نلاحظ جميعاً بعض التزايد النسبي على طلبات الجنسية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، ونعلم نحن المحامون على الأخص حجم هذه الزيادة بسبب توجه المعنيين بالأمر إلى مكاتبنا بهدف إكمال التصريح (תצהיר) المرفق بالطلب، والذي يستلزم ختم محامٍ.
طبعا أنا وغيري الكثير من المحامين نرفض هذا الأمر، ونحاول تقديم النصيحة للمقدمين على هذه الخطوة، ولذلك رأيت أنه من المناسب أن أطرح هذه الموضوع للنقاش العام مع شرح لمخاطره وسلبياته على الأفراد والمجتمع بشكل عام، علنا نسهم في الحد من هذا الانزلاق المقلق نحو الهاوية.
ونسأل بداية قبل طرح المخاطر، ما هي المكاسب التي يسعى إليها هؤلاء من هذه الخطوة؟
يبدو أن هذه المكاسب تتلخص عند الغالبية العظمى من طالبي الجنسية في موضوع سهولة السفر والتنقل خارج البلاد مع جواز السفر الإسرائيلي، وعند قلة معينة يبدو أن هناك مطامح في وظائف حكومية تستلزم الجنسية.
إلا ان هناك عوامل مؤهبة تدعم هذا التوجه أهمها “الخلخلة” التي أصابت الشعور بالانتماء للوطن الأم سوريا، بخاصة في ظل المأساة الوطنية التي حلت بالبلد من ضعف وعنف ودمار وتفكك واستبداد وقهر، والتي جعلت غالبية السوريين يلجؤون، أو يتمنون اللجوء، إلى بلاد أخرى تُحترم فيها حقوق الإنسان وتحميها. أضف إلى ذلك الشعور بالدونية عند بعض الشباب العربي تجاه الآخر الأجنبي، وحتى الإسرائيلي.
وبالعودة إلى “مسألتنا المحلية”، تزايد الطلبات على الجنسية الإسرائيلية، أعتقد أن هذه النظرة “المصلحية” و”المبسطة” إلى الأمور تتعامى عن جوانب في غاية الأهمية، ومن ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: الإقدام على حمل الجنسية الإسرائيلية لن يقتصر على الفرد بذاته، فالجنسية تورث، وبعد سنوات من الآن قد نكون أمام جيل جديد يحمل الجنسية إجبارياً لا اختيارياً، ولن يكون بمقدوره التنازل عنها، وسيقف عاجزاً أمام الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي، وربما يتورط في حروب إسرائيل ضد شعبه وأهله وأخوته، ومن المرجح أن يكون في الصفوف الأولى للمقاتلين من أجل إسرائيل اليهودية.
ثانيا: الموقف الأخلاقي الطبيعي الذي يفترض أن ينحاز إليه أي شخص حر يؤمن بالعدالة والقيم الإنسانية، ويرفض الظلم بحق نفسه وبحق غيره، ألا وهو “طبيعة هذه الدولة” القائمة على العدوان واحتلال أراضي الغير وتشريدهم، وسياسة الفصل العنصري مع ما تبقى منهم، ويعلم الجميع تماماً كم يبقى العربي منبوذاً في هذه الدولة؛ وحتى لو قدّم فروض الولاء والطاعة فإنه سوف يبقى صنف ثالث وفق قوانين الدولة التي تعرّف نفسها بوصفها دولة اليهود.
هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي تجعلنا نمتنع عن هذه الخطوة لا مجال لسردها في هذه العجالة، إلا أن مناقشة هذه الأمور أصبحت ضرورة وجودية، وعلينا أن نتساءل لماذا وصلنا إلى هنا، وما هي النتائج إن استمرت هذه الحالة من التفكك الاجتماعي والسياسي والثقافي التي ألمت بنا في السنوات الأخيرة، وعلينا البدء في إعادة البناء، من جديد، لثقافة وهوية ثقافية وسياسية متماسكة نورثها للأجيال الجديدة. وفي مجال الحقوق والمصالح الاجتماعية والفردية علينا الوصول إلى صيغة جديدة نفرض فيها على الدولة المحتلة احترام حقوقنا دون “دونية” ودون الانسلاخ عن هويتنا.
المحامي دريد بريك – الجولان المحتل