انتهى عهد ميشال عون، “الجنرال” المثير للجدل ببزته المدنيّة كما ببزته العسكريّة. طوى مع نهاية تشرين، صفحة سنوات ستّ قضاها في سدّة الرّئاسة وشهدت العديد من المطبّات، فأين أصاب عهد عون وأين خاب؟
تأمّل الكثيرون خيرًا وانتظروا الانفراجات بعد وصول عون إلى بعبدا ولكن الخيبة كانت كبيرة. فمنذ ثلاث سنوات يعيش لبنان واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصاديّة في تاريخه، لترتفع نسبة الفقر بشكل كبير وصلت إلى 75 بالمئة، وسُرقت أموال المودعين وتراجعت قيمة العملة الوطنيّة، تزامنًا مع قيام حراك شعبي كبير سُمِيَ بثورة 17 تشرين، حين نزل قسم من اللبنانيين إلى الشارع في 17 تشرين الأوّل 2019 في تحرك رافض لاقتراح فرض ضريبة على الواتساب وتوسّع ليصبح على شكل مظاهرات وتحرّكات شملت مختلف الأراضي اللبنانية وشلَت الحركة في البلاد بعد إقفال الطرقات وتمركز المحتجين فيها.
الأزمة الاقتصادية وتراجع سعر الصرف أدّى إلى بروز مشاكل جديدة، فعرف لبنان لفترة طويلة انقطاعًا في الخبز والدواء والمحروقات وغيرها من المواد الأساسيّة ووقفت الدولة عاجزة عن ايجاد أيّ حلّ باستثناء اجراءات أتت متأخرة لناحية مداهمة المحتكرين الذين لم يكن عقابهم بحجم ما اقترفت اياديهم أبدًا.
لا شكّ أنّ أسوأ ما شهده لبنان في السنوات الستّ الماضية كان انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 آب 2020، وكان ضحيّته أكثر من 220 قتيل و 7 ألاف جريح وتدمير قسم كبير من بيروت وضواحيها، لكن الكارثة لم تقف عند الانفجار، فحتّى اللحظة وبعد مرور أكثر من سنتين لم تنكشف وقائع الجريمة ولم تتمّ معاقبة أيّ متورّط ومذنب في حين يقبع بعض الموقوفين في السجون دون محاكمات، في شبه قناعة أنّ الحقيقة لن تنكشف أبدًا وأنّ المجرم قد نجا بفعلته.
لم يكن انفجار المرفأ الكارثة الوحيدة التي أودت بحياة اللبنانيين، ولو كانت أكبرها، فبسبب الوضع الاقتصادي السيء وتهافت اللبنانيين على الحصول على المحروقات وقع انفجار التليل في عكار الذي راح ضحيته أكثر من أربعين قتيلًا بعد انفجار خزان وقود صودِر من أحد المحتكرين. يُضاف إلى ذلك بروز ظاهرة “زوارق الموت” والتي غرق العديد منها قبالة الشواطئ اللبنانية والشامية وهي محمّلة بمئات المواطنين الذين قرّروا ركوب الخطر وخوض مغامرة مجهولة المصير هربًا من ظروف الحياة الصعبة في لبنان.
وعلى الرغم من كلّ الأزمات وحتى الكوارث التي شهدها لبنان في فترة حكم عون، إلّا أنّ عهده شهد محطّات بارزة عد.
فلأوّل مرّة ومنذ العام 2005 أقرّ لبنان موازنته العامّة عام 2017، منهيًا فترة 12 عام من غياب الموازنات بسبب الخلافات السياسية.
الأهمّ أنّ بعد وصول عون بفترة قصيرة تمّ تحرير لبنان من الخلايا الإرهابيّة المعروفة ب”داعش” و”جبهة النصرة” عبر معركة “فجر الجرود” والتي كان الرئيس يتابع تفاصيلها ويشرف عليها بنفسه.
وفي العام 2018 أُجريت الانتخابات البرلمانية بعد تأجيلها مرتين، إذ تمَ أخيرًا التوافق على قانون انتخابي قائم على النسبيّة، وهو أفضل الممكن برأي الكثيرين.
أمّا الخطوة الأهم التي يعتبرها البعض انجازًا (البعض الآخر يرى بها مقدمةً للتطبيع) في عهد الرئيس ميشال عون فهي توقيع اتفاق ترسيم الحدود مع العدو في خطوة أولى من مشوار تحوُّل لبنان إلى بلد نفطي وذلك بعد عامين بالتمام على بدء المفاوضات غير المباشرة وبعد خمسة أعوام على موافقة لبنان على عرض استكشاف وإنتاج النفط والغاز في بحره، لكن هذا الإنجاز لم يخلُ من انتقادت حول ما ناله لبنان وما تخلّى عنه.
كما لا يمكن نكران أنّ كل التعطيل الذي شهده العهد وكلّ المعارضة لإقرار قوانين المحاسبة والتهرّب من المثول أمام القضاء فضح الفاسدين الواضعين أيديهم على البلاد وعلى رقاب المواطنين ولو رفض البعض الاعتراف بالواقع الذي أصبح مكشوفًا أمام الجميع.
تنتهي فترة رئاسة ميشال عون ولبنان مقبل على فراغ رئاسي مجهول المدّة قد يرافقه فراغ حكومي، يرحل عون تاركًا لبنان أمام المجهول، فهل تُسحب ورقة الخلاص بقرار خارجي وموافقة داخلية أم أنّ ما ينتظر اللبنانيين أسوأ بعد ممّا شهوده؟
صباح الخير