منطق الصراع أساسٌ للاستدلال على حياة الأمّة، لأن لا حياة دون صراع، ولأنّ حيويّة هذا الأخير هي التي تشير إلى عوامل القوّة التي تمكّن الأمّة من المواجهة والانتصار؛ ولعلّ هذا ما دفع سعاده إلى التّأكيد على ارتباط الصّراع بالتّقدّم لكونه قدر الأمم التي تريد أن تُكتَبَ لها الحياة. لذلك، فإنّ هذا المنطق ومفاعيله لا يجب أن يغيب عن يوميّاتنا، ولا يمكن أن يغيب، سواء في وعينا أو لا وعينا، في رشدنا أو لا رشدنا… إذا ما كنّا حريصين على مجتمعنا ووجوده وهويّته.
ففي وعينا ورشدنا أن يولد من رحم الآلام والاختناق في شعبنا “أسودٌ” رفضوا التنصّل من خوض الصّراع في سبيل حريّته وحريّة أرضه، إثباتاً بأنّ هذه الأمّة ترفض الاستكانة والخنوع، وتأبى الخروج من دائرة الوجود… وفي وعينا ورشدنا أن يكون لهذه الأسود “عرين” لا تطاله أيدي العدوان، ولا تبلغه رؤوس المستسلمين عبدة المنصب والسلطة… لذا فإنّ ظهور “عرين الأسود” في الضّفّة الغربيّة، بعد هروب العدوّ من معركته الأخيرة مع قطاع غزّة، يعدّ طلقةً جديدةً في جسد الكيان الواهن؛ كما أنّه نتيجة طبيعيّة للنار المتوقّدة في نفوس أبناء شعبنا التي “تسامت فوق هامات المنون”.
كذلك في وعينا ورشدنا أن يتجدّد النّهج التّمّوزيّ الفدائيّ الرّاسخ في تراث أمّتنا وثقافتها، على يد واحدٍ من أبطال بلادنا الحقيقيين، أو يمكن أن نسميه “أسطورةً” أخرى من أساطير الانبعاث لدينا، في وجه أباطيل القصص التّوراتيّة التي قام بإسقاطها، كما أسقطها أسلافه السّوريّون سابقاً… الشّهيد عديّ التّميميّ كتب أسطورته متّبعاً خطط النّفس السّوريّة؛ فبات، حتّى بعد استشهاده، رعباً للمستوطنات اليهوديّة الآيلة للانهيار، ولو بعد حين…
هذان الحدثان ليسا عابرين في الذّهن الجماعيّ لعدوّنا، لأنّه إنذار وجوديّ بحتميّة زواله عن أرضنا، مهما عبث في بنيتنا الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة، وحتّى الثّقافيّة… ومهما كان من أمر دعواته المضلِّلة التي تنطلي بسهولةٍ على بعض أبناء شعبنا، ومنها ما يرد تحت عناوين ثقافيّةٍ مشبوهة الخلفيات والأهداف، وليست أدنى مستوياتها طروحات بعض أعلامها العدائيّة تجاه شعبنا عموماً، وفي فلسطين على وجه الخصوص، ولا يمكن أن تكون صدفةً ثقافيّةً بريئةً اختيار بيروت موقعاً لإعلان الفائزين بجائزة “غونكور” الشّهيرة لتكون غطاءً تطبيعيّاً مقنّعاً يسمح لأمثال أولئك دخول بلادنا بأمانٍ مستهزئين. ولعلّ إمعان بعض أبناء أمّتنا في لبنان، دون وعيٍ أو رشد، بالمفاخرة في حدثٍ كهذا لا يعدّ إلّا وقوفاً في الصّراع ضدّ كيانهم وجذورهم وحقيقتهم، لا بل وضدّ وجودهم، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه!…
لكنّ هذا لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال أنّ طبيعة الصّراع ستتغيّر، لأنّ الصّراع بالنّسبة إلى أمّتنا صراعٌ من أجل وجودها وتقدّمها وإحياء قيمها. لذا فإنّ مَن باع نفسه للشيطان يمكن أن يستعيد رشده، وأن يعيد بندقيّته إلى صدر العدوّ، بعد أن أداره إلى صدور أبناء بلاده وإلى مكامن القوّة التي حمته ودعمته وغذّته؛ ولن يكون آخر مثال على ذلك عودة “حماس السّياسيّة” إلى حضن دمشق، وذلك اعترافاً بالخطأ الجسيم، للسير مجدّداً خطوةً إضافيّةً في طريق تحرير جنوبنا…
مفاعيل الصّراع من أجل الوجود مستمرّة وجليّة على السّاحة القوميّة اليوم، ربّما بشكلٍ يوميّ، كما كانت باديةً على الدّوام، لكنّه قد بات أكثر تعقيداً وصعوبةً؛ لأنّ التّنّين الذي يواجهنا تعدّدت رؤوسه أكثر فأكثر، كما تنوّعت أساليبه “النّظيفة” فضلاً عن التّقليديّة… غير أنّ إرادة الحياة في أمّتنا ما زالت في اتّقادٍ متصاعد، وابنتها المقاومة، كلّ المقاومة، لم تبرح جهوزيّتها وتطوير قدراتها وأساليبها؛ ولعلّ في التّغيّرات الدّوليّة والإقليميّة الآتية، فرصة سانحةً لانتصارنا الجديد، فهل نحن واعون ومخطّطون وفاعلون…؟
عميد الإذاعة والإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي لؤي زيتوني