ديموقراطية الوكالة

ديموقراطية الوكالة



قبل ذرف الدموع على ايران ومراكز المثلية باعتبارها حقوق انسان في روسيا ، وقبل وقبل ، تنسى المتروبولات الامبريالية ، الامريكية والاوروبية انها الراعية الاكبر للارهاب الاصولي والانقلابات العسكرية الدموية والحروب والفتن الاهلية ، ناهيك بتاريخها الاستعماري الطويل والمذابح الجماعية التي تناوبت عليها، القنابل الذرية على المدن اليابانية في زمن الرئيس الديموقراطي الامريكي ترومان، ومثلها السائل البرتقالي واليورانيوم المنضب في فيتنام والعراق، وابادة مليون اندونيسي وربع مليون تشيلي في انقلابات (الديموقراطية الامريكية).
اما عن الديموقراطية الفرنسية والبريطانية والاوروبية ، فحدث ولا حرج من خمسين مليون هندي احمر تناوب على قتلهم الاسبان والانجليز في شمال امريكا وجنوبها ، الى ملايين الضحايا من التجارب الفرنسية والبريطانية، النووية والبيولوجية في اربع جهات الارض، وثمة ما يؤكد ان حروب الشركات الاوروبية على الماس والمعادن في افريقيا ، والتي راح ضحيتها مليون من الهوتو والتوتسي، جرت بمشاركة الجميع بما في ذلك بلجيكا وهولندا والمانيا .
ولم نتحدث بعد عن المجازر التي نفذها ولا يزال ، الكيان الصهيوني باعتباره (واحة الديموقراطية) في الشرق الاوسط المدعومة من الامريكان والاوروبيين على حد سواء .
بالانتقال الى الوكالة في لينغلي، فرجينيا ، والمقصود وكالة المخابرات الامريكية ،فلا احد يضاهيها في (الدفاع عن الديموقراطية) باستخدام كل الادوات والاساليب الوحشية، وقبل ان نعود الى كتاب (جيش الليل) الذي يحكي قصة هذه الديموقراطية لابد من الاشارة الى انه ليس كل وسائل الوكالة كانت دموية ، فثمة (بعد انساني ومدني ايضا!!) معبرا عنه وفق كتاب ساندرز (منيدفع للزمار) وكوستلر (الدعارة الاكاديمية) باشكال شتى من (العمل المدني) مثل :

  • صناديق دعم الديموقراطية ومؤسسات نيد، وراند ، وال يو اس ايد، والصحافة الاستقصائية ومراكز الدراسات الجامعية مثل (كارينجي) ومؤسسات وهيئات تبدو غير حكومية مثل مركز سوروس (المجتمع المفتوح) لاطلاق الثورات الملونة، وفورد فاونديشن.
    وتعمل جميعها تحت شعارات (انسانية ومدنية) مثل : الشفافية، تمكين النساء، عدالة … الخ
    جيش الليل
    وكالة المخابرات الأمريكية
    جيش الليل، وكالة المخابرات المركزية الأمريكية C.I.A وفق كتاب صدر تحت هذا العنوان عن دار دمشق، 1989.
    تأسيس الوكالة:
    تأسست المخابرات الإمريكية (C.I.A) بموجب قانون الوكالة الذي سنه الرئيس الأمريكي، هنري ترومان في 15/9/1947، وكان موقعها في لينغلي – فرجينيا، وصارت واحدة من أهم أطراف التجمع المخابراتي الأمريكي الذي يشمل أيضاً:
  • وكالة الأمن القومي ANS.
  • إدارة المخابرات الحربية Rumo.
  • إدارة المخابرات الجوية.
  • مكتب التحقيقات الفدرالية FBI.
  • مكتب الاستخبارات الخارجية… وغيرهم.
    وكانت مهمة الوكالة منذ يومها الأول خدمة الاحتكارات والشركات والسياسات والمصالح الأمريكية عبر شبكات سرية واسعة من العمل المباشر والمافيات وفرق الاغتيال وتدبير الانقلابات العسكرية، والثورات المضادة، وتجنيد العملاء والمرتزقة والمنشقين، وحملات ومنابر التضليل والابتزاز السياسي والإعلامي، وكانت تقوم بذلك بالتنسيق مع البنتاغون ضمن سياسة اتحاد النسرين، ومع بقية الهيئات والمؤسسات الأمريكية الأخرى، الحكومية وغير الحكومية.
    كما كان ملاحظاً أيضاً أن العديد من القادة وكوادر الوكالة كانوا يتحدرون أو يعودون للعمل مع أخويات سرية وعلنية مثل الرؤساء: كيس، ماكوين، وليام ويبستر، بالإضافة للبنوك والشركات، مثل دالااس، ماكونيل، تراست، وإيموري.

    انعدام الضمير والأخلاق والخداع
    ومن مظاهر ذلك:
  • غسيل دماغ الجنود الأمريكان أنفسهم العائدين من فيتنام وبؤر الصراع، مما أدى إلى الانهيار العصبي لقسم كبير منهم.
  • استخدام أسماء مثقفين منشقين عن بلدانهم كعناوين أو كودات لعمليات سرية إجرامية مثل اسم الروائي الروسي سولجستين.
  • الخداع، ففي الوقت نفسه الذي ازدهرت فيه العمليات الإرهابية للوكالة وقعت أمريكا على اتفاق هلسنكي 1975 الذي يلزم الدول الموقعة عليه بالامتناع عن تقديم أي مساعدات مباشرة أو غير مباشرة للنشاطات الإرهابية والتدخل في شؤون الدول.
  • تفيذ عمليات إرهابية قد تستهدف مصالح أمريكية وإلصاقها بجماعات أخرى، ويتوقف الكتاب عند أكثر من حادثة ينسبها إلى المخابرات الأمريكية وأصابعها المحلية هنا وهناك، مثل مقتل رئيس الوزراء الإيطالي ألدو رومو، التي اتهمت الألوية الحمراء فيها 1978.

    الوكالة وترسانة الجراثيم
    بدأ برنامج السموم مع الباكستان 1952 قبل أن تفضحه الصحافة الأمريكية نفسها، تم تطور هذا البرنامج 1957 من خلال جهاز بيوهن والتحديثات اللاحقة بالإضافة إلى الدوارق الجرثومية المصممة حسب الانتماء العرقي، وعشرات الأشكال الأخرى، مثل البودرة السامة غير المرئية التي يمكن استخدامها ضد متظاهرين أو معارضين في الشارع أو المكتب أو السيارة أو المنزل.
    وبحسب الكتاب تحتفظ المخابرات الأمريكية بكميات من الجراثيم البيولوجية والسموم المختلفة التي تقع تحت وصاية قسم العمليات الخاصة في فورت – ديتريك، ومنه مثيرات القرحة السيبيرية، وداء التلريات (الحمى) والتهاب الدماغ الفنزويلي والسل والتيفوس، وأنواع مختلفة من السموم.
    وقد كانت كوبا الهدف الأول لها، حين نشر عملاء المخابرات الأمريكية فيها فيروس حمى الخنازير، ومرض الخميرة لتخريب حقول قصب السكر، والعفن الأزرق لتخريب حقول التبغ. كما قامت بتاريخ نيسان 1981 مجموعة من علماء المكسيك في معهد أبحث وحماية الثروات الطبيعية باتهام الولايات المتحدة باستخدام السلاح الجرثومي ضد بلدان أمريكا الجنوبية.

    تجارة المخدرات وغسيل العملة
    مقابل المزاعم الأمريكية عن دورها في ملاحقة مافيات المخدرات، فإنها أشبه بالثعلب الذي يضع نفسه حارساً لقن الدجاج، فهي المسؤولة عن ازدهار المثلث الذهبي ومركزه تايلاند ثم الهلال الذهبي ومحوره أفغانستان، تركيا الباكستان، أذربيجان. ص126
    وبحسب الكتاب، فالمخدرات وغسيل العملة المرتبط بها مصدر أساسي لتمويل الجماعات العميلة لهذه المخابرات أو المتواطئة معها مثل جماعات الإسلام الأفغاني وغيرها.
    ومما ذكره الكتاب أيضاً إنشاء أو سيطرة المخابرات الأمريكية على عشرات البنوك في كل العالم لتأمين غسيل آمن لأموال المخدرات مثل بنك نيوهين هيند في أستراليا.

    تجنيد المرتزقة
    يعرف المرتزقة بأسماء عديدة، بينها كلاب الحرب، الأوز البري، الجيوش السرية وهي جماعات ومافيات مسلحة مجهزة تحت الطلب (تعرف بالجيوش النائمة) ومعظمها من بقايا النازيين إضافة للمتطرفين اليمينيين، ومن أشهر المرتزقة بالإضافة لعصابة البلاك ووتر الأمريكية وأمثالها:
  • الحرس الوطني السابق عند سوموزا في نيكاراغوا قبل سقوطه، وقد جرى إعادة تأهيل هذا الحرس باسم (القوات الديموقراطية) التي اشتهرت في قضية الكونترا، وكانت مهمتها السيطرة على المخافر والمواقع الحدودية وسلخ الأطراف الشرقية وإعلانها مناطق محررة.
  • القوى النازية: وهي بقايا الجماعات التي جندتها المخابرات الهتلرية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية في أوكرانيا وإيطاليا وتركيا وبولندا ودول البلطيق، وبرز من قياداتها آنذاك: بانديرا في أوكرانيا، وتوركيش في تركيا، الذي عادت جماعته الذئاب الرمادية ونفذت سلسلة مذابح في تركيا مثل مذبحة 1978 التي سقط فيها ألف جريح وقتيل.
  • أما في إيطاليا فقد جرى إعادة تجميع النازيين الطليان ضمن عملية (الشروق) ومقابل توظيفهم ضد الشيوعية المحلية، وذلك في سياق عملية أوسع تضمنت استسلام القوات الألمانية وتأمين حمايتهم وتغطية نشاطهم اللاحق عبر الفاتيكان بوصفهم أخوية تابعة لفرسان مالطة.

    مذبحة معبد الشعب – الكومونه الأمريكية
    معبد الشعوب في الحقيقة، هو أشبه بكومونه شيوعية زراعية تأسست في هايانا – كاليفورنيا، بمبادرة من جيم جونس، وتجاوب حوالي ألف شخص من فقراء الجماعات غير الأنجلو سكسونية. وسعياً لتأكيد الهوية التعاونية الجماعية لهذه الجماعة، راحت تزور سفارة الاتحاد السوفييتي في العديد من المناسبات ومنها ثورة أكتوبر الاشتراكية، مما جعلهم في عين المخابرات الأمريكية التي قررت إبادتهم بعد حملة ضدهم تراوحت بين اتهامهم بالشيوعية في البداية ثم بتشكيل جماعة دينية خلاصية ومع تزايد الحديث حول هذه الجماعة وتزايد التهديدات التي تتلقاها تشكلت لجنة في الكونجرس للتحقيق في ذلك برئاسة النائب ليو رايان، وبالتوازي كانت الإدار الأمريكية قد قررت التخلص منهم، وإجراء (عملية تنظيف) لكل آثار الجريمة بما في ذلك اغتيال أكثر من صحفي والنائب رايان نفسه في 18/11/1978.
    وقد أظهرت الملفات أن اتصالاً من السيدة شيرون آموس من المعبد – الكومونه جاء فيه، إنهم محاصرون من رجال مسلحين وطائرات عمودية، وإن (رجال الشرطة) عندما وصلوا المنطقة وجدوا شيرون قد ذبحت بالسكاكين مع أطفالها الثلاثة على يد جندي مشاة أمريكي سابق أطلق سراحه بذريعة الجنون.
    كما أعلنت السلطات عن مقتل ألف مواطن تقريباً بالسم والرصاص والسكاكين وقالت إنها ترجح رواية الانتحار الجماعي.
    أما في الحقيقة فهي أن وحدات مشاة أمريكية اقتحمت المكان وحاولت تسميم الجميع بالقوة بعد تخديرهم لتسويق رواية الانتحار الجماعي بالسم، لكن عدم السيطرة على هذا الأسلوب (اضطرهم) إلى استخدام أساليب عديدة من خنق الأطفال بعد أغلاق أنوفهم وصب السم في حلوقهم إلى فتح أفواه النساء بنصال الخناجر والسكالكين، إلى إطلاق النار على الهاربين.

    اغتيالات طالت رؤساء دول وحكومات
  • 1959 رئيسة وزراء سيلان السيدة باندارا نايكا.
  • رئيسة وزراء الهند، أنديرا غاندي.
  • 1961 اغتيال رئيس وزراء الكونغو، لومومبا، كما اغتيل رئيس آخر للكونغو هو نغوابي 1977.
  • 1964 اغتيال رئيس البرازيل، غولارت.
  • 1966 اغتيال رئيس غانا، نكروما.
  • 1969 اغتيال رئيس موزامبيق، موندلان.
  • 1976 اغتيال رئيس تشيلي، الدكتور سلفادور الليندي.
  • 1973 اغتيال رئيس غينيا بيساو، كابرال.
  • 1974 اغتيال رئيس بنغلاديش، مجيب الرحمن.
    الاغتيال بحوادث طائرات مدبرة:
  • اغتيال رئيس بنما، الجنرال عمر تورخيس بتاريخ 31/7/1981، لأنه طالب بتحسين حصة بنما من أرباح الشركات الأمريكية التي تشغل القناة ولأنه زار كوبا أيضاً.
  • اغتيال رئيس الأكوادور.
  • اغتيال قائد جيش البيرو.
    محاولات اغتيال عبدالناصر
  • نظمت المخابرات الأمريكية أكثر من محاولة اغتيال بالسم للرئيس العربي المصري، جمال عبدالناصر (تسميم علبة الدخان ثم وضع حبة سيانور في فنجان قهوته). وبالإضافة للمصدر المذكور، يذهب الصحفي الكبير، هيكل، إلى أن عبدالناصر تعرض لتسمم في فنجان القهوة، خلال لقاء مع أنور السادات.
    محاولات اغتيال أخرى:
  • محاول اغتيال أمين عام الحزب الشيوعي الإيطالي، تولياني، 1948.
  • اغتيال كانغو، رئيس الحزب في الأرجنتين.

    الدعاية السوداء وأكاذيبها
    تنفق الوكالة 80% من أموال العمليات السرية على الدعاية السوداء وكانت حتى أواسط السبعينيات من القرن الماضي تسيطر على 200 مؤسسة إعلامية من وكالات وصحف ودور نشر.
    وبحسب الكتاب، فالكذب هو السمة الأساسية لهذه الدعاية، وكما ذكره العميل السابق للوكالة، رالف ماكهيهي، في كتابه (الموت والكذب) أنه خلال عمله كمراسل حربي في فيتنام طلبت منه الوكالة اختلاق روايات حول بقر الشيوعيين لبطون النساء وفبركة ذلك في تقارير وصور مؤثرة.
    كما أظهر التحقيق حول مقتل صحفي عميل للوكالة هو مايكل بيري أن ترويج استخدام الروس والفيتناميين للحرب الكيماوية والجرثومية كان بتدبير الوكالة التي كانت تسارع للتخلص من أي آثار ذات صلة بما في ذلك عملاءها.
    وجاء في تقرير للكونجرس 1981 أن (إذاعة الحرية) التي تديرها الوكالة بثت عام 1979 حوالي 335 حالة كذب.
    ومن مظاهر الكذب الأخرى:
  • تحويل الظاهرة الطبيعية المعروفة بالأمطار الصفراء في الهند الصينية، إلى حرب كيماوية يديرها (الروس وأعوانهم).
  • استخدام الروس والفيتناميين لمود سامة ضد (القرى) وهو الخبر الذي نفاه الخبير الأمريكي هورميتس 1984 وأكدته الواشنطن بوست 1986.
    كما أكد الكتاب بالمقابل، على أن الوكالة والحكومة الأمريكية هي التي تستخدم الحرب الجرثومية والكيماوية (ص219-220)، بالإضافة للكذب، فمن أهداف الدعاية السوداء الابتزاز وإجبار الحكومات والبرلمانات المستهدفة على اتخاذ قرارات سياسية محددة.
     إذاعة أوروبا الحرة
    تعتبر إذاعة الحرية وأوروبا الحرة من أهم القنوات التابعة للمخابرات الأمريكية، التي تمولها بصورة مباشرة ويتجمع فيها منشقون وعملاء ولاجئون سياسيون من البلدان المستهدفة، بل إن المخابرات الأمريكية كانت تعين ضباطاً تابعين لها على نحو سافر مثل: هانس فشر، ماكس رايس، إيريك بيش، ومما يذكره تقرير للكونجرس 1981 أن 335 حالة كذب وردت في أعمال هذه الإذاعة في عام واحد هو 1979.
     المنظمات غير الحكومية
    بدأ توظيف المنظمات غير الحكومية مبكراً من قبل الوكالة باسم جميعات الشعوب المستعبدة ، ثم تحت غطاء دعم البنية التحتية للديمقراطية. وقد اتخذت العملية من اختراق المنظمات الطلابية والنقابية والشبابية والأكاديمية والنسائية والثقافية مدخلاً لنشاطاتها وتأثيرها الإعلامي والإيديولوجي وباتت لها ماركات أو علامات واضحة تدور كلها حول كلمة الحرة والحر مثل النقابات الحرة، الشبيبة الحرة، إذاعة أوروبا الحرة، رابطة التعليم الحر…. وهكذا.
    كما كانت العديد من منظمات حقوق الإنسان تحت سيطرتها ومنها منظمة العفو الدولية التي نشأت 1969 برعاية المخابرات البريطانية وكذلك الأمريكية. أما الأخطر على هذا الصعيد فكانت الأوساط الثقافية والإعلامية والأكاديمية (بيل، هارفارد، معهد كاليفورنيا، ماساشوسيتس) ويشار هنا (من خارج الكتاب) لإصدارات هامة ذات صلة مثل كتاب من يدفع للزمار لسوندرز، والدعارة الأكاديمية لكوستلر، وكذلك إلى كتاب (المتلاعبون بالعقول).

د. موفق محادين