نهضة الأرسنال

انتهت دوريات كرة القدم، ودار الحديث عن الأندية الكبرى التي نجحت بتحقيق الألقاب، أو الاندية المتواضعة التي تمكنت من ضمان مقعد لها في البطولات القاريّة، وبين الكلام عن الألقاب والانجازات، والانشغال بسوق الانتقالات والصفقات، تم نسيان أندية قدّمت موسمًا مميّزًا لكنّها لم تنجح بالصعود إلى منصّات التتويج.
من الأندية التي قدّمت أداءً بارزًا خلال الموسم الماضي كان نادي أرسنال الإنجليزي الذي تمكّن من تصدّر الدوري المحلي الممتاز لفترة طويلة، لكنّه خسر اللقب في النهاية لصالح مانشستر سيتي، وما أدراك ما مانشستر سيتي بترسانته من اللاعبين المميّزين تحت قيادة مدرب يعرف جيّدًا كيف يحقّق الألقاب.
وعلى الرغم من عدم نجاح مدفعجية لندن بتحقيق أي لقب الموسم الماضي، لكن هناك العديد من النقاط التي لا بد من الحديث عنها، وهي تشكل نقاط قوّة للفريق، وعلى رأسها المدرّب الشاب مايكل أرتيتا، والذي تمكّن خلال فترة قصيرة جدًّا من فرض أرسنال كمنافس جدّي في إنجلترا، بعد أن كان الفريق يفشل حتى ببلوغ المربع الذهبي، فمساعد غوارديولا السابق تسلّم دفّة قيادة الأرسنال عام ٢٠١٩، وبعد موسمين فقط نجح برسم شكل جديد للفريق وإعادته إلى مصاف الكبار. وأكثر ما يحسب لأرتيتا هو تحسينه لخط دفاع الأرسنال بشكل ملحوظ بعد معاناة طويلة في هذا الجانب، بدأت مع أرسين فينجر، واستمرت مع أوناي ايمري قبل أن يتمكن أرتيتا من حلّها، بمساهمة حارس المرمى آرون رامسديل المتألّق ومدافعين صلبين كويليم صليبا، جابرييل ماجالهايس، بن وايت وأولكسندر زينتشينكو.
لكن لم يقتصر التألق على خط الدفاع فقط، فلاعب الجناح ساكا ساهم بشكل لافت في الشق الهجومي بفضل أهدافه كما وتمريراته الحاسمة، وكذلك فعل لاعب الوسط اوديغار، ولذلك يمكن القول أنّ “منظومة” أرسنال نجحت بشكل ملفت بخلق فريق متكامل إلى حدّ كبير الموسم الماضي.
رغم كلّ ذلك، أصيب مشجعو النادي بخيبة أمل كبيرة، إذ أنهوا الموسم دون ألقاب على الرغم من الأمال الكبيرة التي عقدوها خلال الموسم، ولهذه الخيبة أسبابها أيضًا، فإن كان لاعبو الأرسنال قد تألقوا كأساسيين على أرض الملعب، فقد عانى الفريق من ضعف بدكته وغياب لاعبي الاحتياط القادرين على تعويض أي لاعب مصاب، وهو ما ظهر جليًّا خاصّةً بعد إصابة المدافع ويليام صليبا. هذا الضعف في الدكة أدى إلى انهيار الأرسنال في الجولات الأخيرة من الدوري، وأفقدهم القدرة على مجاراة السيتي الذي يمتلك لاعبي احتياط بجودة اللاعبين الأساسيين.
مشكلة أخرى عانى منها الفريق وهي غياب الليونة في التكتيك، واعتماد خطة لعب واحدة طوال الموسم وغياب التنوّع، إذ كان الفريق يلعب على الأطراف، وما إن فكّ الخصوم هذه الشيفرة حتى تمكنوا من مجاراة الأرسنال والتفوّق عليه.
ومع فتح سوق الانتقالات، دخلها الأرسنال من الباب العريض، فقام بانتداب اللاعب الألماني كاي هافيرتز من تشيلسي بصفقة بلغت قيمتها ٦٥ مليون جنيه استرليني، وهو يلعب كلاعب وسط هجومي أو كمهاجم، كما انتدب أيضًا لاعب وسط آخر هو ديكلان رايس من ويستهام يونايتد مقابل ١٠٥ مليون جنيه استرليني، ولتدعيم الدفاع تم التوقيع مع جوراين تيمبير من أياكس أمستردام مقابل ٤٥ مليون جنيه استرليني، مع شبه إجماع في وسائل الإعلام على أنّ إدارة النادي لا تنوي الانسحاب قريبًا من السوق، وهي ستقوم بعقد صفقات أخرى.
يمكن اعتبار الموسم الماضي تجربة ناجحة لأرسنال، لا على صعيد الألقاب، بل على صعيد بناء فريق قادر على المنافسة خاصة إذا ما تمّ تدعيمه بشكل صحيح وخاصة لناحية انتداب مهاجم صريح يساهم في تنويع أساليب اللعب، كما وشراء لاعبين للدكة قادرين على تعويض الأساسيين، أيضًا فأنّ امتلاك مدرّب شاب نجح بترك بصمته منذ المواسم الأولى يشكّل عاملًا مطمئنًا أنّه لو استمر بالتطوّر فهو سيطوّر الفريق معه أكثر وأكثر خاصة أنه نجح بإعادته إلى دوري الأبطال، بانتظار ما ستحمله المواسم المقبلة لمدفعجيّة لندن.