بيب غوارديولا الأفضل…نعم الأفضل

تشغل فكرة “الأفضل” مشجعي كرة القدم، وتملأ النقاشات بينهم حول هذا الموضوع مواقع التواصل الاجتماعي، ولا ينحصر الأمر بالمشجعين فقط، بل يتخطاهم ويدور النقاش عن الأمر حتى بين أبناء هذه الرياضة.
وعندما يتعلّق الأمر بالمدرّبين، يحتد النقاش حين يطال المدرّب الإسباني جوزيب غوارديولا الذي يعرفه عشاق كرة القدم ب “بيب”، فالبعض يراه الأفضل على الإطلاق، والبعض الآخر يصنّفه بين الأفضل وآخرون يرونه مدرّبًا عاديًّا خدمه اللّاعبون الّذين درّبهم، والأموال الّتي صرفت لتدعيم الفرق الّتي درّبها، خاصّةً مانشستر سيتي الإنجليزي.
بدأ بيب غوارديولا مسيرته التّدريبيّة في برشلونة الإسباني، الذي كان في السابق أيضًا لاعبًا في صفوفه، وفي موسمه الأوّل حقّق السّداسيّة، أي كلّ البطولات الّتي شارك الفريق فيها، أي بطولة الدوري الإسباني، كأس ملك إسبانيا، السوبر الإسباني، دوري أبطال أوروبا، السوبر الأوروبي وبطولة العالم للأندية، واستمرت الإنجازات مع النادي الكتالوني في المواسم اللاحقة. بعدها درّب غوارديولا بايرن ميونخ الألماني، واكتفى معه بتحقيق البطولات المحليّة، وهنا بدأ التشكيك بقدراته لأنّه لم يتمكّن من تحقيق أي بطولة دوري أبطال مع النادي، ونسب الفضل في نجاحاته مع البارشا للاعبين، مع العلم أنّه قبل قدومه إلى النادي كان يعاني جدًّا، أمّا اللاعبون فكانت الاكثرية الساحقة منهم من خريجي أكاديميّة النادي “لا ماسيا”، ومع مانشستر سيتي ظلّ المشككون ينتقدونه مطالبين إيّاه بتحقيق دوري الابطال، حتّى نجح بتحقيقه في موسم الثلاثيّة، وحتّى بعدها استمرّوا بنسب الفضل للأموال التي صرفت، مع العلم أنّه على سبيل المثال نادي مانشستر يونايتد صرف أكثر من السيتي ولم يحقّق انجازات تذكر، وتشيلسي صرف في موسم واحد مئات الملايين وقبع في مراكز متأخرة.
كل هذا دليل على عبقريّة بيب، فهو كان يدرك على من يصرف أموال النادي، نعم كانت بين يديه ميزانيّات مفتوحة لكنّ بيب لم يبحث يومًا عن الأسماء الرّنّانة، بل عن لاعبين يخدمون منظومته، وهو الذي يشهد له بإطلاق لاعبين شبه مغمورين إلى العالميّة.
كان بيب، وفي بداية مسيرته التدريبيّة مدرّبًا يفتقر للخبرة، لذلك كان يقع في الأخطاء، ومنها إصراره على اللعب بأسلوب واحد، والّذي عُرف بأسلوب “التيكي – تاكا”، ولكن مع مرور الوقت، واكتسابه الخبرة، تعلّم المدرّب الإسباني من أخطائه، وتطوّر فكره الكروي بشكل ملحوظ، فأصبح يعتمد على أكثر من أسلوب، وينجح بتغيير خططه بحسب متطلّبات كلّ مباراة وكلّ خصم، دون أن يتخلّى “الفيلسوف” عن فلسفة “الكرة الجميلة”، فمشاهدة أي نادٍ يدرّبه تُعتَبر متعة للمشاهد، فحتّى خصومه يشهدون له ولجمال أسلوبه.
كما أنّ غوارديولا هو واحد من المدرّبين الّذين يدركون جيّدًا كيف يخرجون أفضل ما في لاعبيهم، لذلك كنّا نرى الكثير ممّن يغادرون فريقه للعب تحت قيادة مدرّب آخر يفشلون، أو في أحسن الأحوال يتراجع مستواهم، أمثال ليروي ساني، وكانسيلو وغيرهما، وهو دليل على أنّ بيب هو صانع النجوم وليس العكس.
وعلينا أن لا ننسى أنّ تألّق الفيلسوف التكتيكي وسعيه الدؤوب للتميّز لم يقوداه فقط إلى العديد من الألقاب لفرقه، بل ألهم أيضًا المدربين الآخرين وأثّر عليهم.
وما يميز جوارديولا ليس عدد القابه في فترة قصيرة نسبة لغيره من أساطير التدريب ولكن أيضًا تأثيره على اللعبة نفسها حتّى ارتبط اسمه بكلّ أداء جميل يقدّم فوق أرضيّة الميدان.
أحببته أو لا، كنت من عشّاق الكرة التقليديّة او التحديث في عالم كرة القدم، فأنت لا تستطيع أن تكون عاشق كرة قدم دون أن تعترف بما قدّمه غوارديولا لعالم المستديرة، معشوقة الجماهير.