الموحدون طائفة عصية على الاختطاف

الموحدون طائفة عصية على الاختطاف

ابتداء، فإن التاريخ السياسي – الاجتماعي لهذه الكتلة الحيوية من سوريا التاريخية، تاريخ وطني مجيد ضد كل أشكال الاحتلال العثماني والفرنسي وضد كل أشكال الاختطاف السياسي اللاحقة، ولا يحتاجون لشهادة من أحد حول هذا التاريخ.
انطلاقا من هذه الحيثية، ومن اعتبارات أخرى تطال الجغرافيا السياسية لسوريا التاريخية برمتها، كان الموحدون هدفا للاختراق من قبل أقلام الاستخبارات الأطلسية والصهيونية، وذلك في سياق السيناريو الذي أقره الكونغرس الأمريكي بالاعتماد على مشروع قدمه المؤرخ اليهودي الأمريكي، برنارد لويس، وهو السيناريو الذي يدعو لتمزيق وتقسيم الشرق كله إلى كانتونات وبانتوستانات طائفية وجهوية، سواء من خلال العدوان المباشر كما حدث مع العراق، أو التآمر المركب ضد سوريا وما يتعرض له لبنان، ناهيك بما شهده السودان وتشهده ليبيا وغيرها.
في سبيل ذلك، وبموازاة الأشكال والأدوات السرية والعلنية المعروفة وإنتاج طبعات وموجات مختلفة من الثورات الملونة وأساتذتها اليهود أمثال: سوروس، ساتلوف، برنارد ليفي، أكرمان، جين شارب، جورج فريدمان، برنارد لويس.. الخ، كان الأخطر هو الشخصية غير المعروفة كثيرا، وهو اليهودي الأمريكي نوح فليدمان، الخبير القانوني لدى البنتاغون والمخابرات الأمريكية.
فإذا كان جورج سوروس، المهندس الأيديولوجي لتفكيك الدول والمجتمعات على إيقاع مشروع لويس المذكور، فإن نوح فيلدمان هو المهندس السياسي لإعادة تركيب هذه الدول والمجتمعات على إيقاع اللادولة، شرق من الكانتونات بلا دول حقيقية، وذلك من خلال شكلين متكاملين:
الأول، استبدال الهويات الجامعة بهويات فرعية، طائفية وجهوية وترجمة ذلك في دساتير ونصوص قانونية على غرار دستور بريمر في العراق (الأدق دستور نوح فيلدمان) الذي كان يشغل المستشار السياسي والقانوني لبريمر.
الثاني، اللامركزية عبر مرحلتين، انتقالية ذات طابع إداري غير مستفز ثم لامركزية سياسية وانشقاقات وتصدعات طائفية بعد أن تكون اللامركزية الإدارية قد هيئت البيئة والأرضية الاجتماعية لها.
ويشار هنا إلى ملاحظتين: الأولى أنه حتى اللامركزية الإدارية وما تحمله من تسهيلات للمناطق الطرفية تحتاج إلى مقدمات منطقية سكانية وجغرافية، على غرار دول مثل الهند وكندا وأستراليا، والأهم ألا تخالط هذه التسهيلات بنية فسيفسائية تفجيرية أو برسم التفجير محليا ودوليا، أما الملاحظة الثانية فهي أن البيئة المذكورة لا تزال عموما مثقلة بالرواسب الإقطاعية العثمانية، إضافة إلى تركيبات رأسمالية مشوهة دون أن تتمكن عمليات التحديث من التحول إلى حداثة حقيقية تطال البنية العميقة نفسها.
فالحداثة الحقيقية تحتاج إلى إطلاق ثورة قومية ديموقراطية في أنماط الإنتاج والعلاقات الاجتماعية بما يؤدي إلى صهر المجاميع ما قبل الرأسمالية، الطائفية والجهوية في مجتمعات مدنية ومواطنة اجتماعية، وليس في نصوص دستورية شكلية تتراجع أمام أدنى أزمة هنا وهناك أو في امتحان صناديق الاقتراع.
إلى ذلك، وفي ضوء المقاربات الموضوعية السابقة، فإن دخول أقلام الاستخبارات الأطلسية والصهيونية والعثمانية الجديدة على التشكيلات الاجتماعية المشوهة أمر ممكن ومنظور ومخز في الوقت نفسه، أيا كانت الكتل المستهدفة وخلفياتها الطائفية.
ويكمن وجه الخطورة في استهداف إحدى كتل المقاومة تاريخيا مثل طائفة الموحدين في تزامن ذلك مع شعار يهودية الدولة ومحاولات العدو التخلص من العبء العربي داخله ومن ذلك اختراع أشكال كانتونية لهذه الكتل على مستوى الإقليم كله.
فمثل هذا الكانتون الذي يعزز لدى العدو يهودية الدولة وصولا إلى برلمان يهودي بالكامل، من شأنه أيضا أن يوفر له مداخل للمضي أكثر في سيناريو التقسيم والتمزيق الذي يستهدف المنطقة وخاصة سوريا ولبنان.
عطفا على ذلك، إذا كان من حق أي سوري وأي مواطن في أي بلد عربي أن يرفع الصوت ضد حيتان الأسواق والإفقار ويدعو إلى وقفات جذرية في وجه أوهام الرهان على الانفتاح والتعايش مع فلسفة السوق وجماعات البنك الدولي وإعادة الهيكلة التي جربت في بلدان عديدة وكانت نهايتها مدمرة ومروعة، فليس من حق أي عربي ولا سوري أن يخرج في مظاهرة ضد تردي الأحوال المعيشية الناجمة عن الحصار الأمريكي المعروف، وهو يحمل علما طائفيا دون أن يؤشر على العدو الأمريكي الذي يحاصره ويجوعه ويسرق موارده وهو على بعد أمتار منه في قاعدة التنف.
فهنا تفوح رائحة هذا العدو خلف المظاهرات، ورائحة الكانتون وكونفدرالية نوح فليدمان المدارة من تل أبيب وواشنطن وأعوانهما وفضائيات الغاز المسال المعروفة رائحة تزكم الأنوف، من دستور بريمر في العراق إلى الضغوط الأمريكية وجماعات النفط السياسي على سوريا، من أجل دستور كونفدرالي تمزيقي، إلى العلم الطائفي الذي يرفع في مناطق أخرى، وسبق لقائد الثورة السورية وبطلها، زعيم الموحدين، سلطان باشا الأطرش، أن مزقه ورماه في وجه الفرنسيين، وإلى جانبه ثلة من القادة الأبطال الكبار، صالح العلي في جبال العلويين وإبراهيم هنانو في حلب والأشمر في الغوطة، مؤكدين على وحدة سوريا وعروبتها.
ومما لا ينبغي نسيانه هنا، أن الأعلام الطائفية التي رفعت في مناطق سوريا خلال التظاهرات الأخيرة ليست جديدة في تاريخ سوريا ولا في السيناريوهات الاستعمارية نفسها، فالعلم الذي حوله مدفوعون باسم المعارضة خلال العشرية السوداء الأخيرة في سوريا، ويحمل ثلاث نجمات حمراء، هو علم من تصميم المخابرات الفرنسية، التي ما أن تمكنت جيوشها من احتلال سوريا حتى قامت هذه الدولة (العلمانية) بإلغاء الدستور المدني الذي أقره المؤتمر السوري العام وبإلغاء العلم الذي يمثل الهوية الجامعة العابرة للطوائف، واستبداله بعلم النجمات الحمراء التي ترمز إلى الكانتونات الطائفية التي اختلقها الفرنسيون ويعاد رفعها اليوم بديلا لدولة سوريا الواحدة الموحدة.