمع وقرأ على مدى أشهر، أن هناك مفاوضات تجري عبر وسطاء “اميركيون” وكان آخرهم الوسيط “اليهودي الأصل آموس هوكشتاين”، الذي “برع” في التوصل الى “اتفاق الترسيم” الذي سيوقع عليه في الناقورة بين لبنان وسلطات العدو… ووفقاً لما يُقال ويسوق في الاعلام أن التوقيع سيكون على وثيقتين مستقلتين بحيث لن يجتمع توقيع “صاحبة الجلالة” – الحكومة اللبنانية، مع توقيع ممثل العدو على ورقة واحدة وسيكون كل من الوفدين في غرفة منفصلة عن الأخرى، فهل هذه الشكليات تبدل في الموقف من ما سيجري اليوم؟
بالنسبة لنا نحن الذين نؤمن بإن الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن أن يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمّة بفضّة من اليهود، وإن لنا في الحرب سياسة واحدة هي سياسة القتال، أما السياسة في السلم فهي أن يسلم أعداء هذه الأمّة بحقها في الحياة، لا يعنينا لا شكل المفاوضات ولا نتائجها أنما ما يعنينا هو أننا نحن أصحاب الحق في الأرض وثرواتها سواء كانت لبنانية أم فلسطينية فهي جزء لا يتجزأ من ارض الوطن الواحد، فالوطن ملك عام لا يجوز، حتى ولا لأفراد سوريين، التصرف بشبر من أرضه تصرفاً يلغي، أو يمكن أن يلغي، فكرة الوطن الواحد وسلامة وحدة هذا الوطن الضرورية لسلامة وحدة الأمة السورية. وبالتالي ليس من حق أي جهة مهما كانت تسميتها او صفتها التنازل عن شبر من ارض الوطن.
لذا، وإنطلاقاً من قناعتنا المرتبطة بجوهرعقيدتنا القومية الاجتماعية، فإنه لا يمكن لنا بأي شكلٍ من الأشكال أن نقبل ما يحصل أو ما سيحصل في الناقورة اليوم، مهما “جُملت” العبارات والمعاني والتوصيفات ومهما قدمت الاعذار لتسويق ما يحصل، لأن بالحقيقة هو أولاً تنازل عن مبدأ جوهري وأساسي هو العداء المطلق لعدو تاريخي لا يزول العداء معه قبل أن يزول هو عن أرضنا القومية.
ولكن إذا أوغلنا التمحيص في ما يحصل لجهة عملية الترسيم لا بد من أجوبة واضحة على أسئلة طبيعية وجوهرية وهي:
- هل تملك الحكومة اللبنانية حق التنازل عن جزء من أرض الوطن لأي كان؟
- هل بإستطاعة الحكومة اللبنانية الذهاب لتوقيع اتفاقية ترسيم لحدودها “السايكسبوكية” مع مطلق طرف آخر دون المرور في المجلس النيابي الذي وحده يملك حق التشريع والمصادقة على الاتفاقيات الدولية؟.
- هل تملك الحكومة اللبنانية حق توقيع اتفاقية مع عدو ما زالت كل مواثيقها الرسمية تعتبره عدواً؟
- هل تملك الحكومة اللبنانية أو مطلق حكومة حق توقيع اتفاقية مع سارق، أوليس التعامل مع سارق وشراء مسروقاته أو قبولها كهبة هو مشاركة في جرم السرقة؟
- ماذا يعني قبول الحكومة اللبنانية توقيع اتفاقية ترسيم لحدودها مع من لا يملك حقاً في الأرض التي نُرسِّم حدودها؟
أولاً: لا بد من الإشارة إلى أنه وفقاً للقوانين والشرائع والدساتير عامة، فان التنازل عن أجزاء من أرض الوطن
لمطلق جهة هو خيانة وطنية تحاسب عليها القوانين التي تحكم الحكومة “مطلق حكومة” بموجبها، وعليه فانه اذا صح ما يُقال عن تنازل الحكومة اللبنانية عن جزء من الحدود البحرية لمصلحة سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” أو سواه هو خيانة وطنية لا تنفع معها كل التبريرات التي تسوقها السلطة، حتى ولو كان القصد منها محاولة الحكومة التقاط أنفاسها للافلات من الضغوطات الاقتصادية الأميركية والتي لم تكن لتحصل إلا من أجل الرضوخ وقبول الشروط المفروضة للسماح باستخراج الثروة النفطية من باطن الأرض أو البحر.
ثانياً: اذا تجاهلنا افرازات النكد السياسي السائد في لبنان وأقاويل التخوين التي تساق ضد الحكومة، وكل من وافق
على صفقة ترسيم الحدود فانه لا يمكن غض الطرف عن أمر جوهري آخر هو عدم جواز توقيع أية اتفاقية دولية دون المرور في المجلس النيابي الذي له وحده حق إجازة الاتفاقيات الدولية والمصادقة عليها، ومن هذا المنطلق فان قيام الحكومة اللبنانية بالذهاب لتوقيع اتفاقية دولية مع مطلق طرف هو تجاوز لحدود صلاحياتها المنصوص عنها في الدستور ويصبح عملها معرضاً للطعن أمام مجلس شورى الدولة.
ثالثاً: إن قيام الحكومة اللبنانية بتوقيع اتفاقية مع عدو ما زالت كل مواثيقها الرسمية تعتبره عدواً هو اسقاط رسمي لحالة العداء المفترضة وبالتالي هذا ما يجرنا إلى خطوات أخرى قد لا يكون التطبيع آخرها مروراً بإلغاء القرار الشهير رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، واثاره على الواقع الديمغرافي اللبناني في ظل حالة التجاذب الطائفي القائمة…
رابعاً: انه ليس من حق الحكومة اللبنانية أو مطلق حكومة التوقيع على اتفاقية مع سارق، فالطرف الآخر الذي
توقّع معه الحكومة اللبنانية اتفاقاً او”مهما كانت التسمية” هو رسمياً سرق الأرض الفلسطينية من أصحابها الحقيقيين وبالتالي فان التعامل مع سارق ويكون الموضوع حول مسروقاته فهو مشاركة رسمية في جرم السرقة وموافقة عليه مما يلغي فكرة العداء القائم مع العدو.
بناء عليه فان قيام الحكومة اللبنانية بترسيم حدودها مع طرف لا يملك حقاً في الأرض أو البحر هو جريمة وطنية
لا يمكن السكوت عنها مهما زينت من شعارات وقدمت على أنها المتنفس الوحيد أمام الشعب اللبناني ليعود وينعم
بالرخاء ، فبالنسبة لنا قناعاتنا واضحة وموقفنا لا لبس فيه ، نحن ضد كل ما يجري سواء تحت اسم ترسيم حدود
أو اتفاقية استثمار ثروات نفطية فالنتيجة واحدة، هذه هي وجهة سيرنا، هذا موقفنا في المشاكل السياسية الكبرى
المحيطة بنا.
فنحن نعني أننا لا نرضى إلا حياة الأحرار ولا نرضى إلا أخلاق الأحرار.
وقد تكون الحرية حملاً ثقيلاً ولكنه حمل لا يضطلع به إلا ذوو النفوس الكبيرة. أما النفوس العاجزة فتنوء وترزح وتسقط، تسقط غير مأسوف عليها.
تسقط محتقرة مهانة، تسقط مستسلمة في ذلها، تسقط وقد قضت على نفسها قبل أن يقضي عليها غيرها.
نحن بنظرنا سلبيون في الحياة، أي أننا لا نقبل بكل أمر مفعول يفرض، وبكل حالة تقرر لنا من الخارج.
ولسنا ضعفاء إلا إذا أردنا أن نكون ضعفاء،
إذا سلمنا بالأمور المفعولة وللأحداث التي تفرض علينا وقبلنا بالانحطاط الأخلاقي والمعنوي والمادي الذي لا مناص منه ما دمنا مستسلمين.
الذي يسقط في العراك غير مستسلم قد يكون غلب لكنه لم يقهر، يقهر قهراً الذي يستسلم ويخنع.
ويل للمستسلمين الذين يرفضون الصراع فيرفضون الحرية وينالون العبودية التي يستحقون.
نصير الرماح