المجتمع معرفة والمعرفة قوّة. الجامعة اللّبنانيّة، المعرفة الضّائعة

 

لم يكن من باب الصّدفة أن يختار سعاده عبارة “المجتمع معرفة والمعرفة قوّة” شعاراً للزّعامة، خصوصاً أنّها مقولة فلسفيّة تتضمّن عمق الرّؤية وبُعْدَ الاستشراف. لكن بمعزلٍ عن مناقشة هذه المقولة، من المفيد والمهمّ التّأمّل قليلاً في المسار الذي تتّخذه أقانيم هذه المقولة الثّلاثة: المجتمع، المعرفة، فالقوّة. إذ أنّ الأساس الذي يشكّل منطلقها هو المجتمع الذي لا يمكن أن يُبنى دون معرفة، وهذه الأخيرة هي التي  تشكّل القوّة.

هذا المسار هو الذي يُدخلنا في مقاربة مسألة الجامعة اللّبنانيّة وما تعاني منه اليوم، لاسيّما المطالب التي يصرّ أهلها على تحقيقها، في مقابل إهمال متعمّدٍ وممنهج من قبل السّلطة. ونحن بالتّأكيد نؤيّد المطالب المحقّة لأساتذة الجامعة وهيئتها الإداريّة، لأنّها ليست مطالب رفاهيّة، بل مطالب حقّ.

غير أنّنا، على المقلب الآخر، لا نجد أفقاً فعليّاً للخروج من أزمة اللّبنانيّة، لكون القيّمين على إدارة البلاد مشغولين بأولوياتٍ أخرى تبقى الجامعة أشدّ بعداً عنها، وعلى الأرجح أنّها تقع في أسفل قائمة اهتماماتهم؛ وبالتّالي فإنّ طريق الحلّ مسدود في التّعامل معها، وحتّى مع تمرير بعض النّقاط في موازنة 2022، والتي قد تخفّف من معاناة أهل الجامعة وأزمتهم الحادّة.

في مستوى آخر من هذه الأزمة، من المؤسف، لا بل من المحزن أن نرى انطلاقة العام الأكاديميّ في الجامعات الخاصّة كافّة على نحوٍ طبيعيّ، في حين أنّه في الجامعة الوطنيّة ما زال معلّقاً وضبابيّاً، في ظلّ سعيٍ حثيثٍ من قبل مسؤوليها إلى تسيير هذا العام وتيسير انطلاقته، دون قدراتٍ بشريّةٍ ولوجستيّة وماليّة فعليّة، ودون إمكاناتٍ محفّزة لأساتذتها وموظفيها ومدربيها للوصول إلى مبانيها والانخراط نفسيّاً في عمليّاتها الأكاديميّة المعرفيّة، خصوصاً وسط لجوء بعضهم إلى مؤسّسات خاصّة، محلّيّةٍ أو خارجيّة، ما أضعف الولاء لها، وهذا عدا الذين رحلوا عنها نهائيّاً.

استناداً إلى ذلك كلّه، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأزمة التي تعاني منها الجامعة اللّبنانيّة لا تتعلّق بالجانب الماليّ، وإن ظهرت نتائجها على هذا الشّكل؛ الأزمة في أساسها أزمة ثقافةٍ ومعرفةٍ وهويّة، تتجلّى في  مَن يرى فيها عالةً على الدّولة ومسرباً أو مهرباً للمال، وعلّةً للفهم والوعي من غير الممكن مساندتها، كما في مَن يرى أنّها حيّزٌ للحصول على مُرتّبٍ محترمٍ مفترَض مع لقبٍ مغرٍ في الأوساط الاجتماعيّة، إضافةً إلى مَن يجد فيها موضعاً لرفاهيّة التّعالي.

إذاً فالأزمة في المفاهيم والدّور، وذلك لإبعاد اللّبنانيّة عن هويّتها الرّئيسة، كما لإضعافها بنيةً ومضموناً لمصلحة الجامعات الخاصّة المنتشرة على مساحة الأراضي اللّبنانيّة، مع احترامنا لها. إلى جانب  ذلك، يمكن القول إنّ أزمة المفاهيم والدّور هذه تتعلّق حكماً بما يقع خارج الجامعة، كما يقع داخلها، لأنّ المؤسّسات الجامعيّة الخاصّة، في معظمها، على ارتباط وثيقٍ بالطّائفيّة والمناطقيّة ومراجعهما.

بناءً عليه، نقول إنّ ما يجري في الجامعة الوطنيّة ليس سوى مشروعٍ خبيثٍ ممنهجٍ لكسرها من الخارج والدّاخل، والقضاء عليها… ما يعني أنّ انهيارها خطوة أساس في طريق الفيدراليّة المطروحة بتسمياتٍ واضحةٍ أو مخادعة، وبالتّالي فإنّ مَن يمعن في تعطيل العمل الأكاديميّ فيها يخدم، من حيث يدري أو لا يدري، ذاك المشروع المفتَرَض…

فيا أهل الجامعة الجامعة… أنتم تحملون المعرفة التي تشكّل المجتمع، والتي تمنح القوّة له… اعملوا بوحي مفهوم الجامعة الوطنيّة ودورها الخطير، قبل أن يقتصر حضوركم على المنحى المادّيّ والفرديّ… واعرفوا أنّ جامعتكم وحضوركم يؤثّر في مصير البلد بأسره، لا في مصيركم الشّخصيّ فحسب…

د. لؤي زيتوني