قد لا تعرف إسمه، لكن بالتأكيد المخرج المفضل لديك يعرفه، لأنه ساعد في تغيير وجه الفيلم في القرن العشرين.
كان متمردًا طوال حياته، و اختار الموت بشروطه الخاصة، بدلاً من ترك الموت يتسلل إليه.
يعتبر فيلمه الدرامي الإجرامي “Breathless” عام 1960 أحد أعظم الأفلام في كل العصور، فبدون إستخدامه الرائد لل”Jump cut”، لم يكن من الممكن وجود أفلام الحركة الحديثة.
و إستحوذ أسلوبه الطبيعي على مواضيعه كما لو كان يحاول أن يعطي نظرة خاطفة صريحة على حياة شخصياته، بدلاً من التقاط المشهد فقط.
كان غودار رجل أفكار وليس مجرد صاحب رؤية فنية، فقد كان شاهدًا ومشاركًا في الستينيات المضطربة، حيث استحوذ على الحالة المزاجية للجيل الجديد من الشباب الفرنسي الذي يكافح من أجل النمو في أعقاب الحرب العالمية الثانية. النضال الطبقي، وإنهاء الاستعمار والثورة الجنسية-عالجها غودار جميعًا، و رأى أن مهمته لم تكن إبداعية فحسب، بل كانت تساعد في تدمير “الثقافة البرجوازية” القديمة.
فيلمه “أصوات بريطانية” عام 1969 تحدث الرجل عن نفسه بكلماته الافتتاحية:
«لقد خلقت البرجوازية عالمًا على صورتها. أيها الرفاق، دعونا ندمر تلك الصورة».
جادل غودار بأن المشكلة الرئيسية في السينما -السينما الأمريكية على وجه الخصوص- هي أنها لا تحتوي على موضوع، بل قصة فقط.
لا يتمحور الفيلم حول المعنى، بل يقوم على جمالية، أو ممثل معين، بمعنى أن يكون الموضوع مجرد إهتمام ثانوي.
فعمل غودار بشكل مختلف تمامًا، واكتسب شهرة في إرتجال المشاهد والحوار على الفور.
ما كان يرغب في تجاوزه هو المحتوى وليس الشكل فقط.
هذا ما جعله شخصًا صعبًا للعمل معه، لكن النتائج تتحدث عن نفسها.
لكن هذا لا يعني أن أفلامه لم تكن مبتكرة في تقنياتها. هو جزء من حركة فنية ستُعرف باسم
“الموجة الفرنسية الجديدة”،
كانت الطبيعية هي المفتاح لأسلوب غودار، لكنها كانت واقعية مشوبة بالعبثية.
مشاهد يمكن اقتطاعها من الحياة الواقعية، تتخللها اندفاعات من الألوان والحركة والصوت.
فهو يلتقط بأسلوب شبه وثائقي موضوعاته كما لو كانوا أناسًا حقيقيين، لكنهم في نفس الوقت أكبر قليلاً من الحياة، و ينجح دائمًا في إظهار شيئًا غير عادي إلى حد ما.
أشار ذات مرة إلى أبطال أحد أفلامه على أنهم “أبناء ماركس وكوكا كولا”.
بالمقابل، ربما يمكننا أن ندعوه “ابن ماو تسي تونغ وأندريه بريتون”.
عندما قاد العمال الباريسيون والطلاب الراديكاليون إنتفاضة ضد حكومة شارل ديغول المحافظة في مايو 1968 ، نجح غودار وعدد صغير من صانعي الأفلام الآخرين في إغلاق مهرجان كان السينمائي تضامنًا مع الحركة. تم القبض عليه نفسه أثناء مشاركته في حركة التمرد.
لم يكن إلتزامه الأيديولوجي مفاجأة لأي شخص، ولم يكن فريدًا بين صانعي الأفلام الفرنسيين، لكن غودار تمكن من الجمع بين إلتزامه الثوري والإحساس القوي بسرد قصص لم يتمكن سوى قلة من الآخرين تقليدها.
حيث بينما قد يكون العديد من الفنانين ذوي الدوافع الأيديولوجية قد سقطوا في نطاق الagitprop الضحل، قامت الحركة الجماهيرية بتنشيط إبداع غودار ، بدلاً من دفعه جانبًا.
في فيلمه “La Chinoise” عام 1967 ، وهو فيلم يتبع الراديكاليين من الطلاب الماويين الذين يأملون في إسقاط الحكومة من خلال العنف، يقف بشكل لا لبس فيه مع أبطالها أخلاقيًا ، لكن يتم تصويرهم على أنهم بشر معيبون، و عيوبهم هي السبب وراء التراجع عن تصميمهم.
فقد آمن غودار بقدرة الشباب الثوري من حوله، لكنه لم يخف عيوبهم، ولم يظهر فضيلة في أخطائهم.
بيروت اليوم ليست باريس عام 1968، ولكن في بعض الأحيان ، يبدو أنه يمكنك شم رائحة الغاز المسيل للدموع وسماع صيحات المتاريس.
إن أوقات التحريض الاجتماعي هي دائمًا أوقات التحريض الفني، ولم يكن هناك نقص في المواد للجيل القادم من الفنانين وصانعي الأفلام الذين، باختيارهم للأدوات التي تركها لهم غودار وغيره من أساتذة الفن العظماء ، سوف تروي قصصهم الأجيال الجديدة وتحفظ مكانها في عالم متغير.