سعاده… عنصريُّ شوفينيّ؟! أم باحثٌ عن الحقيقة؟

سعاده… عنصريُّ شوفينيّ؟! أم باحثٌ عن الحقيقة؟

على عَكْس أَصحَاب النَّظريَّات الفوْقيَّة والشُّوفينيَّة، مَيَّز سَعادَه بَيْن عِلْم السَّلالات وعلْم الأنْساب.

درس أَنطُون سَعادَه التَّرْكيبات الجينيَّة لِأبْنَاء سُوريَة، وَدخَل فِي عِلْم السُّلالات مِن مِنَحًً عِلْمِي، فَدَرسهَا عن طريق عِلْم الأنْتربولوجيَا.

النَّظريَّات اَلتِي كَانَت قَائمَة آنذاك، تقسِم السُّلالات إِلى صِنْفيْنِ، سُلالَات رَاقِية وسلالات مُنْحطَّة، فكانتْ السُّلالات الرَّاقية هِي صَاحِبة النَّسَب الصَّافي، غيْر المُمْتَزِج، والسُّلالات المنْحطَّة هِي صَاحِبة النَّسب غيْر الصَافِي.

أَمَّا سَعادَه فكانتْ نظريَّته قَائِمة على مَا هُو نَقْيضٌ لِتلْك النَّظريَّات، حَيْث رأى أنَّ الشُّعوب بِكلِّ سُلالاتهَا هِي مزيجٌ مِن تِلْك الأنْساب، فَدحَض خُرَافَة السُّلالة الصَافِية النَّسب، بل رأى أنَّ الفوارق بَيْن السُّلالات تَقُوم على اَلحُدود الطَّبيعيَّة، والذَّاكرة التَّاريخيَّة والْمَدى العمْرانيُّ.

فلَا يَصِح أن نَعتَبِر أنَّ كُلَّ السُّلالات مُتشابهة، فالْفوارق اَلتِي ذكرْناهَا تُأثَّر تأْثيرًا كبيرًا وَينتِج عَنهَا اِخْتلافات عِدَّة مثلًا : الثَّقافة, والتَّاريخ، والعادات.

يَقُول سَعادَه : “إِنَّ السُّلالات أَمْر فِيزْيائيٌّ وَاقِع والْأدلَّة على وُجوده مُتَوفرَة”، فيفرِّق فِي اِرتِقاء السُّلالات بِنَاءً على تَمدنِها، لا عرقهَا أو نسبهَا، ويؤكِّد على ذَلِك بِقوْله إنَّ “الثَّابتَ هو أنَّ بَعْض السُّلالات اَلتِي ضَربَت فِي الأوْدية الخصْبة كَوادِي النِّيل وَوادِي اَلفُرات وَوادِي هُوانْهو أو الأراضي الخصْبة كَسورِية أَنشَأت، بِمَا كان لَهَا مِن الاسْتعْداد، مدنيَّات رَفِيعَة”.

مِمَّا يَعنِي أنَّ اِخْتلافًا بَيْن مزيج وَآخَر على صعيد أُصُول المزيجيْنِ لا يَترُك مَجَالًا لَلْمقرانة ولَا لِلْمناقضة فالاخْتلاف يَكمُن على صعيد التَّطَوُّر الاجْتماعيِّ، والثَّقافيّ، والتَّاريخيّ وَعلَى مُستَوَى الإنْتاج والتَّقدُّم الحضاريِّ لِلْمنْطقة، يُمْكِن أن تَتَقدَّم إِحْدى السُّلالات على سُلَالَة أُخرَى فِي مَجَال مُعيَّن فِي حِين تَتَقدَّم اَلأُخرى عَنهَا فِي مَجَال آخر، فالاخْتلاف نِسْبِي ولَا عَلاقَة لَه بِنوْعِيَّة مزيج الأنْساب دَاخِل السُّلالة بل بِنسْبة تَفُوق سُلَالَة تِمْدنْيَا وعمْرانيًّا عن أُخرَى.

وقد أَكَّد سَعادَه على أنَّ نصْنيف السُّلالات هُو خليط مَا بَيْن العامل البيولوجيِّ، والْعامل الاجْتماعيُّ.

نَستخْلِص مِن هذَا كُلُّه أنَّ سَعادَه مَا كان عُنْصُريًا أو شُوفينيًّا بل العكْس تمامًا كان باحثًا عِلْميًّا تَحدَّى عُلَماء عَصرِه الَّذين تبنَّوْا فِكْرَة الفوْقيَّة العِرْقيَّة الخياليَّة، واخْتَار التَّمَيُّز بَيْن المجْتمعات على مِقيَاس التَّمَدُّن والتَّطوُّر اللَّذَان يُمْكِن قِياسهمَا بِشَكل عِلْمِي.