إنّ اطلاعًا بسيطًا على تاريخ علم النفس وتطوره يبيّن لنا تفرّعه في دراسة مراحل عمر الإنسان إلى ثلاث فئات أساسية (طفل- مراهق- راشد).. فهل تم تغييب “الشباب”، أم أنهم ظاهرة مستجدة عالميًا أو فئة اجتماعية حديثة؟
تشير السير الذاتية لمسؤولين وقادة سياسيين أو حتى مؤثرين اجتماعيين سابقين أن دخولهم إلى أسواق العمل وحيازتهم الاستقلالية اقتصاديا واجتماعيا وحتى سياسيا كانت بسن أصغر مما هو معتاد اليوم. فكأن النمط الغالب سابقًا يشمل العبور من المراهقة إلى الرشد مباشرة-أي مرحلة الإنتاج والاستقلال-متخطيًا مرحلة الشباب.
إلّا إننا اليوم نشهد تأخرًا بسن الانتقال إلى الأهلية الاجتماعية، ذلك لأسباب عدة منها طول مدة الإعداد التعليمي (التي تنتهي غالبًا بعمر ال ٢٣/٢٤) وما يرافقها من إفراط في الوعي والنضج إلى جانب الافراط في التأخر بالدخول إلى سوق العمل. بينما سابقًا، وحيث كان عمل الفتى هو مهنة أجداده الذي كبر عليها، فإن إنتاجيته تبدأ في وقت أبكر. لذلك نشعر بضرورة بلورة علم يدرس الشباب، تلك الظاهرة المستجدة عالميًا، من النواحي النفسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية على السواء.
في حديث للدكتور مصطفى حجازي عن الشباب، يحكي عن قسمتهم إلى أربع شرائح:
-شريحة النخبة: وهم الحاصلون على أحسن رعاية صحية ونفسية وتعليمية، الذين سرعان ما يحصلون على وظيفة عمل بمراكز مهمة.
-شريحة محدثي النعمة: وهم من بيئة غنية، يحصلون على أحسن الخدمات التعليمية والصحية لكنهم يفتقرون إلى رعاية الأهل الخاصة حيث توكل مهمة تربيتهم للآخرين (الخدم مثلا). وهم يعوضون فراغهم العاطفي بالبذخ والسلوكيات المنحرفة كالمخدرات والجنس ..
-شريحة الكادحين: وهم من بيئات فقيرة إجمالا لكنهم جادون بطلب العلم والدراسة ( طلاب الجامعة اللبنانية مثلًا). وهذه الشريحة عادة ما تكون عاجزة عن منافسة الفئة الأولى في تأمين فرص العمل.
-شريحة شباب الظل(وقود العنف): الذين لم تتوافر لهم فرص الرعاية والتعليم الجيد، يشغلون أعمالا تستنزف قدراتهم. وهي الشريحة المهمشة التي تحاول أن تثبت نفسها من خلال أعمال العنف والشغب.
إذا ما ركزنا النظر على الشريحة الثالثة، والتي لا يحتاج النظام الأميركي في أحسن حالاته أكثر من عشرين بالمئة منها سنويًا لوظائفه، نرى إنها صمام أمان الأنظمة.
لذا، ومن أجل السيطرة عليها والحد من جموحها الثوري، تم ترويج ثقافة التسلية، أو “رضاعة التسلية” ( tittytainment) كما أطلق عليها زبغينو بريجنسكي، أحد كبار منظري العالم الجديد.
فصارت التسلية والإلهاء نوعًا من المخدر الفعال. وتم إغراق هذه الفئة بالجنس والألعاب( نلاحظ صعود سوق الالعاب الرقمية) إلى جانب البرامج والمسابقات التي تداعب نزعة الفردانية عند الأشخاص عبر صناعة النجومية السريعة وإغراءات مجد الأضواء.
نتيجة لما ذُكر، تظهر فئة شابة سطحية وعقيمة ثوريًا، غارقة في بحر اللذات والنشوات السريعة والتافهة. تتعامل مع كل ما يدور حولها على أنّه trend، حتى في العلاقات الإنسانية التي تصبح شبيهة بال “سلع” فسرعان ما يمكن تبديل أصحابها. هذا ولا ننفي بناء نظرتهم عن الزواج والأطفال كشكل من أشكال القيد الذي لا يبتغونه.
مثل هذه السطحية، إلى جانب العادات والتقاليد الصارمة والكبت الحاصل في بلاد العالم الثالث اجمالا، تطلق العنان لمجموعات من ثوار ال “هيبيز” لكسر كل القيود التي تكبّلهم. تبني جوهر علاقاتها على أساس جنسي، رافعة شعارات مثل “مارسوا الحب لا الحرب”، تتعاطى المخدرات، وتناهض العنف والسلاح.
تتعامل مع كل القضايا المحورية والهامة بسطحية، همها الأساسي هو الغرق أكثر في النشوة. ماجنة للحد الذي يجعلها تلفظ أي فرد لا ينجح باختبار معايير “الثوري التقدمي الهيبزاوي”.
مهما يكن، فلا أحد يمكنه أن ينكر أن هذه جماعات ليست إلّا زوابع فارغة تملأ نقصها في فضاء السوشيال ميديا، بينما هي واقعيًا “مساحة” في أزقّة مظلمة لا تتجرأ على الظهور.